لماذا يصاب الرجال بتضخم البروستاتا مع تقدم العمر؟
<span style='color:darkblue'>ولكن الأسئلة الوجيهة تتضمن الآتي: لماذا يحصل تضخم البروستات مع تقدم العمر ولماذا يصيب هذا التضخم الحميد مع أعراضه البولية بعض الرجال دون سواهم وماذا يحصل إذا توبع المريض لفترة من الزمن بدون علاج وهل يمكن التنبؤ حول احتمال تقدم الأعراض إلى الأسوأ وضرورة الجراحة أو نسبة الاحتباس البولي؟ وهل يمكن استعمال علاج للحد من هذا التقدم؟ وما هي نسبة الرجال الذين يشكون من تضخم نسيجي مجهري الذين سيتعرضون إلى تضخم ظاهر مع أعراضه السريرية؟
حجم البروستات الطبيعي هو في حدود 14إلى 26غراما ولا يتغير عادة طول الحياة وأما الرجال الذين يشتكون من الأعراض البولية نتيجة تضخم البروستات الحميد فحجم بروستاتهم يكون في حدود 40إلى 50غراما في فترة 8ما بين 60إلى 80سنة من العمر. ومن العوامل المهمة في حدوث التضخم البروستاتي الحميد:
1- الهرمونات الذكرية وتأثيرها على البروستات:
إنه من الثابت أن البروستات تحت تأثير الهرمونات الذكرية وان المخصيين من الشباب قبل سن الرشد لا يصابون بتضخمها ولكن من المتناقض أن لدى الرجال المصابين بتضخم البروستات الحميد وغيرهم من المسنين نقصاً في تركيز الهرمون الذكري وذلك يجعل تأثير هذا الهرمون مسهلاً وليس مسبباً لهذا التضخم. ففي داخل البروستات يتحول "التستوسيترون" أو الهرمون الذكري الموجود في الدم إلى هرمون أكثر فعالية وقوة وهو "الديهيدروتستوسيترون" بواسطة انزيم خاص وهو " 5الغاريدكتاز" بصنفيه الأول والثاني، وهذا الهرمون يتماسك بمستقبلة الفعل الذكار فيساعد إلى افراز بروتين خاص يلعب دوراً مهماً في عملية تضخم البروستات ذلك وقد يفسر المفعول الإيجابي للعقاقير المثبطة لأنزيم " 5الغاريدكتاز" مثل "البروسكار" "بوالافودارت" في تخفيض تركيز هرمون "الديهيدروستوستيرون" داخل البروستات ينتج عنه ضمور جزئي في عددها وتقلص في حجمها مع تحسن ملحوظ في الأعراض البولية وتخفيض نسبة الاحتباس البولي والضرورة إلى الجراحة في أكثر من 50% من الحالات.
تأثر الغدد بالنسيج الخام داخل البروستات:
إن النسيج الخام STROMA في البروستات يشمل خليطاً من الخلايا أكثرها أرومة ليفية وعضلات ملساء ومطرق خارج الخلايا تكون مفصولة عن غددها بالغشاء القاعدي. وهذه الأنسجة وخصوصاً ظهارة الغدد والعضلات والأرومة الليفية تحت تأثير المستقبلة الاندرينالية أي الجهاز الودي. ومن المعروف أن تأثر الغدد بالنسيج الخام مهم في نمو وصيانة البروستات تحت تأثير الهرمونات الذكرية وقد يكون العامل الأكثر فعالية في حدوث تضخم البروستات الحميد نتيجة إنتاج عوامل النمو GROWTH FACTORS المسؤولة عنه التكاثر الشاذ للنسيج الخام مع ظهور فرط في النسيج العقيدي وتضخم البروستات.
نظرية تجدد الإيقاظ الجيني أو البدائي EMBRYONIC
هذه النظرية ترتكز على الاعتقاد ان تضخم البروستات يعود إلى انعكاس نسبة من خلايا النسيج الخام إلى حالة بدائية نتيجة تأثر ظهارة الغدد بالنسيج الخام والتي تسبب تكاثر هذه الخلايا وظهور عقيدات داخل البروستات مع زيادة في حجمها. ولكن هذه النظرية لم تثبت بالرغم من بعض الدراسات التي دعمتها.
فرضية عامل الهرمونات الانثوية
هنالك عدة تأثيرات توحي أن للهرمون الانثوي تأثيراً مباشراً في عملية تضخم البروستات الحميد إذ إنه يعدل مفعول الهرمون الذكري وحساسية البروستات له وان ارتفاعاً بسيطاً في تركيز الهرمون الانثوي في الدم يزيد عدد المستقبلات الاندروجينية ويؤدي إلى تضخم هذه الغدة كما اظهرت بعض الدراسات على الكلاب. وقد تبين انه حيثما ينخفض تركيز الهرمون الذكري مع تقدم السن فتركيز الهرمون الانثوي يبقى مستقراً عند الرجال المسنين مما يزيد نسبته بالنسبة إلى الهرمون الذكري وقد يجعله عاملاً فعالاً في عملية التضخم البروستاتي.
فرضية الخلايا الجزئية STEM CELL
هذه الفرضية مبنية على الاعتقاد ان البروستات غدة تجدد نفسها بطريقة مستمرة وثابتة، وتعوض عن موت بعض خلاياها باستبدالها بخلايا جديدة لتكون تلك العمليتين متوازنة بدون أية زيادة أو نقصان في عدد الخلايا. وبناء على فرضية الخلايا الجزئية فإن كل خلية جزئية قد تنتج عدداً كبيراً من الخلايا البروستاتية فاذا ما زاد عدد الخلايا الجزئية فذلك قد يؤدي إلى ارتفاع في عدد هذه الخلايا والانسجة داخل البروستات مع تضخمها البارز.
عوامل النمو GROWTH FACTORS
عدة عوامل النمو مثل FGF وEGF وIGF وTGF اكتشفت في أنسجة البروستات وقد اظهرت عدة دراسات أهميتها وبالنسبة إلى التضخم البروستاتي الحميد الذي قد ينتج عن تفاعلها إذ أن بعضها يحث تكاثر الخلايا بينما يكون مفعول العوامل الأخرى مثبطا ويحد منه زيادة تلك الخلايا كما اظهرت عدة دراسات على الحيوانات ولكن البعض منها قد يؤثر سلبياً على الغدد وإيجابياً على العضلات الملساء داخل البروستات. وهذه العوامل تحت تأثير الهرمون الذكري داخل البروستات وتلعب دوراً مهما في أمراض تضخم البروستات الحميد.
موت الخلايا المبرمج وتضخم البروستات الحميد
إنه من المعروف الآن ان المزايا الطبيعية لنمو البروستات لا تنتج عن زيادة في تكاثر خلاياها فحسب بل أيضاً نتيجة انخفاض في الموت المبرمج لتلك الخلايا، فأي اختلال في توازن تلك العمليتين قد يؤدي إلى تغيير في حجمها وحصول آفات وتشوهات فيها. وموت الخلايا يحصل نتيجة تبيهات اغمائية وتغييرات كيماوية حيوية داخلها ومن أهمها تفسخ الحامض النووي DNA بواسطة انزيمات خاصة وزيادة في تركيز الكلسيوم داخلها. وقد تبين ان الاخصاء مع الانخفاض الشديد في تركيز الهرمون الذكري يؤدي إلى موت الخلايا المبرمج الذي يعاكسه نوعع من الجينات BCL2 الذي يحاول وضع حد لهذه العملية. وقد اظهرت عدة دراسات ان البروستات تحتوي أيضاً على مستقبلات اندريتالية مربوطة بالجهاز العصبي الودي وان استعمال مثبطات لهذا الجهاز مثل "الثرازوسين" أو "دوكسازوسين" لا تساعد على ارتخاء العضلات الملساء فحسب بل تسبب موت الخلايا الظهائرية في الغدد وخلايا النسيج الخام أيضاً مع ضمور في تلك الانسجة. ويكون المفعول أشد فعالية إذا ما استعملت هذه العقاقير مع عقار "الفينسترايد" أو "بروسكار" معاً.
خلاصة:
تضخم البروستات الحميد مرض شائع ومنتشر عالمياً يصيب الملايين من الرجال المسنين بعد سنة 50سنة ويسبب لهم الأعراض البولية المزعجة ويؤثر على جودة حياتهم ونشاطهم العائلي والجنسي والاجتماعي والمهني. أسبابه لا تزال مجهولة رغم التقدم الملحوظ في تفهم أعراضه ومزاياه السريرية والنسيجية وتأثير عدة عوامل على حدوثه لدى بعض الرجال دون سواهم كما شرحناه في هذه الافتتاحية ان معرفة تلك العوامل ذو أهمية كبرى إذ انها تفسح أمامنا المجال لاستعمال علاجات خاصة وموجهة نحوها للوقاية من هذا المرض والشفاء منه، بمعونة الله سبحانه وتعالى، ووضع حد لأعراضه والحاجة إلى معالجته الجراحية. ورغم انه يتواجد الآن عدة عقاقير ووسائل جراحية بسيطة وفعالة كالكي بالمويجة والليزر والتردد اللاسلكي وغيرها.
إلا أن هذه الوسائل لا تؤدي إلى شفاء هذا المرض أو منع حصوله ولكل منها منافعها ومضاعفاتها. فأملنا أن ننجح باكتشاف الأسباب الأساسية لهذا المرض ومحاولة إزالتها قبل حدوثه لنتمكن بالانتصار عليه إن شاء الله والقضاء على أعراضه المؤلمة ومضاعفاته الوخيمة.
</span>