عرض مشاركة واحدة
قديم 27-01-2012, 06:46 PM   رقم المشاركة : 1
ابن الطرف
مشرف النقاش والحوار الجاد
والقصص والروايات







افتراضي شجرتنا .. ماذا تخبئ لكي ألأيام ...؟

بسم الله الرحمن الرحيم

يُحكى أنه كانت فى فناء دار «آل إسماعين»
شجرة توت عتيقة عمرها أكثر من ألف عام،
يستدلون على عراقتها بحجمها اللانهائى
وضخامة الجذع وامتداد الفروع، بحكايات الأجداد،
وأسماء محفورة على جذعها،
مات أصحابها منذ مئات السنين.
الجذع الذى يحتاج - كى تدور حوله - إلى نصف نهار



كانت الشجرة العتيقة مبعث فخر شيوخ آل إسماعين.
لها حكايات وحكايات، وأمجاد وأمجاد،
أما الأطفال فكانت لهم ملعبا ووطنا.
وتحت ظلها جلس شباب العائلة يتسامرون.
والكل أكل من ثمار التوت الشهية
التى - على عكس أشجار التوت الأخرى- لا تنقطع طوال العام.



من أجلها كان شيوخ « آل إسماعين» يكرهون السفر.
فأجدادهم تربوا تحت ظلال الشجرة العتيقة،
فكيف يتركون تلك الظلال الوافرة؟
هى يومهم وأمسهم.. هى قصص حبهم وحكاية عمرهم.
لكن مع مرور الأيام لا يبقى شىء على حال.
بالتدريج فقدت الشجرة العجوز مكانتها،
وفى يوم قامت «عركة». راح الشباب يكسرون الغصون ليتخذونها عصيا، فيضربون ويتقاتلون،
والشيوخ يصرخون ويستنجدون، هانت الشجرة فى قلوب الأحفاد،
لدرجة أن بعضهم حين انكسر باب بيته،
لم يطلب من النجار صناعة باب،
وإنما ذهب إلى الشجرة ليكسر قطعة!



بعدها تقاطر الزوار من الغرباء،
جاءوا يتفقدون القرية، أظهروا اهتماما خاصا بالشجرة العجوز، قالوا إنهم خبراء، وبالفعل درسوا كل شىء
وجابوا كل المناطق فى اهتمام،
وكان رأيهم قاطعا: الشجرة العجوز هى سبب كل الأضرار،
فقد صارت عبئا على التربة.
امتدت جذورها إلى أعماق سحيقة
وسحبت الماء من النباتات الأخرى، وسوف يتم قطعها
وبيع أخشابها، وبثمن البيع
سوف نشترى نخلة بلاستيكية تضىء بالليل باهرة المنظر.



وهاج شيوخ «آل إسماعين» على تلك الآراء
وقالوا إن هذه الشجرة بالذات فى مقام جدّتهم!
سوف يكللهم العار إن قتلوا الجدة العجوز، التى لم تكف عن العطاء.
قالوا إن هذا الكلام ملفق،
فبجوار الشجرة تزدهر شجرة
خوخ وتكعيبة عنب وحقول شاسعة من القمح الذهبى،
شباب «آل إسماعين» لم يقتنعوا بمنطق العجائز،
ولكنهم صمتوا على مضض،
وأنظارهم تتعلق بحسرة صوب النخلة البلاستيكية الأنيقة
التى تضىء بالليل وتضفى البهجة بالنهار،
ومرارا حاول الأجداد إقناعهم بأن هذه الشجرة
يستحيل تعويضها، وصمت الأحفاد مرغمين والتذمر يزداد.



نظر الغرباء إليهم فى ازدراء
وقالوا إنهم أحرار فى أنفسهم فما أرادوا لهم سوى الخير والرشاد،
وانصرفوا لكن الغضب لم ينصرف، التهبت القلوب،
وبدأت المشاحنات بينهم وبين باقى عائلات القرية،
شباب «آل إسماعين» انسحبوا من المعركة،
لأنهم كانوا لا يعرفون قيمة الشجرة.



فى الصباح التالى وجدوا قناة الماء مطمورة بالطين
ومسدودة بالحجارة،
لكن الشجرة العجوز لم تمت فقد كانت جذورها
الممتدة تجد الماء والغذاء بنفسها.
فبدأوا يبحثون عن حيلة أخرى.
فى كل مساء كانت تحدث حوادث للشجرة،
جرار زراعى اصطدم بها بأقصى سرعته،
ولكن الشجرة الصلدة كانت عصية على الإيذاء،
وقرر العجائز إقامة حراسة من شباب العائلة،
لكن الحوادث ازدادت عنفا وبدا واضحا أن شباب العائلة يغضون الطرف.



وعاد الغرباء ولكن اللهجة اختلفت
واكتسبت طابع تهديد
لا تخطئه الأذن، هذه الشجرة ضارة بالبيئة
لأنها صدَّرت إليهم كثيرا من الحشرات الضارة
فى بلادهم البعيدة، وإذا لم يقوموا بإزالتها
فسيتولون الأمر بأنفسهم،
وبالفعل بدأت قوة مدججة بالسلاح تحاول نشر الشجرة،
ولكن الجذع العجوز أثبت صلابة غير عادية،
واحتقنت الوجوه ونطق المقت فى العيون.
وبدأ حصار حول العائلة بأسرها.



وانتشر الصخب والشجار فى عائلة أبو إسماعين
وتطوع شباب العائلة لإنهاء الأمر
فحملوا الفؤوس وانهالوا على جذع الشجرة العجوز،
التى راحت تترنح من الدهشة والألم..





وياتري يا شجرتنااا لسه مخبيالك
أيه ألأياام...؟

 

 

ابن الطرف غير متصل   رد مع اقتباس