ملخص وتعليق على الدراسة الفقهية السياسية للشيخ الفضلي عن "الصلح مع ( إسرائيل )"
أولاً: استعراض لملخص الدراسة الفقهية التي قدمها الشيخ:
استعرض الشيخ الأفكار التالية:
1- أهمية معرفة نوعية ملكية أرض فلسطين وفقاً لأحكام التشريع الإسلامي حتى نستوضح واقع الحكم منها.
2- أهمية مراجعة الجانب التاريخي، وأن أرض فلسطين كانت تحت حكم الروم قبل الفتح الإسلامي، وتم الاستيلاء عليها (عـنـوة ) بحربٍ في عهد عمر بن الخطاب.
3- عادة مثل هذه الحالة تبحث فقهياً في موضوعين: (ملكية الأرض + ضريبة الخراج).
4- يتعامل المسلمون مع (ملكية الأرض + ضريبة الخراج) بناء على:
أ- هل فتحت الأرض صلحاً
ب- هل فتحت عنوة.
المفتوحة صلحاً: يُـقِـر الإسلام أصحابها على ملكيتها، ويحق لهم التصرف فيها تصرف المالك في ملكه، فلهم بيعها وإجارتها وهبتها وما إلى ذلك من تصرفات مشروعة.
المفتوحة عنوة:
ملخص رأي المذهب السني: أن للإمام الخيار في أن يُقسمها بين الغانمين أو يوقفها على المسلمين عامة.
وإذا لم يقسمها الإمام بين الغانمين تعيّن الحكم الثاني وهو وقفيّتها للمسلمين.
وهناك مد وجزر في جزئية تقسيم الأرض وملكيتها بين الغانمين أو وقفها، واستعرض الشيخ الفضلي أشهر الآراء لأبي حنيفة ومالك وابن حنبل والشافعي والثوري؛ وقد اقتصر على مصدرين؛ وهما: (الموسوعة الفقهية) الكويتية، وكتاب (المغني) لابن قدامة المقدسي، لأن فيهما عرضاً وافياً للمسألة.
وملخص رأي المذهب الشيعي الإمامي: وهو من غير خلاف بين فقهاء المذهب- لا يجوز تقسيمها بين الغانمين، ويجب أن توقف لصالح المسلمين. وذلك استناداً لما روي عن أهل البيت عليهم السلام من روايات ( استشهد الشيخ بثلاث روايات للطوسي ورواية للكليني، وسبق تلك الروايات بقول الشيخ المنتظري قدس سره في كتابه: "دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية").
5- أما على مستوى التطبيق بالنسبة لأرض فلسطين، وهي قضية تاريخية تم حسم الأمر فيها في حينه، فالعمل يكون فيها بناء على ما طبقه الإمام في حقها ويُسار عليه.
وبالتالي السؤال المطروح: هل قسمها عمر بن الخطاب أم أنه أبقاها وقفاً للمسلمين؟
وبعد استعراض الشيخ لبعض الروايات التي وثقت الموقف الرسمي الذي تلا فتح أرض فلسطين، يُعلم منها أن عمر بن الخطاب أوقفها للمسلمين، ولذا يمكن القول أن كلمة فقهاء المسلمين متفقة على أن أرض فلسطين وقف للمسلمين عامة، مَن كان موجوداً منهم عند الفتح الإسلامي لها، ومن سيوجد حتى تقوم الساعة.
6- ثم يتساءل الشيخ: ما الموقف الشرعي للمسلمين منها بعد أن اغتصبها اليهود؟
استعرض الشيخ أساس الوجود الصهيوني وأنه مشروع استعماري استحسانا منه للنتائج التي توصل لها الأستاذ رفيق شاكر النتشة في دراسته الموثقة والتي وصفها الشيخ بأنها موضوعية (الاستعمار وفلسطين – إسرائيل مشروع استعماري)، وفيها يؤكد المؤلف بأنه لم يأتِ الصهاينة اليهود إلا متأخرين بدورهم كعملاء وأُجراء للدول الاستعمارية صاحبة هذا المشروع، وهي بحسب رأيه: ( فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وأمريكا )، وأنها بذلك تهدف من السيطرة على العالم العربي والإسلامي من خلال إتباع سياسة التفرقة في المنطقة باستغلال القوميات والطوائف والعصبيات لكسرة وحدة العالم العربي تمهيداً للسيطرة عليه وعلى العالم الإسلامي بعد ذلك.
ثم يُجيب الشيخ على السؤال بالقول:
يجب على المسلمين العمل على استرجاع أرض فلسطين بكاملها؛ كما لا يجوز التعامل مع هذه الدولة التي تمثل القاعدة الاستعمارية للدول الغربية.
7- يُشيد الشيخ بالموقف الإيراني بالقول:
"وموقف إيران من رفض السلام نابع من هذه الشرعية، فذلك أن (إسرائيل) مغتصبة لأرض إسلامية هي للمسلمين عامة وبإجماع فقهاء المسلمين كافة".
8- استعرض الشيخ شبهة استدلال بعضهم بآية السلام (وإن جنحوا للسلم؛ فاجنح لها، وتوكّل على الله، إنه هو السميع العليم) لتبرير قبولهم بمشروع السلام مع (إسرائيل). ورد على الشبهة بأمرين:
الأول: أن موضوع قضيتنا يختلف عن مصاديق هذه الآية الكريمة؛ ذلك أن قضية فلسطين أرض إسلامية استلبت، فالحكم الشرعي يفرض استردادها وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين وهم المسلمون.
وما تصدق عليه الآية الكريمة هو الكفار المحاربون الذين هم في ديارهم وأوطانهم لا في دار للمسلمين اغتصبوها من المسلمين، وسياق الآية في القرآن الكريم واضح كقرينة على ذلك.
الثاني: أن الحكم في آية السلم مرحلي انتهى بنزول سورة براءة، واستحسن في ذلك تعليق سيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن)، وملخصه أن الآية نزلت في ظرف ما قبل سورة براءة، إذ يقول:
"إنّما أمر الله رسوله أن يقبل مسالمة وموادعة ذلك الفريق الذي اعتزله فلم يقاتله، سواء كانوا قد تعاهدوا أو لم يتعاهدوا معه حتّى ذلك الحين.
وأنه ظل يقبل السلم من الكفار وأهل الكتاب حتّى نزلت أحكام سورة براءة، فلم يعد يقبل إلاّ الإسلام أو الجزيةـ وهذه هي حالة المسالمة التي تُقبل ما استقام أصحابها على عهدهمـ أو هو القتال ما استطاع المسلمون هذا، ليكون الدين كله لله".
9- يختم الشيخ بحثه بتبني طرح سيد قطب الأُممي، ويظهر ذلك جلياًّ حين استحسن مقطعاً متقدماً من أقواله، وملخصه أنه يستقبح قول الداعين لجهاد الدفاع فقط، بل يرى جهاد الطلب أيضا ليكون الدين كله لله.
ويُعلِّق الشيخ بالقول: "إنهم وعاظ السلاطين، ومن غير شك سيتعرون ثم ينهزمون أمام وعي الشعوب المسلمة المتنامي، ﴿ ... وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾".
ثانياً: ملاحظاتي الشخصية:
- شيخنا الدكتور الفضلي – أطال الله عمره – لم يكن فقيهاً تقليدياً، بل عاش عصره بكل تحدياته، فلم ينكفئ على العلوم التنظيرية، بل امتاز بأنه على تماس مع حاجات محيطه الواقعية جنباً إلى جنب مع حاجاته العلمية. ويعرفه مَن خالطوه بأنه ذو أريحية للسؤال عن كل الجوانب، ويشعر المرء معه بأن نموذج حي للفقيه المعاصر.
قضية فلسطين اقتحمت كل واقعنا، فصارت شئنا أم أبينا مؤثرة في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وبالتالي من المستقبح أن يغيب المثقفون؛ فضلا عن العلماء عن إبداء رأيهم وتوثيق موقفهم لتوعية الجماهير بتكليفها الشرعي من جهة، وتوعيتها بالنتائج التي يمكن أن تـترتب على أدائها في التصدي لهذا المشروع الاستعماري من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة هنا أني لاحظت أن نشره لبحثه تم ربما في التسعينات من القرن الماضي، وذلك حين قرأت إشارته لاسم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، واستخدامه لبعض الكلمات المستخدمة في حقبة ما كان يُسمى عملية السلام والنقاش حولها في عهد ذلك الرئيس التي امتدت من عام 1993م إلى 2000م، وهو ما يُفهم منه أنه كان مبادراً للتعليق على أحداث عصره وتوثيق الموقف الفقهي السياسي منها دون تأخير.
- انفتاح الشيخ على المجتمع الإسلامي العام، ونلمس ذلك بموضوعيته التي تحتضن المدارس الفقهية المختلفة، وخاصة المعنية واقعاً بالمسألة التي يتناولها، فكان منه أن استعرض الآراء المتنوعة جنباً إلى جنب بكل احترام لها، وانشغاله بالحاضنة الإسلامية العامة التي تؤمن بوحدة تاريخ الأمة ووحدة مصيرها. فكان يبتعد عن أي لفظ يستفز به أيَّ مكوّن، بل وجدناه في البحث يضع عبارة (رض) بجانب اسم الخليفة الثاني. ويمكن قراءة ذلك بأن موضوع فلسطين من المواضيع الجامعة للأمة الإسلامية، وعدالتها وحجم المظلومية فيها، وحجم المؤامرة من تبعاتها، يجب أن لا تشغلنا عنها أية نقاشات عقائدية ليس هذا موقعها.
- إشارته للموقف الإيراني في المنطقة من المشروع الصهيوني لا يمكن تجاهلها، فواضح للمتابع لهذه الشخصية العلمية المعاصرة أنها متناغمة مع الأدبيات التي جاءت بها الثورة الإسلامية، وربما كانت الإشارة من موقع أن الموقف الإيراني هو الأشهر في المنطقة أو الأكثر مصداقية أو الأكثر انسجاماً مع القاعدة الشرعية التي يتبناها الشيخ أو لبعضها أو كلها؛ (معروف عن الشيخ أنه ممن يتبنوّن ولاية الفقيه، وأنه قَبِلَ أن يكون وكيلاً للولي الفقيه الذي عاصره، وأنها كانت أوّل وكالة يقبل بتسلم مسؤوليتها).
- واضح لي كقارئ للبحث أن الشيخ مؤمن بقوة الأمة، ودورها العالمي المتقدم، ويظهر ذلك جليّاً في استحسانه لطرح سيد قطب الذي استقبح المنغلقين على أدبيات جهاد الدفاع فقط، وأشار لأهمية عزة المسلمين وقوتهم ودورهم في إعلاء كلمة الله في الأرض بجهاد الطلب وغيره من وسائل متاحة. وأن الانهزام الحالي الناتج من ظروف معينة لا يجب أن يُنسي الأمة ريادتها وحقها في إلزام الآخرين باعتناق منهج الله ما أمكنهم ذلك.
وأخيراً . . بحث الشيخ نموذج لشمولية نتاج الشيخ، ونموذج لانفتاحه على هموم أمته واحتضانه لمكوّناتها، وعنايته بوحدتها، وإيمانه بوحدة مصيرها، وقناعته بتكليفها ورسالتها العالمية في إعلاء كلمة الله.
يوسف خليفة الشريدة
رمضان 1432هـ.