محمد الحرز - 13/07/2006م - 1:43 م 0
هل كان النص الفقهي في التاريخ الإسلامي هو من أهم المعوقات التي وقفت في وجه تحرر المرأة العربية ؟ هذا السؤال راودني كثيرا وأنا أستمع إلى محاضرة الدكتور عبد العزيز الدخيل في منتدى منبر الحوار والإبداع في الظهران. وسببه هو تركيز ورقة المحاضر على العقل الفقهي باعتباره السبب المباشر الذي أدى إلى استلاب المرأة على جميع الأصعدة والمستويات في الحياة العربية . وأضاف إلى هذا العامل عاملا آخر وهو الموروث الاجتماعي الذي في أغلبه لا يمت إلى الدين بصلة.
وعلى ضوئهما ركز نقده على الذين ينظرون إلى المرأة باسم النصوص الفقهية باعتبارها " ناقصة عقل ودين " , وهي نظرة دونية للمرأة ترسخت بالخصوص عند رجال الفقه الذين استحالت مواقفهم وآراؤهم حول المرأة مجرد تكرار لنصوص فقهية موروثة لا تمت إلى الواقع والحياة الراهنة بصلة . وهؤلاء بفهمهم الضيق للنصوص الفقهية- والتي في ظنهم تشريعية وهي ليست كذلك- ليس حول المرأة فقط, ولكن أيضا حول الإنسان المسلم في عباداته ومعاملاته ومعتقداته , زيفوا الوعي الديني في عقول عامة الناس , ولم يكتفوا بذلك بل حرضوا على العنف في تطبيقها , ورأينا كيف امتلأت واجهة المكتبات سواء في بعض البلاد العربية , أو في مجتمعنا السعودي بالكتب الفقهية الأكثر تشددا , أو الكتب التي تخدر الوعي عن طريق التسليم واليقين وكأن القرآن الكريم أو الإسلام بحضارته أختزل فقط في النصوص الفقهية الموروثة .
إن هذا النقد ليس غريبا ولا جديدا على الخطاب النقدي العربي , منذ أوائل عصر النهضة ركزت النخب الثقافية والسياسية على تجديد الخطاب الفقهي من داخله بالنسبة للإسلاميين , ونقده وإدماجه بالقوانين الوضعية بالنسبة لليبراليين , وأصبحنا نعيش حالة من التجاذبات والاستقطابات بين مختلف التيارات والتوجهات الفكرية المختلفة , ورغم ما بذله الباحثون والمفكرون من جهد في تجديد الفكر الديني وبالخصوص الفقهي في العقود الماضية لم يؤد ذلك إلى إزاحات مؤثرة بصورة إيجابية تكنس غبار القناعات التي ظلت تحرك السلوك الثقافي- الروحي عند عامة الناس .
هذا أمر من الأمور المحيرة , أين الخلل؟! هل هو في ضياع بوصلة التحليل النقدي عند الباحثين عن وجهتها الحقيقة ؟ أم أن هناك عطالة شاملة أصابت البوصلة والباحث على السواء ؟ أم أن ضيق أفق البحث عن الأسباب الأخرى التي تأزم وعينا الديني والحضاري والوجودي والتاريخي هي التي سدت المنافذ عن التأثير , وألقت جميع الجهود في مهب الريح ( أقول هذا الكلام وأنا أعلم تماما أن تأثير الفعل الثقافي على أي مجتمع يحتاج إلى مديات طويلة من السنين حسب تعبير المؤرخين ) . ولكن ما يحفزني على تبني هذا القول هي التجارب المبكرة التي شهدها تاريخنا الإسلامي في إطار التجديد الفكري والفلسفي والديني , ويمكن أن أشير على سبيل المثال إلى نموذج أبي إسحاق الشاطبي في كتابه الموافقات في القرن الثامن الهجري " الذي خلص من خلاله التشريع الإسلامي من الحرفية والتجزيئية في التعامل مع النصوص ومهد عمليا الطريق أمام الفقهاء كي يتلمسوا الأحكام بحرية أوفر مما يتيحه لهم ما أخذوا أنفسهم به من ضروب الاجتهادات في حدود المذاهب الفقهية المعروفة ". وهناك الكثير من الشواهد , ولكن الأكثر غرابة هو وجود علماء حاولوا تحت تأثير الشاطبي وغيره التجديد سواء على مستوى علم الفقه مثل الطاهر بن عاشور أو علال الفاسي في المغرب العربي , أو على مستوى النهوض الشامل في شتى الميادين مثل رفاعة الطهطاوي أو الكواكبي أو قاسم أمين وسعد زغلول أو غيرهم الكثير , ناهيك عن دور المرأة نفسها في تحرير قضيتها من ضغط ذكورية الرجل عليها , فقد وجدنا بواكير ذلك عند ملك حفني , وهدى شعراوي , ومنيرة ثابت في أوائل العشرينات من القرن المنصرم , رغم كل هذا الحراك الفكري إلا أن المرأة ظلت هي المرأة رغم عمليات التجميل التي طالت الشكليات فقط , وظل الفقه هو الفقه رغم معاول النقد والمساءلة , حيث يؤثر في الحياة اليومية للناس أكثر من أي شيء آخر.
إن مجمل التساؤلات السابقة هي نوع من المفارقة المؤرقة التي يصعب الإجابة على تداعياتها, لذلك جاء تساؤلي الذي صدرت به هذه المقالة مشروعا ومكملا لها في نفس الوقت , ولم يكن في هذا الصدد سؤالي استنكاريا على الإطلاق , وإنما استفهاميا بالدرجة الأولى , أي أنه يؤكد من جهته ضمنيا على حالة الحصار الذي يمارسها الخطاب الفقهي على المرأة من جهة ويسلم بوجاهة فكرتها , ولكن من جهة أخرى – وبناء على تلك التساؤلات- يحاول البحث عن معوقات أخرى في أفق مغاير , إنها نوع من المحاولة ربما نجد في أفقها الإجابة عن تلك المفارقة . لذلك أليس من الصائب القول أن الأفق السياسي هو المكان الأفضل للتوظيف الإيديولوجي للخطاب الفقهي ( وليس الديني) , ويجب أن نعترف هنا أننا لا نبحث عن أصل المعوقات أو المسببات , وليس هناك من جدوى في ذلك , الجدوى تكمن في السؤال التالي : لصالح من هذا التوظيف ؟ وضد من ؟ ولو أخذنا قضية المرأة كمحور في هذا السياق سينفتح لنا التاريخ على مصراعيه , وبكلمات أكثر وضوحا أقول : إذا ما أردنا أن نفهم وضعية المرأة في الحياة العربية ونجعلها في إطارها الصحيح ينبغي الرجوع إلى التاريخ في شموليته وليس في جزئيته, أو كما يقول المؤرخ أندريه جوندر فرانك أن ننظر إليه ( أي التاريخ) من منظار تلسكوب وليس ميكروسكوب , وهذا ما يفتح الدراسات على قراءة هذه الأزمة بشكل صحيح . لذلك يمكننا الكشف من خلال هذا المنظور عن ظاهرة الخطاب الفقهي ليس في ارتباطه بالمرأة في مرحلة معينة من التاريخ , ولكن النظرة الشمولية تجعلنا نعيد قراءة هذا الارتباط ضمن دائرة أشمل تضم في داخلها البعد الأسطوري والبعد السياسي والبعد الاقتصادي والروحي والثقافي , وهذه أبعاد متشابكة حد التعقيد يصعب فكاك الواحدة عن الآخرة أثناء التحليل , لذلك من هذه الوجهة لا يمكن إغفال أهمية دور الرمز والمخيلة على سبيل المثال عندما نريد البحث عن العلاقة التحكمية التي يديرها الخطاب الفقهي ضد المرأة , وهو بحث خصب إذا ما أردنا أن نسلط الضوء عليه , ورغم الدراسات الكثيرة في هذا الجانب إلا أن القليل هو في فتح مثل هذه الدراسات على تحليل مقارن يشمل الأبعاد التي ذكرناها آنفا .
وبموازاة هذه الدعوة إلى هذا التحليل الشمولي في قضية تحرر المرأة من براثن هذا الخطاب , هناك دعوة في التركيز على الإرادة السياسة عند أصحاب القرار السياسي كما ألمح إليها عن حق الدكتور عبد العزيز في روقته المذكورة , على اعتبار أن الإرادة السياسية هي المقال الفصل في تغليب طرف على آخر , وهي المعول الأساسي في إنجاح أي خارطة طريق تؤدي إلى الإصلاح والتنمية, وفي الوطن نحن بحاجة إلى إرادة سياسية ليست الإرادة المرتبطة بقوانين الدولة , وإنما تلك الإرادة السياسة التي تستثمر الموروث من أجل التنمية وليس العكس لإنتاج مواطنية يعيش تحت ظلها جميع فئات المجتمع السعودي.
http://www.altnor.com/index.php?show...article&id=160