السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
نـــــــداء سما حة أية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الأسلامية بمناسبة موسم الحج
ذي الحجة 1424هـ
<img src='http://www.hadj.ir/payam/arabic/rahbar1.jpg' border='0' alt='user posted image' />
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد احتفلت اليوم امتنا الإسلامية – مرة اخرى – بميعادها السنوي العظيم، مستجيبة بجدارةٍ دعوة : »وأذن في الناس بالحج«.
فإن هذه الفريضة الثمينة – كغيرها من الفرائض الالهية – تمثل خزانة من خزائن الرحمة تفتح بابها على العباد عند مواعيدها المقررة، لتتيحهم فرصة للاستفادة من الفيض الإلهي اللانهائي.
إن الحج فرصة فريدة استثنائية. لأنها من جهة تصقل القلوب والنفوس فيتمتع الحجيج – كل على قدر همته وطاقته – ببركات هذه الرحمة الممطرة؛ ومن جهة أخرى تتمكن فيها شخصية الأمة الاسلامية بكلّيتها – والتي تتألف من مختلف الشعوب والأعراق والأقطار والثقافات – أن تحقق لها مزيداً من التلاحم والانسجام، والشجاعة والصحوة والوعي بالذات.
وهذا، يمثل الحاجة الضرورية الكبرى للعالم الاسلامي في عصرنا الحالي.
لقد أصبح العالم الاسلامي اليوم يستعيد نفْسه ويقف مع مرور الايام بوجه اللصوص والناهبين. وذلك بعد أن مرّ بفترة طويلة من التراخي والسبات، ألحقت به الخسائر، وآلت أخيرا إلى تكريس الهيمنة السياسية – الثقافية للأجانب، حيث أن ثرواته المادية والبشرية قد سخِّرت لصالح أعدائه لتخدمهم في تقدمهم وقوتهم وسيطرتهم. إن رياح الصحوة الإسلامية قد هبّت في جميع أرجاء العالم الإسلامي، وإن النزول إلى ساحة العمل، قد تحول إلى مطلب جدّي. إن نظرية »الإسلام السياسي« قد وجدت لها مكانة رفيعة لدى عقلية النخبة الممتازة، حيث أنها قد فتحت أمامهم أفقا مشرقا واعدا. ومع أفول الأفكار المستوردة الصاخبة من قبيل الاشتراكية والماركسية، وبخاصة بعد سقوط براقع الخداع والدجل من وجه الديمقراطية الليبرالية الغربية، برز وجه الاسلام الداعي إلى العدالة والحرية بشكل أجلى وأوضح، ليتبوأ موقع الصدارة – دون منافس – على قائمة الأماني والتطلعات لدى كل من ينشد العدالة والحرية كما لدى النخب والمفكرين.
هناك جم غفير من الشباب ومن اهل الكرامة والمروءة في الدول الإسلامية، قد اتجهوا إلى الجهاد السياسي والثقافي والاجتماعي وذلك باسم الإسلام وأملاً في قيام حكومة عدل إسلامية. وهم يعملون على تنمية ونشر عزيمة الوقوف بوجه ما يجري في مجتمعاتهم من فرض سيطرة الأجانب المستكبرين.
على بعض ربوع عالمنا الإسلامي – والتي تمثل فلسطين المظلومة نموذجها الأعلى – هناك عدد كبير من الرجال والنساء، ما فتئوا يسطرّون ملاحم مستمرة يومياً من خلال التضحية بأرواحهم تحت راية الإسلام وتحت شعار الاستقلال والعزة والحرية، فجعلوا بذلك القوى المادية المستكبرة عاجزة وذليلة امام شجاعتهم.
نعم. ان الصحوة الإسلامية قد أخلّت في الموازين والحسابات الاستكبارية وغيرت المعادلات العالمية التي أرادها المستكبرون.
من ناحية اخرى، فإن ظهور وتنامي الأفكار الإسلامية الحديثة التي تأتي في إطار الأسس والمبادىء الاسلامية، بجانب الإبداع في ساحتي السياسة والعلم؛ قد اثبت عملياً حيوية ودينامية المدرسة الإسلامية، وفتح آفاقاً رحبة امام المفكرين واصحاب البصيرة في العالم الإسلامي. وإن مستعمري الأمس ومستكبري اليوم يجدون انفسهم امام هذه الدينامية الشجاعة للفكر الاسلامي، بعد أن حاولوا من خلال سياساتهم الماكرة أن يجعلوا المجتمعات الاسلامية في موقفٍ من الحيرة والتردد أمام التناقض المستمر بين الجمود والتزمُت من جهة والانبهار والانتقائية من جهة أخرى.
ان التفكير والحركة والإيمان والعمل الصالح، كل ذلك قد اصبح في عالمنا الإسلامي في طور النمو والاخضرار والإثمار. وهذه الظاهرة المباركة قد جعلت مراكز القوى الاستكبارية في ذعر وهلع.
واليوم، على الأمة الاسلامية أن تستعد لمواجهة مجموعة من ردود الفعل الغاضبة الشريرة التي تقوم بها مراكز القوى الاستكبارية أمام هذه الظاهرة العظيمة.
ولاشك أن في الصراع بين الحق والباطل، سيكون الانتصار من نصيب الحق، كما أن مصير الباطل ليس الا الهزيمة والزوال. شريطة أن تستخدم جبهة الحق طاقاتها المادية والمعنوية المتاحة بوجه صحيح، وأن تبحث عن الطريق القويم ويسير فيه بما يلزم ذلك من تعقل وجهد وصمود وأمل؛ وبالاتكال على الله سبحانه والثقة بالنفس. وفي هذه الحالة فإن الإمداد الالهي والنصر الالهي سيكونان الحق البديهي الذي وعد به النص القرآني، حيث قال تعالى:
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم.
أو: ولينصرن الله من ينصره
أو: إن الأرض يرثها عبادي الصالحون .
ان الشبكة الصهيونية السرطانية، ومؤججي الحروب الشريرين من رجال الإدارة الأميركية – الذين يشكلون اليوم أخطر وأهم المراكز الرئيسية للاستكبار – قد دأبوا على محاربة الأمة الإسلامية من طرق شتى، ابتداءً من الحرب النفسية والإعلامية، ومروراً بالمواجهة الاقتصادية والإجراءات السياسية العدائية العنودة، وانتهاءً بممارسة العنف وعمليات الاغتيال والمواجهة العسكرية. إنهم لايتورعون من ارتكاب اي جريمة في سبيل الحفاظ على مصالحهم الغير مشروعة. فمن خلال نظرة سريعة إلى الجرائم المقرفة التي يرتكبها الصهاينة الغاصبين في فلسطين بدعم ومباركة من الإدارة الأميركية، أو من خلال دراسة سلوك وتعامل المحتلين في كل من العراق وافغانستان، يتبين عمق النوايا الخبيثة لدى اولئك الذين قد ملأوا العالم بمزاعهمهم الزائفة المتسمة بالرئاء والنفاق حول حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية والحرية. فإنهم يرتكبون أبشع اشكال الإرهاب تحت شعار مكافحة الارهاب. ويفرضون على الشعوب الخضوع لدكتاتوريتهم ونهبهم .
إن أمريكا تعتبر نفسها – وبشكل صريح – محقة في الاعتداء على الدول والشعوب. وإن الدولة الصهيونية تهدد الشخصيات الفلسطينية بالاغتيال وذلك بشكل صارخ وصريح. وإن الصهاينة في فلسطين يسفكون دماء الناس شيوخاً وشباباً ونساءً ورجالاً وأطفالاً، ويدمرون البيوت. إن أمريكا وبريطانيا في العراق تهاجمان المواطنين العزّل المشاركين في المظاهرات وتنتهكان حريم منازل الناس وحرمة أعراضهم. إن هؤلاء يتوعدون العالم الاسلامي ويهددونه بتأجيج نيران جديدة فيه، ولـمّا تخمدْ لهب النيران التي اندلعت من قبلُ بأيديهم.
هذه التصرفات الهائجة الشريرة، هي نتيجة لحالة الارتباك والذعر، قبل أن تكون ناتجة عن القوة والثقة في النفس.
إنهم يشعرون بوجود الصحوة الاسلامية، ويشعرون بالخطر من انتشار فكرة »الاسلام السياسي« وسيادة الاسلام.
إنهم ترتعد فرائصهم عندما يفكرون بيوم تنهض فيه الامة الإسلامية موحدة مليئة بالأمل. فإن الامة الاسلامية بما تملكه من ثروات طبيعية، وتراث حضاري تاريخي عظيم، ورقعة جغرافية مترامية الأطراف، وكمّ بشري هائل، لن تسمح في ذلك اليوم المنشود، لقوى الهيمنة التي طفقت تمتص دم الأمة وتنتهك حرمتها وكرامتها طوال مأتي عام، أن تستمر في هذا الطغيان والعدوان.
إن النخب السياسية والفكرية في عالمنا الاسلامي تتحمل اليوم مسؤولية جسيمة.
على المفكرين المسلمين أن ينقلوا رسالة الإسلام التحررية، إلى مسامع وقلوب مواطنيهم، وأن يبينوا للشعوب المسلمة هويتها الإسلامية بوجه صحيح. وأن يشرحوا للشباب التعاليم الإسلامية الواضحة في ما يخص مواضيع مثل: حقوق الانسان، والحرية والديمقراطية، وحقوق المرأة، ومكافحة الفساد، وازالة التمييز، ومكافحة الفقر والتخلف العلمي. وأن يكشفوا للجميع واقع التضليل الإعلامي الغربي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ومواجهة اسلحة الدمار الشامل. إن العالم الغربي هو الذي يجب تعريضه اليوم للتحدي في هذه المواضيع من الناحيتين النظرية والعملية. وهو الذي يجب عليه أن يجيب على تساؤلات الرأي العالم العالمي. على العالم الغربي أن يتحمل مسؤوليته الإجابة حول مجزرة الأطفال الصغار في فلسطين، وحول حقوق المرأة وصون كرامتها، وحول حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحول حق الشعوب في الاستفادة من ثرواتها، بل وحتى حول حرية المواطن في العالم الغربي نفسه. ألا يشكل حظر الحجاب في بعض الدول الأوروبية دليلاً على عدم صحة مزاعم الإيمان بالحرية هناك؟
إن رجال السياسة والحكومة في الدول الإسلامية ايضاً يتحملون على عواتقهم مسؤوليات تاريخية جسيمة. وأهم هذه المسؤوليات تتمثل في اعتمادهم على شعوبهم ورفضهم طلبات القوى الاستكبارية التي تنطوي على فرض الإرادة والتي لا تجد لها نهاية. عليهم أن لا ينسوا الهوية العظيمة المقتدرة التي تملكها الامة الاسلامية والتي بامكانها أن تحل عُقَد الكثير من المشاكل.
إن اتخاذ القرارات فيما يتعلق بقضايا العالم الإسلامي يجب أن يكون على أساس مصالح الأمة الاسلامية والحفاظ على اقتدار الأمة.
إن انسحاب المحتلين من العراق وإٍرساء أسس السيادة الوطنية في هذا البلد، وخروج القوات العسكرية الاجنبية من افغانستان والتأكيد على الاسلامية هذا البلد واستقلاله، ودعم الشعب الفلسطيني المظلوم وأولئك المناهضين للغاصبين دفاعاً عن النفس والمال والكرامة والاستقلال، وتقويتهم مادياً ومعنوياً، ونشر الشعائر الدينية والايمان الديني في كافة أرجاء العالم الإسلامي، والمزيد من التقارب بين الدول الإسلامية يوماً بعد يوم وحل الخلافات القائمة فيما بينها، وتفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي ومواصلة الجهود من اجل نيلها حق النقض في مجلس الأمن الدولي... كل ذلك يدخل في نطاق مصالح الأمة الاسلامية، فلابد من إدراج كل ذلك ضمن السياسات المتـّبعة والجهود المبذولة من قبل جميع الحكومات في الدول الاسلامية.
كما انه لابد للشعوب والنخب أن تطالب حكوماتها بذلك.
إن إيران التي تعكف هذه الايام – حكومة وشعباً – بالاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لقيام النظام الجمهوري الاسلامي، قد اكتسبت تجارب قيمة في هذا المسار المشرّف. فقدمت للجميع نموذجاً محترماً يجدر الاقتداء به. إننا قد تابعنا أهدافنا الكبيرة وتقدمنا باتجاهها بخطوات حثيثة مطمئنة. فقد أخذنا العلم والتقنية ممزوجتين بالقيم المعنوية، وأخذنا الاستقلال والحرية مصحوبتين بالالتزام بالحدود والقيود الدينية، وأخذنا الديموقراطية منبثقة عن التعاليم القرآنية. إن بلادنا قد تلقت خلال هذه الفترة أكبر قدر من التهديد والعناد والتعامل الخبيث من الاستكبار. كما أن شعبنا قد اكتسب خلال هذه الفترة أكبر قدر من الإيمان والصمود والفخر والاعتزاز. إننا قد جربنا عملياً الحكمة القرآنية التي تقول: (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) والتي تقول: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) ، وتقول أيضاً: (وإن الله على نصرهم لقدير).
إننا نستشرف أفق المستقبل مشرقا امام شعبنا والعالم الاسلامي مستمرين بعزيمة راسخة في الدرب الذي رسمه الإمام الخميني العظيم واثقين من تحقق الوعد الالهي وثوقاً يتزايد يوماً بعد يوم.
والعاقبة للمتقين.
والسلام على عباد الله الصالحين
السيد علي الخامنئي
8/11/1382