حدثني صديق كثيرا ما كنت استأنس لقفشاته المتنوعة من هنا وهناك، هذه المرة ذكر لي همهمة جادت بها نفسه التواقة لنبذ ما يشوه الأمة من تورمات سرطانية.
كان المولى الجليل في حضرة الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في أحضان المدينة الطيبة المنورة، يمخر المسجد النبوي ويطلع على جنباته المترامية الأطراف، لاح له في المنطقة الشمالية للتوسعة وبعد السور الفاصل معرض اسمه (بنيان)، والأهم أن دخوله بالمجان، وقد تزين محيط المعرض بصور مكبرة جميلة ورائعة عن الحرمين الشريفين، توكل على الله ودخل المعرض وأتى بصورة خاطفة على أركانه وزواياه التي تمثل الجهات الحكومية الخدمية حجر الزاوية فيه، وتعرض مجمل خدماتها في سبيل تطوير المدينتين المقدستين.
وكما هو معتاد في المعارض توزع المنشورات وبعض الكتيبيات الإرشادية والدعائية، لم يكن هناك الكثير من المنشورات لتوزيعه في أغلب الأركان ـ ربما لأن المعرض فتح منذ شهر ـ، فكان صاحبي يترقب كتاب هنا أو كتيب هناك، حتى لاح له ركن دار الآل والصحب، وبضاعة مزجاة معروضة كان من ضمنها كتيب تربو صفحاته على 150 صفحة مهر بعنوان: من القلب إلى القلب.
طباعة فاخرة وألوان زاهية وأخراج فني يغريك بتصفحه، وصاحبي لا يحتاج إلى كل تلك الأمور ليأخذ كتابا ويتصفحه فهو مدمن قراءة من الطراز المتقدم ولا يعني له الشكل كثيرا، المهم وبدافع من اللقافة الثقافية أخذ يتصفح الكتاب كعادته ـ من القرطاعة إلى القرطاعة ـ وإذا بها رسائل موجهة عددها ثمانية وعشرون رسالة كأيام شهر فبراير ـ وهو الشهر الثاني في السنة في التقويم الجريجوري وهو أقصر الشهور الجريجورية والوحيد الذي يبلغ عدد أيامه 28 أو 29 يوما. ويكون الشهر 29 يوما في السنة الكبيسة، وذلك في السنين التي يمكن قسمتها على أربعة (فيما عدا السنين التي يمكن قسمتها على 100 وليس على 400). وفيما عدا ذلك فإن الشهر 28 يوم ـ (ويكبيديا)، وربما المؤلف في تلك السنة التي كتب فيها مؤلفه لم يكبس ـ أي يأكل الكبسة ـ وكان عزاؤه في ـ صفرية امووش ـ التي ضاق بها ـ احسينوه ـ من فرط ما أغرق في أكلها مع أخيه سعد في درب الزلق.
تتعدد الأسماء وتتجدد الطبعات وتتبدل الأسماء ويبقى قطيع الخراف يقفز حول الحبل حتى بعد أن قطع، هذه هي وجهة نظر صديقنا عن الكتاب أول ما تصفحه، وعلى ذكر الأكل ـ فإن المؤلف الهمام خبير بدس السم في الدسم، فهو ما يفتأ يذكرك بحقائق حتى يحقن معها شيئا من السموم الكريمة فلا تستطيع لها ردا ـ كرمان ـ لتلك الحقائق.
الأمر الذي أخذ وقعا في قلب صاحبنا المحفوف بالسكينة عند الساكن بالمدينة ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو أن الغلاف حوى العبارة التالية: طبعت معرض سايتك بالظهران 1432هـ، فتعجب ـ ويحق له العجب العجاب ـ أن يضيف المعرض معلما يشمخ أمام القبة العلمية بجبروتها وعظمتها، ويطبع هذا الكتاب، مع أنه ليس له شبهة علاقة بالعلم ولا التقنية والتي حمل المعرض على عاتقه مهمة تبسيطها وتقريبها حتى للأحباء الأطفال الصغار، فلم يستطع أن يدرج هذا المنشط تحت أي عنوان علمي ـ أو على الأقل لخاطر الله ـ ثقافي، نبلع من خلاله الموضوع، وعموما وعلى أقل تقدير هل هناك شجاعة تسمح بنشر الرد على ما جاء من تلك الرسائل تنطلق من المعرض نفسه، حتى تكتمل عناصر الاتصال الأساسية:
ـ المرسل: وهو الشخص الذي يمتلك فكرة أو معلومات يريد نقلها إلى شخص آخر من خلال وسيلة اتصال
(وهذا تحقق بتبني النشر)
ـ الرسالة: تتضمن تعبيرا عن الفكرة التي يريد المرسل نقلها على هيئة عبارات ورموز وأرقام وتعبيرات الوجه والجسم واليدين
(حدث ولا حرج ـ خاصة تعبيرات وجه المؤلف)
ـ قناة الرسالة: وهي الوسيلة التي من خلالها تتم عملية الإرسال
(وصلت رسالة الأنثراكس بحمد الله من قناة في أطهر البقاع)
ـ المستقبل: الشخص الموجه له الرسالة ويقوم بدوره بالرد على الرسالة
(وقد احتضنها بقبول حسن وكفل عقله بالرد عليها وينتظر النشر)
ـ التغذية الراجعة: وهو رد المستقبل للرسالة وتتأثر بمدى فهم المستقبل للرسالة
(وهنا مربط الفرس والشاهد من الموضوع كله).
مسألة الرد على الكتاب تستحق من جهة ولا تستحق من جهات، وصاحبنا من أنصار المذهب الثاني لاعتبارات عديدة أقلها عدم الدخول في دوامة لا تهدأ حتى تبدأ من جديد في بحر التاريخ ذاته، فهو يتذكر في هذا الإطار كلاما للعلامة السيد فضل الله ـ قدس سره ـ يحث فيه على عدم تناول التاريخ بشكل نعيش فيه وكأننا طرفا فيه، بل ينبغي تناوله خارج نطاقه للإفادة منه فيما يعود علينا بالتطور إلى الأمام لا النكوص إلى الوراء وإلى ذلك التاريخ.
أمر واحد استوقف صديقي ليحدد موقفه من الكاتب والكتاب في ص 38، حيث استشهد في الوقفة الثالثة مع أصحاب نبينا محمد (ص) بكتاب (ضياء الصالحين) لمحمد صالح الجوهري وذكر ما ورد في ص 513 ـ حسب زعمه ـ بحديث المساء والصباح. استغربت كثيرا من دقة الكاتب في النقل، فكتاب ضياء الصالحين للجوهري، الكاتب يمكن أن لديه معلومات رياضية غير دقيقة ربما يقصد مدرب مصر (محمود الجوهري) ؟ لا أدري، فيبدو أن الأسماء لا تمثل عائقا لدى الكاتب، فقلت نيابة عنه أصحح له الاسم: المرحوم الحاج محمد صالح الملقب بـ (الجوهرچي) اشتهر بهذا اللقب وذلك لتعامله وامتلاكه الكثير من المجوهرات والمصوغات الذهبية الثمينة والنادرة إضافة إلى عمله في الصياغة. وهو من أسرة آل الصائغ النجفية العريقة التي نزحت من نجد والحجاز إلى العراق. ولد في النجف الأشرف عام (1904) م، و توفي في (10/9/1977) م. قام بالكثير من المساهمات لصيانة مراقد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وصحابتهم الكرام. وهو صاحب المؤلف الذي استتشهد به (ضياء الصالحين).
هذا لا يهم، المهم عندي صاحبنا هل صحيح ما نقله واستشهد به في ص 513، من كتاب ضياء الصالحين ويتطابق مع الرواية من حديث المساء والصباح، أم لا، لم يكن كتاب ضياء الصالحين في حوزة صديقي لحظة اطلاعه، فأوكل أمره إلى إلى النت عله يحظى بمراجعة ذلك النقل، لم يفلح في العثور على الكتاب فآثر مراجعته بالنسخة التي يملكها في وقت لاحق، ولكن ما أثار استغرابه ـ ويحق له الاستغراب ـ أن كاتبا آخرا في مقال نقدي وقفات مع كتاب«ضياء الصالحين» لحسين أحمد بزبوز (شبكة فجر الثقافية) استشهد من نفس الصفحة ـ أي 513 ـ بشيء لا يمت بحديث المساء والصباح المزبور في رسائل من القلب إلى القلب، قال ابن بزبوز : "وقد ورد هذا في الصفحة 513، وهو عبارة عن طلاسم تكتب في رقاع منفردة وتغسل في شراب حتى لا يبقى في الورقة من المداد شيء وتشرب في أيام مخصوصة، وهو منقول عن كتاب غير مطبوع هو (أمان الأخطار)"، بينما العبد الهادي في رسائله يقول: " وفي ضياء الصالحين: من يلعن،،، حتى يصبح".
على هذا الاختلاف قرر صديقي أن يتريث قليلا حتى يتأكد بنفسه من المصدر ومن الصفحة 513 من كتاب ضياء الصالحين الذي كلا النقلين لم يشر إلى الطبعة أو سنة الطبع أو الدار التي طبعته، إلى ذلك الحين، يستودعكم صديقي عند من لا تضيع عنده الودائع، وإن يضربكم جميعا بعصا السكينة بحق نبينا محمد الساكن بأرض المدينة وآله الأطهار.
*