العودة   منتديات الطرف > الواحات الإسلامية > ۞ ۩ ۞ الواحة الإسلامية ۞ ۩ ۞




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 17-06-2012, 10:32 PM   رقم المشاركة : 1
باقر الرستم
باحث وكاتب قدير







افتراضي الإسلام في حراك الزهراء(ع)..

اعتذر للأخوة أن لم أقم بإنزال كلمتي في ذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء(ع) لبعض الظروف.. وها أنا أقدمها هنا
الإسلام بعد رحيل النبي الأعظم(ع)
وحراك سيدة النساء فاطمة الزهراء(ع)


محتويات الكلمة
الافتتاحية .................................................. ............................
المحور الأول............................................. .............................
القراءة الأولى............................................ .............................
القراءة الثانية .................................................. ......................
فاطمة الزهراء(ع) الواقع والمسيرة.......................................... ...
المحور الثاني .................................................. .......................
فلتان الواقع وملامح النهج .................................................. ......
غياب الرقيب الحاكم .................................................. ...............
علي وفاطمة: رقباء لا يحكمون............................................ ........
مرحلة المواجهة المباشرة .................................................. ......
خطاب الفصل وفصل الخطاب .................................................. .....
المحور الثالث: إعلام الحركة الشرعية المعارضة وصوغ الخطاب.
حضور الخطاب في صنع التحول التاريخي ......................................
فاطمة تصوغ الخطاب............................................ ...................
همج الخارج أعوان من؟! .................................................. .....



الافتتاحية..........
كلمتنا في حسينية السبطين في ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين(ع) فاطمة الزهراء، والتي كانت محور الحفل في 20/6/1433هـ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الإسلام ما بعد الرحيل في حراك الزهراء(ع):

الحمد لله رب العالمين.. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..
الآباء الكرام، الأخوة الأعزاء.. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أبارك لكم ذكرى ميلاد بضعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.. ورضاه وغضبه.. فاطمة الزهراء سيدة النساء..
قال رسول الله(ص): (( إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها. فاطمة بضعة مني
من آذاها فقد آذاني ومن أحبها فقد أحبني. فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبَيّ. فاطمة سيدة
نساء العالمين)).


آمل أن نوفق إن شاء الله لأداء حق هذه البضعة الطاهرة التي قدمت نفسها قرباناً لشريعة أبيها.. فكانت كما وصفها صلى الله عليه وآله: فاطمة أم أبيها..
وكان العنوان كما ذكر أعلاه (( الإسلام ما بعد الرحيل في حراك الزهراء(ع):
وهو في ثلاثة محاور:

المحور الأول: فاطمة الزهراء: السيرة: المفهوم والخطاب.
المحور الثاني: فاطمة الزهراء في : فلتان الواقع وملامح النهج.
المحور الثالث: فاطمة الزهراء: إعلام الحركة الشرعية المناهضة وصوغ الخطاب.

ونبدأ بـــــ

المحور الأول:

القراءة الأولى: كثيرة تلك المصنفات التي تعني بالعرض الكلاسيكي للسيرة، حتى أنك لا تستطيع أن تقدم من خلالها نموذجاً لرؤيةٍ أو موقفٍ لتشابه طريقة العرض حداً لا يتجاوز في كثيرٍ من الأحيان الاختلاف الأسماء.. وذلك لطبيعة العرض الكلاسيكي للسيرة، والاستغراق التام في عشق الشخصية، خاصة في الشخصيات ذات البعد المعنوي في حياة الناس.
نقرأ في السيرة.. ولد في هذه البيئة وفي هذه الحاضنة .. تربى هناك.. تعلم هناك.. ذكاء خارق.. نبوغ منقطع النظير.. رمزية لا تضاهى.. عبارات ترافق كثيراً أي عرضٍ لسير تلك الشخصيات المعنوية.. دون الالتفات إلى طبيعة هذه الشخصية وطبيعة المفردات التي تناسبها مدحاً وثناءً وتزكية.. ما يجعل الجمهور ملتهب في أجواء تلك العبارات وآلية إلقائها.
وذلك قد تجد انفعالاً في سماع أو قراءة شخصية رابعة العدوية كما لو أنك قرأت شخصية السيدة الزهراء(ع).
نعم أحياناً يقوم بعمل ما شخص ذا مكانة عالية فيتم وصفه بعبارات معينة هي ذاتها العبارات التي تستخدم لغيره.
فمثلاً الإمام الحسين(ع) يصف أصحابه (( إنهم يستأنسون بالموت استئناس الطفل بمحالب أمه)) والإمام الحسين(ع) هو كذلك.. إذ تقول الرواية أنه : ((كلما اشتد به الكرب اشتد وجهه إشراقاً)).
لكن الأصحاب استلهموا ذلك من ملهمهم، وهو الإمام الحسين(ع)، وبالتالي سنجد الكثير الكثير من العرض المختلف لسيرته ولسيرة أصحابه..
القراءة الثانية: وهي أن استعراض السيرة وإن اتسم بالتميز والإثارة والقيمة إلا أنه لا يحاكي حقيقة الشخصية وطبيعتها ولا طبيعة وفعالية خطابها.. إذ قد تكون حقيقتها بالغة في السذاجة، إلا أن ذلك العرض قد أبرزها واحدةٍ من أبرز الشخصيات صناعة وتأثيراً في حركة التاريخ البشري.
كأن يوصف بأنه أعلم أهل زمانه.. أشجع أهل زمانه.. أحلم أهل زمانه.. فيما واقعه خلاف ذلك تماماً..
فمثلاً تجد في بعض الترجمات أن المتوكل محيي السنة، إلا أن أثره في السنة والتاريخ الإسلامي وخيم جداً.. كل ذلك لأنه فقط ناصر فكرة ما لأهداف سياسية.. فيما القرآن الكريم يقول بأن حتى سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام لا تقارن بالإيمان بالله )أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ (..
بل ما أكثر الألقاب التي هي خاصة أمير المؤمنين(ع)، والتي جاءت من واقعه وحضوره المبارك، إلا انك تجدها لغيره من دون واقعٍ ولا حقيقة.. وقد تُخترع لها حادثة بالغة في السذاجة لتمريرها إلا انها لا تواكب طبيعة تلك السمة.. كمحاولة صرف قوله تعالى )وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ( عن أمير المؤمنين(ع) الذي بات على فراش النبي(ص) فداءً لرسول الله إلى شخصٍ قدم نقوداً ليحرر نفسه من قريش، وهي بينةً في سذاجها.. كون هذه الواقعة- إن صحت- فإنما دفع المال ليشتري نفسه وليس بالضرورة أن يشتري نفسه لله، وقد قال تعالى ) إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ(، ويقصد الشهادة في سبيله، وليس أن يدفع نقوداً يشتري نفسه.. وفرق بين الصفقتين.. شخص يقدم نفسه فداءً لرسول الله ليشتري سلامة رسول الله(ص)، وشخص يقدم نقوداً ليشتري حريته
من قريش!!.
ومثل ذلك كثير.. وتستوعبه مجلدات.. وفي موضوع مناسبتنا هنا ما ورد في حق بعض نساء النبي(ص) أنها أحب النساء إلى رسول الله(ص) وأن أباها أحب الرجال إليه، وهي نفسها التي ورد عنها أن فاطمة أحب النساء إلى رسول الله وأن علياً أحب الرجال إليه كما ورد في مستدرك الحاكم النيسابوري: في كتاب معرفة الصحابة الحديث 4784 : (( عن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي على عائشة فسمعها من وراء الحجاب وهي تسألها، عن علي، فقالت تسألني، عن رجل والله ما أعلم رجلاً كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه واله من علي، ولا في الأرض إمرأة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه واله من إمرأته، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)).
وعدم إمكانية انسجام هذه الدعوى مع مفهوم الآية الشريفة ﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾..
وعدم إمكانية انسجام هذه الدعوى من جهة الأب وبينه وبين فاطمة ما تذكره الروايات الموثقة أنها قالت: ((اللهم انهما قد أذاني، فأنا اشكوهما اليك وإلى رسولك)).. وقد قال النبي(ص) لفاطمة(ع): (( إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)).. ناهيك عن المتواتر في تلك السيرتين لا يجعلهما تنسجمان وطبيعة تلك الخصائص المدعاة.
ومن هنا يُفترض أن السيرة تقدم مفهوماً للشخصية، ينسجم وطبيعة خطابها، فتقرأ السيرة كأنك تقرأ خطابها، وتقرأ خطابها كأنك تقرأ سيرتها.
ولذلك فإن الخلل في أيٍ منهما يفصح عن حقيقة مخالفة ذلك العرض الباهت للسيرة، وهذا ما يُفقد الحماس تجاه بعض السير ذات العرض الملتهب لسيرة شخصياتٍ باهتةٍ أو لواقعٍ باهتٍ لشخصياتٍ مثيرةٍ في ظل سيرةٍ ملتهبةٍ لها، إلا انك عندما تبحث عن ذلك الواقع المنسوب صناعته لتلك الشخصية فلا تجد له حقيقةً ولا أثراً.

فاطمة الزهراء(ع): الواقع والسيرة:
وهنا وكوننا نتناول شخصيةٍ الزهراء(ع) فإننا نجد في عالمها ما يزخر بالمفاخر وصناعة التحولات الكبرى في تاريخ هذه الأمة، إذ على رغم سنوات العمر القليلة جداً.. إذ تقرأ حضورها في القرآن في بأزكى ذكرٍ ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾، وكما أسماها بـ(الكوثر) في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ+ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ+ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾.. وقد روى بعضهم أن ذلك نهراً في الجنة، ولكن لو قرأت موافقة بين رد الشائن والإعجاز فيه فإنك لا تستطيع أن ترى موافقةً في ذلك.. إلا أنك عندما تقول بأن الكوثر هو فاطمةً الزهراء(ع) فإن لذلك معنىً آخر وقيمة عالية أخرى..
فإذا قلنا بأن ((الكوثر)) هو فاطمة فإنه من السهل أن يُقال: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾.. إلا أن وصف ذلك بالكوثر، فهذا يعني أن هذا العقب هو أطهر وأنقى وأقدس عقبٍ، وهو ما يليق برسول الله(ص)، ويليق بالجواب على الشانئ.
هنا يكمن الإعجاز.. هذا الذي عيرتموه بالأبتر سيكون له عقباً، وإرغاماً لأنوفكم سيكون من فاطمة(ع).. ولن يكون هناك عقباً أقدس ولا أطهر ولا أنقى منه.. وإرغاماً لأنوفكم سيظل هذا العقب الأبقى والأكثر جاذبية في تاريخ الأنساب لدى الناس.. آل إبراهيم من إسحاق وإسماعيل، وآل عمران من عمران، وآل هاشم من هاشم، وآل أبي طالب من أبي طالب، ولكن كل أولئك الأهلين ليس لهم قدسية ووقار وعظمة ((آل رسول الله)).. وآل رسول الله(ص) كلهم من عليٍ وفاطمة.. فيا لعظمة هذين الذين شرفهما الله بأن يكونوا آل رسول الله، وأن يكون آل رسول الله منهما، وقد قال(ص): (( إن اللّه جعل ذريه كل نبى فى صلبه وجعل ذريتى فى صلب على)).. فأي شرفٍ وكرامةٍ لهؤلاء أن تكون ذرية النبي(ص) منهم؟!.
آيات أخرى ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ تدل على ذوبانها في في الله تعالى، هي وعلي(ع) وابنيها (ع)، ليكون حبها فرض من الله، يقبل الله به الأعمال ﴿ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾.
وعلى لسان النبي الأعظم(ص): فاطمة أم أبيها.. فأي مكانة لها؟!!.. إذ لم يقرأ أحدٌ في التاريخ أن تكون الفتاة أم أبيها.. كان ذلك لفاطمة(ع).. ولمن؟!.. لسيد الخلق منذ بدء الخليقة.. فأي رتبة سامية لفاطمة(ع)؟!.. فكيف لنا أن ندرك مقامها.. وهي كلما حاولنا الاقتراب منها ومحاولة التعرف على جزئية ما في حياتها نجد أنفسنا حيث وصلنا أننا بعيدون بعيدون بعيدون جداً عن معرفة الزهراء(ع)..
وفي مقامٍ آخر قال ((فاطمة بضعة مني)).. وحتى هذا النص.. لو قرأناه هكذا وحده دون النص الآخر المتبقي من الرواية الشريفة، فإننا لا نستطيع أن نعرف شيئاً عنها، وسنقول بأنه ليس هناك من جديدٍ، فالبنت بضعة أبيها كما هو الولد.. ولكن أن يقول: (( يغضبني ما يغضبها)).. و((يريني ما يريبها)).. و((يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها)) فهذا يعطي معنىً آخر لـ(( بضعة مني))..
وفي ذات الوقت يقول لنا أنكم في اقصى المسافات بعداً في معرفة مكانتها وموقعها ومقامها عند الله تعالى وعند النبي(ص) وعند الأئمة الطاهرين.
إلا أن ما يمكننا أن نتوصل إليه من هذا النص الشريف أنها تمثل حضوره ووجوده، ورضاه وغضبه.. وأن النبي(ص) وضع فاطمة الزهراء في واجهة الأحداث كأقدس أقداس العرب، باعتبار أن التعرض للمرأة مخالفاً للمروءة ودلالة على السفه وعدم الرجولة، مضافاً إلى قيم الإسلام التي تؤكد على ذات الرؤية في حفظ المرأة وحرمة التعرض للنساء.. فيما يهوِّل حرمة التعرض لها ما خصَّ اللهُ ورسوله فاطمةَ بالمقامات الرفيعة عند الله.. كـ (( يغضب الله لغضبها، ويرضى لرضاها)) و(( بضعة مني))، و(( قلبي وروحي التي بين جنبي))، و((سيدة نساء العالمين))، ليكون القوة الهائلة في عملية ردع أولئك، ومن جانبٍ قوة دفعٍ قوية للأمة في مواجهتهم..
وإلى ذلك أيضاً نقرأ أن حديث الآيات والروايات هنا بالرغم من تناولها مشهداً زمنياً قصيراً، وتسلية لقلب النبي بالكوثر، أو لبيان مقام الزهراء(ع) منه وموقعها الديني والأخلاقي في هذه الأمة، والتي يمكن أن تقرأ كامرأة لا تتجاوز بيتها ومحيطها العائلي، أو في الحد الأقصى مجتمع النساء.. إلا أن ذلك يكشف عن ذوبان هذه الشخصية العظيمة في الله، والاستعداد المطلق له تعالى، فكيف وقد كشف الله عن بصرها وبصيرتها لترى حكمه في الوقائع، إذ ستجدها حينئذٍ في موقع التكليف كما هو مقتضى ذلك الحكم..
هذا الكيان الخالص لله في إيمانه وفي حضوره لا تكون تلك الشواهد التي أتى القرآن بها أو ما وردتْ في السنة الشريفة على لسان النبي الأعظم(ص) إلا لتفتح بصائرنا على حقيقتها بأنها الحضور الذي يريده الله لكل وجودنا.. وذلك الحضور يملأُ كل الخانة التي كلفه الله بملئها.. ومن هناك يتشكل باستجابتنا له واقع الآية الشريفة ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾.. وهي في الواقع داخلة في أولئك الذين عناهم الله تعالى في قوله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً(.
ولو أننا قرأنا هذه الآية الشريفة﴿ لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ( ، فإنه حتى لو أننا لا نملك واقعةً تدخلها في هذا العنوان، فكان يُفترض علينا بناءً على مراد الآية الشريفة أن نفترض ذلك الحضور.. فكيف إذا كان ذلك الحضور في مرحلة تاريخية حرجة وخطيرة في تاريخ هذه الأمة، وتحديداً في أشدها حراجة وخطورةً بعد رحيل النبي(ص) مباشرة..
هذا حضورها في خطاب الكتاب والسنة، فأينه على الواقع؟!.
هذا الحضور الذي قرأناه في الكتاب والسنة لها إنما يعني أنها لسانهما، وخطابهما.. حضورهما.. موقفهما في الواقع.. لذلك لا يمكن أن تكون طبيعة مواقفها تختلف عما صاغه القرآن والسنة في تعاطيهما مع أحداث ما بعد الرحيل.
نحن لو قرأنا موقف الكتاب والسنة تجاه تلك الأحداث فلا يمكن أن تكون غير تلك المواقف التي التزمت بها السيدة الزهراء(ع).. ولكن طبيعتها.. سقفها.. خطابها.. درجة صعوده.. درجة انخفاضه أو تهدأته هذا ما يحوجنا لشخصٍ يعيش ذلك الحضور بتمامه، والقرآن أحالنا عليه وأوكل كل ذلك إليه..
ولأن الواقع يفرض على أمير المؤمنين(ع) عدم المواجهة المباشرة مع القادة السياسيين آنذاك فإنه لا بد من بديلٍ.. له في حضوره ونفاذ تأثيره من القوة ما يساعد على إلهاب ذلك الحراك وتبيين إشكالياته.. وهذا ما قامت به الزهراء(ع)
فكونها تنتمي لبيتٍ المؤسس، ولها ذلك المقام والمكانة في خطاب الوحي والنبوة فإنه يعطي لذلك الحضور وذلك التأثير قيمة لا تضاهيه قوة.
خاصة وأن الأمة تنظر إلى فاطمة نظرةً متميزة، وهذا ما دفع الشيخان يأتيانها يطلبان رضاها، أو لا أقل إبراز ذلك للأمة أنهما جاءا لفاطمةً(ع)، وليس هناك ما يُقلق من قطيعتها.. إلا أنها عندما بينت موقفها وأكدته، لم يعد بالوسع إخفاء ذلك الموقف أو تمييعه.
ومجيئهما إليها وطلبهما الصفح، وإن كان تظاهراً؛ لأنه لم يكن في ذهن أيٍ منهما إعطاء فاطمة أي شيءٍ، وترتيب الأثر على ما تريد، وما يتطلبه إرضاؤها.. فإنه يبين قوة ونفوذ حضورها في ضمير الأمة وفي وعيها وإن افتقرت القدرة على اتخاذ موقفٍ إثر ذلك، لأنه على ما يبدو أن بعض التحركات كانت تتصاعد وتستند إلى موقف الزهراء(ع)، ما دفعهما إلى إظهار الاعتذار.. وقد يكون لموقف عليٍ(ع) أيضاً.. وهذا ما تشير إليه بعض الحالات، ومن ذلك ما روي ((عن عبدالرحمن بن عوف، قال: لما بويع أبو بكر واستقرّ أمره، ندم قومٌ كثيرٌ من الأنصار على بيعته ولام بعضهم بعضاً ، وذكروا علي بن أبي طالب، وهتفوا باسمه)).
ونظراً إلى قسوة هذه المرحلة وصمود الزهراء(ع) في موقفها بياناً وحراكاً وعدم إنجاز الامة من ذلك شيئاً يليق بكل تلك التضحيات فقد آل ذلك الحراك ميدانياً إلى شهادتها.. فأرادت أن تصنع من شهادتها موقفها الخالد الذي حير مريدي ذلك الاتجاه المخالف على مدى التاريخ، ليخوضوا في محاولات يائسة بائسة للخروج من تبعات وآثار ذلك الموقف الخالد.. إذ (( أخذت على أمير المؤمنين(ع) عهد الله أن لا يحضر جنازتها إلا أم سلمة وأم أيمن وفضة والحسنان وسلمان عمار والمقداد وأبو ذر وحذيفة))..
فإذن.. كانت تواصل حراكها، وتلمس حاجة الواقع الشرعي إلى نوعية الخطوة المفترضة فتقوم بتقديمها بطريقة صادمة وصانعة.. ليحفظ ما أمكن هوية حراكها وحراك الحلف الذي تنتمي إليه بزعامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، ويفضح الاتجاه المتاجر بالعديد من الحالات والظواهر التي استسلمت قهراً أو طوعاً.. ليحدثنا ذلك الحضور المهيب عن خطابها.. ولنعرف كيف نقرأه وكيف نقرأ سيرتها، وكيف يتولد منها الخطاب، وكيف تتولد من الخطاب السيرة.

المحور الثاني:

فلتان الواقع وملامح النهج:

لم تكن مكة أو المدينة أو الحجاز أو حتى الجزيرة العربية قد اعتادت أو مارست من قبل نظاماً سياسياً يضبط حركة الناس التاريخية والاجتماعية في وعيها لصاناعة العادة والتقليد، لتتطور مجتمعةً إلى الأحسن، كونها لا يمكن أن تتراجع مجتمعةً إلى الوراء، إلا إذا لم يستوعب السواد الأعظم لواقعٍ إيجابيٍ وإنما تعاطوا معه تقليداً.. فإنها قد تتراجع تقليداً أيضاً.
ما حَكَم ذلك الواقع هو نظام القبيلة والطبقية والعبيد والجواري، وما ينتج عن ذلك، حيث القوي يأكل الضعيف، والضعيف يبحث عن قوي يستظل بظله.
في مجتمع مكة لا توجد قبيلة واحدةً بيدها أمر مكة، تحكم صادرها وواردها، وإنما هناك قبائل عدةٍ، من بطون قريش لها شأن كبيرٌ في مكة أيضاً، وهي نافذة من حيث القدرة المعنوية على التأثير في بعض المناخات على بعض المسارات لدى المجتمع القرشي كما لبني هاشم، إذ لكل قبيلة شكلاً من أشكال السلطة والنفوذ في مكة.. فيما المدينة ترزح تحت وطأة هيمنة وسطوة قبليتي الأوس والخزرج، واللتين دخلتا في حروبٍ طاحنة لعقود، وإن كانت هناك قبائل أخرى، ولكن الصولات والجولات والتحالف كان تحت ظل هاتين القبيلتين.
ولذلك فإن استيعاب هذه المجتمعات القبلية المتنافرة لمرجعية ليست على مفهومهم القبلي للقيادة، ولا منطقهم العقائدي يظل مرهوناً بوجود المرجعية المهابة لديهم، إلا إذا ابتعدوا زمناً طويلاً عن ذلك العهد.
واقعاً الدعوة في مكة استمرت ثلاثة عشر عاماً، واختتم عهد الرسالة بواقعة توحيدية كبرى وهي فتح مكة وتكسير الأصنام وإقامة حَجَّة الإسلام بأبهى صورة من قبل النبي الأعظم(ص).
وقد أثمر ذلك تأصل مفهوم التوحيد وتمكن التوحيديون في توثيق حضورهم بقوة، إلا إن من لا تزال الصنمية والوثنية عالقة في ذهنه كذلك الذي يقول (( والذي يحلف به أبو سفيان))، أو أن طبائعه العبادية لا زالت متأثرة بأجواء الجاهلية، فإنه ما إن يجد متنفساً يرحب بشيءٍ من جاهليته فإنه سيظهرها، وقد يتباهى بها ويفاخر بها.. وإلا لو كانت الأجواء إيمانية أو على الأقل متشددة تجاه الشرك والصنمية والمشركين لما تجرأ يزيد بن معاوية ليتحدث عن شماتته بهذا الجهر بقتل آل رسول الله، ويعدل ذلك بقتلى بدر، والذين هلكوا دفاعاً عن هبل واللات والعزى، فيقول:
ليت أشياخي ببدرٍ شهـــــدوا ........ جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لأهلوا واستهلـــــوا فرحـــــــــــــاً......... وقالوا يا يزيد لا تُشــــــــــــــــــــلْ
قد قتلنا القرم من ساداتـهم ........ وعدلناهم ببدرٍ فاعتــــــــــــــــدلْ
لعبتْ هاشمُ بالملك فـــــــــلا ....... خبرٌ جاء ولا وحي نــــــــــــــــــزلْ

فيما بعضهم لا زال بحاجة إلى رقابة صارمة لصده عن عادةٍ ألفها سنيناً في الجاهلية واستحكمت فيه عميقاً، كما هو حال صاحبات الرايات والأعلام في الجاهلية، إذ أن أكثر ورثتهن بعد أن أسلموا لم تخلوا حياتهم من العبث الذي أنتج مثلهم أبناء غير شرعيين.

غياب الحاكم الرقيب بعد وفاة النبي(ص):

ولكن ما حدث أن هذه الرقابة غابت بوفاة النبي(ص).. فمثلاً الذين كانوا يأخذون (سهم المؤلفة قلوبهم)في زمن الرسالة، وهو القانون الذي يمنع من ذوبان المؤلفة قلوبهم في المجتمع الإسلامي كأناسٍ أسوياء، ما جعلهم يصولون ويجولون في الأمة وهم من قبل كان يؤخذ الأمان منهم بالمال..
فتجد من الولاة من يبغض علياً كمعاوية بالرغم من أن الله على لسان نبيه جعل حب علي إيمان وبغضه نفاقاً (( حب علي إيمان وبغضه نفاق)).
وهكذا تغيب الأسس الأهم في تحصين المجتمع من تسريح المنافقين في داخله، وهم الذين قال الله عنهم﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ* اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
وقال تعالى ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.

علي وفاطمة.. رقباء ومرآة وحيٍ: لا يحكمون:

الكثير من الوقائع تثبت حيرة المتصدين لشأن الولاية، وأن ليس لها إلا أمير المؤمنين(ع)، وكما تروي النصوص عبارت اشتهرت في عصر الخلافة التي سبقته (( لو لا علي لهلك...)).

نعم.. كانوا يريديون الحكم بأي ثمن، ولكن في ذات الوقت لا يريدون أن ترتفع عنهم غطاء الانتماء إلى الإسلام والنبوة والقربى إلى رسول الله0ص) ليظهروا كمستحقين لمقام الولاية، وهو ما يحتاج إلى الانتباه لما يقال في كثيرٍ من الأحيان.. حسبما يشكل من خطورة وتهديد.. وهوا ما يفرض عليهم اللجوء على أمير المؤمنين(ع) كونه عندها سيقدم مصلحة الإسلام وأمة رسول الله(ص) ودينه على آلامه وجراحاته.
خطيئة المخاوف أيضاً كانت كارثية على الأمة، وهي من فتح باب الهرج والمرج عليها، إذ تحرك الأنصار بدافعٍ من مخاوفهم فاختلفوا، ليتحرك بعض المهاجرين الذين يشعرون بخطورة حسم الأمر دونهم، والحديث عن قيمة انتماء النبي(ص) والنبوة إليهم.

فيما هناك خطاب لا زال يصوغ فهم وعقول بعض الجماعات والأفراد كمالك بن نويرة وقبيلته وبعض الصحابة كأبي ذر وسلمان وأغلب بني هاشم، وكذلك بعض الولاة في بعض الأمصار، وعلى بعض القبائل كمالك بن نويرة.
وخارج هذه الأجواء هناك من حاول إبراز إنشقاقه عن مركز النبوة(المدينة) ليجعل لنفسه مرجعية كتلك التي للنبي(ص)، وهو مسيلمة الكذاب، وإن كانت للبيئة الحاضنة ولابتعادها عن مركز النبوة دور كبير في تضخيم ظاهرته.. ما يساعد على بروز حالات مشابهة، فضلاً عن أن طبيعة المقام وعلو رتبته تدفع ذوي الحظوظ القليلة والمنعدمة في الرشد والتقى أن تدعي ما ليس لها.
كل تلك الأجواء لا تحتمل مفارقة النبي(ص) كضابطٍ لتناغم حركتها مع الخطوط العامة للرسالة، على أن تندك فيها وفي أهدافها.. وهذا ما جعل ذلك الواقع يعج بالتناقضات الخطيرة والوقائع المريرة والكارثية والدموية أحياناً، وكلها على حساب النهج الإسلامي الذي صنع أمة..

فمن سيقوم بالتذكير بذلك النهج الذي غاب عن الحضور في هذه الحركة التي أسماها القرآن الكريم بالحركة الانقلابية﴿ أَفإِنْ مّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىَ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ﴾؟!..

قلنا في المحور الأول أن النبي(ص) لم يقل(( فاطمة بضعة مني)) وسكت.. وإنما قال: إن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.. يرضيني ما يرضيها.. يريبني ما يريبها.. ما يعني أن ما يريده من (( بضعة مني)) هو الامتداد لنهجه.. أن ما تغضب له هو ذاته ما يغضب له رسول الله(ص).. وأن من ترضى عنه.. أو تدافع عنه أو تطالب به أو تطالب له هو ذاته ما يطالب به رسول الله(ص).. يعني أنها لا تطلب شيئاَ يخصها.. وإنما لأن الله افترض عليها أن تتقدم وتطالب به..

مرحلة المواجهة المباشرة وفريق الخلاف:

وبدأت المواجهة المباشرة منذ بدء الهجوم على دار فاطمة(ع)، والتي هي بمثابة إعلان حربٍ على ذلك البيت، ومن فيه وعلى مبادئه وقيمه والتزاماته الدينية والأخلاقية: ((فأقبل بقبس من نار على أنْ يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الاُمّة )).
ونظراً إلى أن المواجهة ابتدأت مع فاطمة، وأن استهدافها أصبح مباشراً من قبل الفريق الحاكم، فإنها واصلت مسيرة المواجهة رغم صعوبات المرحلة وقسوتها..

إلا أن فاطمة لم تكن متورطة في ذلك، وإنما هي سعت للتصعيد دائماً على ذروة المواجهة، كي لا يبقى ما يمكن أن ييُتظاهر به ويُمارس من خلاله الخداع والتضليل، ولذلك تعددت صور مواقفها في حالة تصعيد مستمرٍ، من خطبة.. إلى مناحة.. إلى هجرانٍ لأولئك الناس الذين يدعون توقيرها وحفظ مودتها..
ومن صور تلك المواجهة ما قالته لنساء المهاجرين الأنصار عندما عدنها في مرضها:
(( وَيْحَهُم أنَّى زَحْزَحُوهَا عَن رَواسِي الرَّسَالَة، وقَوَاعِد النبُوَّةِ، ومَهْبِطَ الوَحْيِ الأمِينِ، والطبين بِأمْرِ الدُّنيَا والدِّينِ : ﴿ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ الزمر : 15.
وَمَا نَقمُوا مِنْ أبِي الحَسَن؟!، نَقمُوا وَاللهِ مِنْهُ نَكِيرَ سَيْفِهِ، وَشِدَّةَ وَطْئِهِ، ونكَالَ وَقْعَتِهِ، وتَنَمُّرِهِ فِي ذَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .
واللهِ لَو تَكافّوا عَن زمَامِ نبْذَه رسول الله( صلى الله عليه آله) إليهِ لاعْتَلَقَهُ، ولسَارَ بِهِم سَيراً
سُجُحاً، لا يُكَلِّمُ خشاشُهُ، ولا يُتَعْتِعُ رَاكِبُهُ، ولأوْرَدَهُمْ مَنْهَلاً نَمِيراً، صَافِياً رَويّاً، فَضْفَاضاً، تَطْفَحُ ضِفَّتَاهُ، وَلا يَتَرنَّقُ جَانِبَاهُ)) .

وفي أعلى مراتب غضبها الذي أعلنت عنه ما كان من خلال كلامها الشديد لأمير المؤمنين(ع):
((يابن أبى طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الاجدل فخانك ريش الاعزل هذا ابن ابي قحافة يبتزنى نحلة أبى وبلغة ابني! لقد اجهد في خصامى، والفيته الد في كلامي حتى حبستنى قيلة نصرها والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، اضرعت خدك يوم اضعت حدك، إفترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا اغنيت طائلا ولا خيار لى، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق! ويلاي في كل غارب! مات العمد، ووهن العضد شكواي إلى أبي ! وعدواي إلى ربي! اللهم انك اشد منهم قوة وحولا، واشد بأسا وتنكيلا )).
وهي نفس لغة نبي الله موسى(ع) لأخيه هارون:

﴿ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾، وكان قد أخذ بلحيته.

فكان جواب هارون(ع) له:

﴿ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾.

وكان جواب أمير المؤمنين(ع) لفاطمة(ع):
(( لا ويل لك بل الويل لشانئك، ثم نهنهى عن وجدك يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت عن دينى ، ولا اخطأت مقدورى فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله وامسكت)) .
فهو من كان يريدها أن تفصح عن ذلك، وما ذلك الموقف منه، وإنما لشدة غضبها على من اغتصب حقها، وما كان طلبها لحقها، وإنما كان حجتها في ملاججة القوم.. وإلا فإنها في خطبتها لم تأتِ على إرثها إلا متأخراً جداً، وقد قالت في علي(ع):
((مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً، مُجِدّاً كادِحاً))..
وهذا يعني أنها كانت ترمي من كلمتها تعنيف القوم، وليس أمير المؤمنين(ع) لما كانت تعرفه عنه، كما كان موسى يعرف عن أخيه هارون، وإنما أراد بذلك تعنيف القوم.. وإن كان موسى(ع) لا يريد أن يوجه لومه لأحدٍ، أو يمسك بأحدٍ فتكون ذريعتهم لسبه أو للخروج عن دينه، ولكنهم لا يفعلون ذلك عندما يرونه يفعل ذلك في أخيه، ما يجعلهم يخجلون من فعالهم المخزية تلك.. وهذا ما كانت تريده فاطمة تماماً بذلك التعنيف..
ذلك موقف سيدة النساء.. وبضعة النبوة وربيبة الوحي والفقيهة الربانية التي فقهها الوحي وفتح على قلبها علم الأديان وما كان ويكون.. وهي التي رفع الله في الناس شأنها وفي السماء درجتها.. تلك فاطمة بنت خاتم الرسل وسيدهم(ص).
ونأتي للثاني في بيت النبوة.. وهو أمير المؤمنين(ع)، والذي وصفه النبي(ص) بأوصاف أجلها شأناً بأنه نفسه(ص)، حيث أعلن القرآن ذلك عندما قال ﴿ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ﴾، وعندما أمر أبا بكر بتبليغ آيات البراءة أرجعه وأمر علياً بأمر الله، فلما سئل قال: لا يبلِّغ عني إلا أنا أو رجل كنفسي.. فلا يوجد كنفس رسول الله إلا علي، ولا يبلغ عن رسول الله إلا علي.. هذا الذي قال: ((سلوني قبل أن تفقدوني.. سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما منه آية إلا أنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل))، و((قال: عن محمّد بن عمر بن عليّ(عليه السلام) : إنّه قيل لعليّ(عليه السلام: ( ما لك أكثر أصحاب رسول الله (ص) حديثاً، فقال: إني كنتُ إذا سالته أنبأنتي، وإذا سكتُ ابتدأني)).
وعن الإمام عليّ(عليه السلام)) : كنت إذا سألته [صلى اللّه عليه وآله وسلم] أجابني، وإذا سكتُّ عنه وفنيتْ مسأئلي ابتدأني)).
ولذلك قال عنه رسول الله (ص): (( من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدنٍ غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي وليوال وليه))..
وقال لعمار: (( يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع عليٍ، ودع الناس، فإنه لن يدلك على ردىً، ولن يخرجك من هدى))، وقال (( علي مع القرآن والقرآن مع علي))، وقال (( علي مع الحق والحق مع علي))..
هكذا تحدث القرآن والنبي(ص) في رمزي الموقف الرافض لذلك العهد، فما هي حالة من التصق بهما؟!.
وردت روايات في كل واحدٍ منهم بالرغم من أن حديث النبي(ص) لعمار أن إذا سلك الناس وادياً
وسلك علياً وادياً فاسلك ما سلك علياً كافٍ في بيان رشد من تبعه.. فالنبي قال في عمار: ((تقتلك الفئة الباغية))، وفي سلمان((إن الله يحب من أصحابي أربعة: علياً وسلمان وأبا ذر والمقداد ابن الأسود الكندي)) منهم المقداد ولو استقصينا ما ورد في حقهم من كتب خصوم هذا الاتجاه لما احتجنا إلى أن نبحث عن رشد هذا الاتجاه.

هذا الفريق المتحالف مع علي(ع) وفاطمة(ع) هو نفس الفصيل الذي تركن إليه نفس النبي(ص)، ولطالما عاب من انتقصهم أو آذاهم، ومن ذلك:
(( عَنْ [COLOR=window****]عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو [/COLOR]: " أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا ، قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ: لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ)).
فيما الفريق الآخر ناله الكثير من العتب والتوبيخ جماعةً أو فرادى.. وأشدها في توبيخ من تخلف عن جيش أسامة، وفي عدم الاستجابة له في طلبه لكتابة الكتاب.
فالنبي(ص) عندما يتحدث عن فاطمة وعن علي إنما يتحدث عن مبلغي رسالته كما لو أنه هو من بلغها.. ليكون غضبهما غضبه، ورضاهما رضاه.. بل فرض الله تعالى مودتهما على الناس كما فرض عليهم مودة نبيه.
ما يعني أن ذلك الفلتان، والذي على رأسه الخلافة نفسها (( كانت فلتة)) بحاجة إلى مرجعية تخرج الناس من العمَه والتيه لِتدخلهم إلى دائرة الحق والهدى(( فإنه لن يدلك على ردىً ولن يخرجك من هدى)).
العصيب أنك ترى في ظل ذلك الفلتان والتيه من يبرر للناس قمع كل حالات الرفض، ولو كانت شرعية ومحقة وناصحة بكل الصور والأساليب، ولو كانت حركة القمع كارثية وخطرة أكثر من تلك الحالات المرفوضة على أصول الشرع وبيناته.. إذ أن ما يروج له حينها (( تلك فتنة ويجب إخمادها)) كيف؟!.. قد تكون حالة الخوف والرعب من الفتنة أو حتى من قسوة رادعيها تساعد على تبرير ذلك، أو السكوت عنها، إلا أن نتائجها وخيمة بحجم وخامة استهداف الدين مباشرةً.
وهذا ما يزيد من خطورة ذلك الفلتان، ومن خطورة تداعياته، ويعمق الهوة والابتعاد عن رؤية الشرع المقدس في معالجة تلك الظاهرة إلى ما يقضثي على الدين ويعيد المنطق الجاهلي ومظاهره، والأخطر أن يعيد رموزه أيضاً، وهذا ما سمح أن يُنبذ أبو ذرٍ إلى الربذة، ويوطئ بطن عما، وتُشرب الخمرة من قبل أمير المسلمين ويصلي بالناس الفجر أربعاً، ويعود المطرودون إلى المدينة ويرفس أبو سفيان قبر حمزة:
«وقد مرّ بقبر حمزة رضي الله عنه، وضربه برجله وقال: (( يا أبا عُمارة، إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسـيف أمسى في يد غِلماننا اليوم يتلعّبون به)).
ونظراً إلى خطورة تلك المرحلة، وخذلان الناصر كما يقول أمير المؤمنين(ع)، وضرورة فضح تلك المظاهر الخطيرة، فإن السيدة فاطمة الزهراء(ع) أخذت على عاتقها النصيب الأكبر في رسم ملامح النهج النبوي القوي الذي أظهرت كل الوقائع والألسن على النقيض منه أو في الحد الأدنى لا مبالاة به.
لذلك كانت السيدة الزهراء(ع) تتحرك هناك، وتتحدث هناك، وتبكي هنا.. وتعنف هناك، إذ تتحرك بحيوية وفاعلية ملتهبة بحجم ما ترى من ذلك الفلتان من خطورة وكارثية.
بل إن ردات الفعل تجاهها تحكي الكثير من الوقائع التي ذابت في ظل تلك الأجواء المحمومة والملتهبة، وسعي المؤرخين الموالين للسقيفة إلى إغلاق النقاش أو اتخامه بروايات مرجحة بالعبارات الجلية منهم ومحاولاتهم طي هذه الصفحة وتجريم مناقشتها في أكثر من مكان، وهي أشبه بعملية الهلوكوست المحرمة لدى المجتمع الغربي، ومع ذلك فإن ما تسرب من خلال تلك الإغلاقات كافٍ لمعرفة الكثير من التفاصيل لتلك الحقبة، إن لم يكن في تاريخ فاطمة الزهراء(ع) فإن العرض الباهت لمعالجات الاتجاه الآخر لحراك خصومه يعطي تفسيراً للكثير مما وقع تحت طائلة التعتيم.
فكانت تبكي لذلك الواقع العنيف إلى أن ضجوا من بكائها.. وتوبخ رجالهم عندما زارتها نساؤهم، إلى أن ضجوا من ذلك.. وتخطب في رجالهم تلك الخطبة العصماء ما أبكتهم وأرعبتهم.
ولذلك كانت مساعي الفريق الحاكم لإرضائها إنما لإخماد تلك الظاهرة التي تتصاعد وتيرتها وفقاً لتصعيدها(ع) في حراكها، والذي أدى إلى خطورة الموقف تجاه الخطوات التي يراد من خلالها تركيع المناكف أو تدجينه.
فإذن عملية الاعتصام في الدار.. والبكاء.. والأحزان والقطيعة.. كلها ترسم ذلك النهج، وتوضح معالمه.. حيث يمكن للجميع معرفة مبادئه وقيمه والتزاماته الشرعية والسياسية والأخلاقية..

خطاب الفصل وفصل الخطاب:

خطبة السيدة الزهراء(ع) تباشر لسان ذلك النهج وتحكيه، إذ جاءت لتتحدث عن التوحيد والنبوة والرسالة وأحكام الله وشريعته..
وقد افتتحت خطابها التاريخي بالشكر والثناء لله تعالى بما لم يُسمع إلا من رسول الله(ص) لتقول لهم هكذا يكون الشكر والثناء لله، وهكذا كان رسول الله يفعل، وهكذا يجب أن يكون من أئمة المسلمين:
(( الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها جم عن الإحصاء عددها ونأى عن الجزاء أمدها وتفاوت عن الإدراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها)).
ثم هي تعلن للناس إيمانها بالله، وما يفرض ذلك الإيمان عليها.. وهي خطوة تريد منها في ظل خطابها أن تغلق الباب أمام التلبيس على موقفها واتهامه بشيءٍ قد يخطر على بال أولئك تجاه إيمانها والتزامها بشريعة أبيها:
(( وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها.. الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته.
ابتدع الأشياء لا من شي‏ء كان قبلها وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها.. كونها بقدرته وذرأها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتاً لحكمته وتنبيهاً على طاعته وإظهاراً لقدرته تعبُّداً لبريته وإعزازاً لدعوته)).
ثم تناولت مسألة الثواب والعقاب، وأين يكونان، ولماذا جعلها الله لعباده: (( ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده من نقمته وحياشة لهم إلى جنته)).
ثم تناولت النبوة ومقام النبي(ص) والأجواء التي بعث الله نبيه(ص) فيها، ومن أجل اجتثاها:
(( وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله.. اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطةً بحوادث الدهور، ومعرفةً بمواقع الأمور، ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمةً على إمضاء حكمهً، وإنفاذاً لمقادير رحمتهً.. فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عُكَّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها.. فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بُهَمها، وجلَّى عن الأبصار غُممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصَّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم.. ثم قبضه الله إليه قبض رأفةٍ واختيار، ورغبة وإيثار فمحمد (صلى الله عليه وآله) من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه وأمينه وخيرته من الخلق وصفيه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته)).
ثم تناولت مقام القرآن ودوره في الهداية وبلوغ رضى الله تعالى، ومسؤولية الناس الذين وجهت إليهم خطابها في إبراز ذلك والاهتمام به والعناية به أيما اهتمام وعناية:
(( أنتم عباد الله، نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهدٌ قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائداً إلى الرضوان اتباعه، مؤدٍ إلى النجاة استماعه.
به تنال حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيناته الجالية وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة)).
ثم اتجهت في حديثها عن الشرائع الإلهية، ودورها في تهذيب النفس وتزكية الروح، وأن الله جعلها لذلك الشأن، دون أن يكون ذلك خالص علتها، وإنما هو أوجه وجوهها، لتجعلها فاطمة الزهراء(ع) حاملة لذلك الشعار:
(( فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكِبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً للفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامةً، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفة.
وحرم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)).
ثم تقول (( وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء)).
وهي غاية ذلك الحراك.. حيث تعيشه حقيقةً وجوهراً، وتدعو إليه وتذوب فيه.
هذه هي فاطمة.. وهذا هو مشروعها.. وهذا هو النهج الذي تدعو إليه وتضحي من أجله.. وهذا الخطاب الذي لم يسمعوه ولا يسمعونه إلا من رسول الله(ص)، ولا يقدرون على مثله.. وهو خطاب يسحر القلوب، ويحيي به من كان حياً..
خطبة حافلة بالبينات والكلام الرشيد.. هو بحق آية من آيات البيان.. وقد أرادت به إتمام الحجة عليهم.. إذ حينها ذكرتهم بذلك الحضور المقدس الذي قصروا في حقه وفي إرثه، ويتصرفون وكأنه لم يكن يوماً فيهم.
إلا أنها كانت تريد حضور النبي(ص) في خطابها.. في مشيتها.. ليقول الراوي: (( وأقبلت في لمةٍ من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله.ص.))، ليكون إحضارها لكل ذلك تاثيراً عميقاً في نفوسهم.. إلا أنهم افتقروا للإرادة التي تصنع أمنياتهم.. إذ لم يزيدوا على البكاء والنحيب والتأسف..
فإذن مرجعية الأمير والزهراء(ع) هو الوحي والنبوة والرسالة فيما ذلك الفلتان بطبيعته.. لا مرجعية له.. ما أدى إلى أن يتجذر فيهم ذلك النهج والتزاماته الشرعية.. فما عاد بإمكان أحدٍ إخفاء شيء من ذلك.
ولذلك تجد كتب القوم لا تستطيع إخفاء تلك الحقيقة أو تشويهها أو تأويلها أو تمييعها بالرغم من مرور أكثر من 1422عاماً، فيما الفريق الذي انظم إليها في ذلك البيت الصغير لم يعد بعد كل تلك القرون القرون المتطاولة قليلاً، ولا ذائباً ولا تائهاً.. إذ هو على ذات النهج، وذات البصيرة وذات القيم.. فإذن لا نتحدث عن 900 مليون على غير منهجم في مقابل 400 مليون مؤمنٍ بهم حسب بعض التقديرات المتحرجة، وإنما 25 شخصاً آنذاك تكاثروا إلى 400 مليون مؤمن خلال 1422عاماً، أي تكاثر بمعدل 280.000 شخصاً سنوياً تقريباً، بالرغم من ممارسة الاضطهاد والحرب المستمرة طيلة تلك السنين، وهي نسبة عالية جداً، مقارنة بالحرب التي تستهدفهم منذ ذلك العهدـ.
ذلك بفضل أمير المؤمنين(ع) وحراك الزهراء(ع) وتضحياتهما الجسام، وكذلك تضحيات أبنائهما المعصومين والملتزمين بنهجهم من أجل هذا الدين الحنيف.

المحور الثالث:

إعلام الحركة الشرعية المناهضة وصوغ الخطاب:

حضور الخطاب في صنع التحول التاريخي:

فيما سبق تحدثنا عن طبيعة السيرة ومفهومها وخطابها، ثم ملامح النهج الذي برز متمايزاً ومختلفاً ومفارقاً لذلك الذي ترك الحبل على الغارب لتسويقه.. إذ أن خطاب الفريق الحاكم لم يكن له سقفٌ يحدد ضوابطه أو يمنع عنه دخيلاً أو متصنعاً.. إذ طبيعته أن يكون كذلك لتتضخم حالته ويكون صانعاً في خارج بيئته الحاضنة، ولا يجمعها سوى الخطاب التشكيكي للخصم الذي اجتمعوا على خصومته.
وهذا يعنينا في محورنا الختامي هذا..
فأي حركة إصلاحية أو ثورية أو بشكل عام أي حركة بناءٍ اجتماعيةٍ إذا ما افتقرت للخطاب الإعلامي الذي يخاطب الناس بالتزاماتها العقدية والفكرية والأخلاقية فإنها ستخسر الكثير من رصيدها الاجتماعي، وقد يقضي عليها إعلام الطرف الآخر لضعفها.
فهذا الدين الذي جاء به النبي(ص) إنما كانت معجزته البيان، وهو القرآن.. حيث لسان الناس، وكانت مفخرتهم، وما ينفذ إلى قلوبهم.. ويحرك أحاسيسهم ويثير اهتمامهم، لذلك نجد المشركين يمارسون التصفيق والضجيج لإشغاله عن صلاته أو لقطعها، وأيضاً لمنع الناس من الاستماع إليه والإعجاب به:
(( كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة كان يصلي قائما بين الحجر والركن اليماني فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء- وهو التصفير-، والآخر يصفق بيده تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته)).
وقد جاؤوا إلى أحد زعماء الكلام لديهم ليصف القرآن عله يعيبه، فيطيروا بذلك في الآفاق لينتقصوا منه.. فماذا قال لهم؟:
(( أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ: يَا عَمِّ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالا، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتَعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ، قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالا، قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ، قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ؟ فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالأَشْعَارِ مِنِّي، وَلا أَعْلَمَ بِرَجَزِهِ وَلا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي، وَلا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَوَاللَّهِ، إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلا، وَأَنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ)).
وقد تحدى الله قريشاً أو أعلم أهل الكلام في أول الأمر بأن يأتوا بعشر سورٍ من مثله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، ثم رفع سقف التحدي إلى أن يأتوا بسورة من مثله: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، ليتوج هذا التحدي الإقرار بالعجز من قبل شيخ قريش الوليد بن المغيرة.
وقد حاول مسيلمة الكذاب محاكاة بلاغة القرآن، إلا أنه اهتم بالسجع دون قيمة الكلمة التي يقولها، فظهرت عبارات مهوسٍ وقريبة من الشعر، لا قيمة لها.. فهي لا تتحدث عن موضوعٍ ليتناوله الناس، ولا عن حبٍ ليتغنى به الناس، ولا مفاخر ليفاخر بها الناس، من قبيل:
(( والليل الأطخم والذئب الأولم، والجذع الأزلم، ما انتهكت أسيد من محرم "!!أو" والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسيد رطب ولا يابس "!!أو"والشاة وألوانها، وأعجبها السود وألبانها، والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعجب محض، وقد حرم المذق ، فما لكم لا تجتمعون" !.
أو" يا ضفدع بنت ضفدعين، نقى ما تنقين، أعلاك فى الماء، وأسفلك فى الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين، لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها، ولكن قريشاً قوماً يعتدون((.
ها هي عباراته البالغة في السذاجة والبلاهة والتيه، لم يتمكن من خلالها إلا إثارة الضحك والسخرية والطرافة، فيما آيات القرآن كما يقول الله تعالى ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ
جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾.

والنبي(ص) الذي ظهر خطابه على إيجازه بليغاً ومؤثراً، حتى قال: (( أنا أفْصَحُ من نَطق بالضَّاد بَيْدَ أني من قُريش)) وهكذا خطاب أمير المؤمنين(ع)، الذي وصف كلام أمير المؤمنين(ع) البليغ (( هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين)).
وما أرهق خصوم هذا الاتجاه أنهم لا يملكون الخطاب المؤثر والفعال واللاهب.. ما جعلهم يستعينون بالقوة والتهديد.
فمثلاً قرأنا خطب أمير المؤمنين(ع) الذي دفع خصومه إلى أن يستخدموا القوة بدلاً من مناجزته في بيانه.. وفي ذات الوقت يحتفظون بمخطوطاته لعظيم بلاغته.. وهكذا تجد في كربلاء، حيث خطب الإمام الحسين(ع)، وفي الكوفة خطب الإمام السجاد(ع) والسيدة زينب(ع) وبعض من كان معها، حيث أثاروا الخوف والضجة على ابن زياد حتى أمر بإخراجهم سريعاً من الكوفة.. ومن ذلك ما قالته زينب(ع) لعبيدالله بن زياد:
كيف رأيتِ صنع الله بأخيك، فقالت: ((هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم.. فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ.. ثكلتك أمك يا ابن مرجانة)).
حتى هم بالاعتداء عليها : (( فغضب ابن زياد واستشاط وكأنه هم بها فقال له عمرو بن حريث ايها الأمير انها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها)).
وفي مجلس يزيد وقد طلب الشامي فاطمة بن الحسين(ع) جاريةً له قالت ليزيد: (( ... كلا والله ما جعل الله لك ذلك، إلا أن تخرج من ملتنا، وتدين ديننا. فاستطار يزيد غضباً، وقال: إياي تستقبلين بهذا الكلام، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك.
قالت زينب: بدين الله ودين ابي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلماً.
قال: كذبت يا عدوة الله.
قالت له: أنت أمير تشتم ظالماً، وتقهر بسلطانك.. فكأنه استحيا وسكت))..
فإذن غلبة يزيد بسلطانه، وليس ببيانه.
وهذا واقع ما عليه العهد الأول الذي لم يستطع الفريق الحاكم أن يحسم الأمر فيه لقوة ذلك الحراك الملتزم بقيم الأمة ودينها، وأن المعترضين هم بيت النبي(ص) والذين لهم من المقام ما ليس لغيرهم، ولذلك لم تهدأ الأمور إلا بعد تدخلٍ خارجٍ بسط سلطته لذلك الواقع.. ففازوا به..

صوغ الخطاب:

مرت علينا نماذج عديدة من أحاديث الزهراء(ع) وفيها تفصح عن طبيعة ذلك الحراك، وماهيته، وما مشروعه.. واستقصاء ذلك يوسع دائرة الدراسة كثيراً، ولسنا بصدد ذلك الآن، إلا أن الخطاب هذا الذي تصدت الزهراء(ع) لصياغته يأخذ في الاعتبار موافقته لطبيعة المطلب الذي تريده وقدرته على تحشيد الناس، وشل ذلك الكيان الجديد الذي يعتمد على بعض العناوين المعينة على ذلك، كالقرابة من النبي(ص) وقريش والمهاجرة وما إلى ذلك، وتحريكه نحو ذلك المطلب، وفي ذات الوقت الحرص على أن يكون الخطاب ساخناً دائماً حتى بعد رحيلها بلغة تصعيدية ومفرداتٍ لا تحتمل أي لبسٍ ولا فذلكة ولا سفسطة.. فكانت تريد أن يتمكن الجميع من التعرف على هوية هذا الحراك، وتمكين الآخرين من قراءته.. فماذا تريد مثلاً من دفنها سراً؟!.. هل فقط كي لا يحضر من ظلمها أو من لا تحب أن يحضر ممن غضبت عليهم جنازتها وتشييعها، كي لا يستفيدون من ذلك، وقد ماتت، ولا تملك رداً عليهم!..
هذه خطوة بالإمكان تجاوزها بعد رحيل أولئك القوم.. وبإمكان أمير المؤمنين(ع) أن يشير إلى ذلك القبر الشريف.. ولكنه والأئمة الطاهرين(ع) أبقوا على ذلك ليفصحون عن مراد فاطمة(ع) وأنهم يريدون كما كانت تريد أن تبقى صرختها دائمة ومدوية.. هذه بضعة رسول الله.. هذه فلذة كبده.. هذه سيدة نساء العالمين.. كيف تكون في أمة أبيها، وتموت مقهورة ومغصوبٌ حقها، وليس لها قبرٌ معلوم؟.. فأول وهلة يبدأ السؤال فيها أن الناس هم من أخفوا ذلك.. وإذا لم يكن ذلك، فمن وراءه إذن.. تلك المرحلة التي تريد الزهراء(ع) أن يسمع الناس فيها صرختها.. ليعرفوا ظلامتها..
وبهذا الموقف يتكشف للناس جيلاً بعد جيلٍ.. وعهداً بعد عهدٍ.. ذلك الخطاب؛ لأنها جهدتْ في أن يكون الخطاب متمرداً وثائراً ومتحدياً، ما بين مواقفها وصرخاتها لتبثها إلى الزمن.. حاضراً وآتٍ.. وإن اكتضى بزحام الرافضين لها، واستخدموا شتى أساليب الحجب والإقصاء.. لتكون صياغة الخطاب من خلال عنصرين أساسيين:
الأول: في الموقف، والذي اجتهدت كثيراً ألا يكون رمزياً فحسب، وإنما أن يكون فاضحاً وكارثياً بالنسبة لهم.. لا يتمكنون من ممارسة العبث به أو التدليس عليه.
الثاني: في البيان، والذي كان أشد صعقاً من الموقف..
لذلك لا يستطيع أحد أن يقرأ حركة الزهراء(ع) ويستطيع أن يدجنها لصالح خصومها، إلا أولئك الذين أرهقهم التزامهم بخلاف فاطمة(ع)، واصطنعوا تاريخاً آخر موازٍ، ولكنه مفضوحٍ لا يقنع حتى حلفاءهم..
خطاب الزهراء(ع).. هو خطاب الوحي.. خطاب القرآن.. لا تكاد تتجاوز عباراته ولا دقائقه.. بل هو هو.. لذلك لم يقدروا على الالتزام به، كما تفلتوا من الالتزام الذي أعطوه في الغدير.. إلا أنها تريد أن تعلن صرختها بعد وفاة أبيها.. أن الحق هو هذا.. وعلى الناس ألا تعرف غيره، ولا أن تشتبه فيه..
وهذا الخطاب في هويته.. في أدبياته هو الذي تحدى في أول حراكه قريشاً، فلم يحتملوه، فتآمروا على قتل النبي(ص)، فخرج من هناك.. وفي المدينة أيضاً ضاقت على بعضهم أرض الله بما رحبتْ، فتآمروا أيضاً على قتله، وقتلوه إذ قيل بأن امرأةً يهودية دست له السم على سرج ناقته فقتلته!!..
وهكذا فعلوا مع فاطمة(ع).. ألم يقل النبي(ص) لها: أنت أسرع أهل بيتي لحوقاً بي..
أواه.. فيتهلل وجهها فرحاً!!... إنها فاطمة..




همج الخارج أعوان من؟!:

(( قال أبو مخنف: فحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي: أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بهم السكك، فبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلا أن رأيت أسلم ، فأيقنت بالنصر)).
وفي الواقع أنهم لم يأتوا دون دعوةٍ من أحدٍ، إذ تقول الرواية (( عن أبي مخنف، عن محمد بن السائب الكلبي، وأبي صالح، عن زائدة بن قدامة: أن قوماً من الأعراب دخلوا المدينة ليمتاروا منها، فأنفذ إليهم، فاستدعاهم وقال لهم: «خذوا بالحظ والمعونة على بيعة خليفة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فمن امتنع، فاضربوا رأسه وجبينه.
قال: فوالله، لقد رأيت الأعراب قد تحزموا، واتشحوا بالأزر الصنعانية، وأخذوا بأيديهم الخشب، وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطاً، وجاؤوا بهم مكرهين إلى البيعة»
ومن المعلوم: أن الأعراب الذين كانوا حول المدينة هم أسلم، وجهينة، وغفار، وأشجع)).
فإذن ذلك الاستدعاء جاء نتيجة ذلك الحراك الكبير الخطير الذي هدد كيان السقيفة، وقد كان الدور الأبرز فيه ما كانت تقوم به السيدة الزهراء(ع).
والحمد لله رب العالمين.. وصلى الله على محمد وعلى بضعته الطاهرة المعصومة المظلومة وعلى أمير المؤمنين(ع) وعلى ذريتهم الطاهرة..
الأربعاء 18/6/1433هـ

 

 

باقر الرستم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-06-2012, 10:43 PM   رقم المشاركة : 2
ابن الطرف
مشرف النقاش والحوار الجاد
والقصص والروايات







افتراضي رد: الإسلام في حراك الزهراء(ع)..

جزاكـ الله خير الجزاء أستاذي العزيز باقر الرستم

في هذا الموضوع عرفت أشياء كثيره كانت مبهمه بالنسبة لي بل أزداد مفهوم السيدة الزهراء لدي

لم أكن مدرك بكل هذه الأدوار التي كانت تقوم بها سلام الله عليها

حقيقة تقال كلما أستمع لحضرتكم في مختلف المناسبات أو أقرأ لكم كلما يزداد تفكيري نضجاً وإدراكاً

واصل أستاذي العزيز أطروحاتك فكلي شوق لكتاباتك القادمه

دعواتي القلبيه لك أستاذنا الكريم بالتوفيق

عافاك الباري

 

 

ابن الطرف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 18-06-2012, 08:49 PM   رقم المشاركة : 3
باقر الرستم
باحث وكاتب قدير







افتراضي رد: الإسلام في حراك الزهراء(ع)..

أشكرك عزيزي ابن الطرف، وما أسأل الله تعالى أن يوفقني إليه أن أكون دائماً دليلاً لشيعة آل محمد إلى آل محمد ما استطعتُ إلى ذلك سبيلاً.. وهذا أقل القليل في الشكر لما تفضل الله به علي وما قدمه رسول الله وعلي وفاطمة والعترة الطاهرة روحي فداهم.. إذ ما كان ليصل إلينا كل ذلك لولا تضحياتهم الجسام من أجلنا، ومن أجل أن تبقى كلمة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هي العليا..

أسأل الله تعالى أن ينقي قلبي من الشرك والشك والريبة وحب الدنيا، وأن لا أرجو غير وجهه الكريم.. ويكفيني نعمة أن وفقني الله تعالى إلى ذلك.. كما ورد في الدعاء الذي صاغته الآية الشريفة : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ))..

واعتذر أنني لم أقم بإنزالها تدريجاً، وذلك لتأخري، وخوف أن تأخذني المشاغل مرة أخرى فأذهل عن التواصل المتوازن.. لذلك يمكن لأي أخٍ أن يأخذها في أوراق ويقرأها بهدوءٍ، وبعيداً عن أشواء شاشة الكمبيوتر..

تحياتي للجميع

 

 

باقر الرستم غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 19-06-2012, 07:45 AM   رقم المشاركة : 4
ضحكة
طرفاوي بدأ نشاطه
 
الصورة الرمزية ضحكة
 






افتراضي رد: الإسلام في حراك الزهراء(ع)..


سلام الله عليك يا سيدتي ومولاتي

شكرا اخي الكريم على الموضوع الذي يبين الكثير مما خفي عند غالبية الناس

جعله الله في ميزان حسناتك

 

 

ضحكة غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 09:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد