الإستفسار
وردفي بعض الأحاديث الرواية التالية:"إِيَّاكُمْ وَالْغِيبَةَ فَإِنَّ الْغِيبَةَ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَكَيْفَ الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا ؟ قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَزْنِي , ثُمَّ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْغِيبَةِ لا يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُ صَاحِبُهُ " البعض يتذرع بهذاالحديث في توهين وتبسيط جريمة الزنى وماشابهها بقوله أن الغيبة أشد من الزنى وبالتالي جريمته يعتبرها هينة مقارنة بالغيبة فكيف نفهم هذه الرواية بالفهم الصحيح والذي يتناسب مع عظم وخطر هذه الجريمة والتي توعد عليها القرآن الكريم بالعذاب الشديد؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الأشدية لها حيثيات مختلفة نتعرف عليها فيما يلي:
أشدية الثمار:
وهي أشدية معلقة على النتائج التي قد تصاحب الواقع الخارجي، ومثالها أشدية الخمر، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "" إن صاحب الزنا لعله لا يعدوه إلى غيره، وإن شارب الخمر إذا شرب الخمر زنى وسرق وقتل النفس التي حرم الله وترك الصلاة"".
فهذه الأشدية معلقة على حدوث تلك السلسلة من الجرائم أو بعضها والتي يترقب حصولها من شارب الخمر أشد من ترقبها مع الزاني، فهذه الأشدية ليست مطلقة على كل حال بل هي خاصة بما إذا اتفقت هذه النتائج والسمومات المتعددة، وأما إذا لم يتفق شيء منها مع شرب الخمر فلا يكون أشد من الزنا ..
أشدية تركيبية:
لا مخرج من الذنوب، إلا حسن التوبة والتوبة على نوعين بسيطة ومركبة، الأولى تتم بين العبد وربه، والثانية تتم بين العبد وربه والمجني عليه.. ولا شك أن المركب أشد وأعقد من البسيط، فإذا أراد أن يمحو ذنبه ويطمس جرمه الذي اكتسبه بالزنا لم يكن أمامه سوى استتابة ربه جلا وعلا وأما في الغيبة فعليه أن يستتيب ربه وصاحبه الذي جرح شخصيته بالغيبة .
فهذه الأشدية ليست مطلقة أيضا..
بمعنى أن التوبة قد تحصل في الغيبة فيتفق أن يتوب الله ويتوب من وقعت عليه الغيبة لتوبة الله سبحانه، ولكن قد لا يتوب الله عن زنا العبد وحينئذ ستنقلب النتيجة وتصبح هذه الحصة من الزنا أشد من تلك الحصة من الغيبة ؟
أشدية عقلية:
هناك من الذنوب ما يجترحه المؤمن نتيجة غلبة الشهوة وسعة الهفوة من تحته فتزل قدمه فهذه آثام نفسية لأنه يتخبط فيها دون أن يستصغرها أو يحتقرها في وعيه لذا تراه يخفيها و يشتري الستر بكل ما أوتي من مال وقدرة كما هو حال الزناة (نستجير بالله)..
ولكن بعض الآثام يقترفها الفاسقون مستصغرين لها مستحقرين لأمرها فيكون في ذلك هتك لحرمة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه واله ومثال ذلك الربا حيث ورد ــ فيما يحضرني ــ أنه أشد من الزنا..
لأن الممارسة تتم في شكل يومي أو شبه يومي دون شعور بالحياء بينما الزنا لا يكون إلا باختراق جدار الحياء، فنفهم أن الأشدية هنا هي أشدية من حيث موضع الإصابة فالمرابي مصاب في عقله وتفكيره وأما الزاني فمصاب في نفسيته وقلبه ..
وقصارى القول:
أن أشدية تلك الأمثلة ليست أشدية عنوانية بل هي أشدية ثانوية باعتبار ما يصاحب الإثم من فعل كما في شارب الخمر، أو تعقيد كما في الغيبة، أو استخفاف وهتك للحرمة كما في الربا، ويبقى الزنا هو الأشد من حيث العنوان.
والله العالم
الجواب لسماحة الشيخ الجليل عبدالجليل بن سعد
المصدر