بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإنه لمرتقى صعب، وعقبة كؤود، والدابة شموس، والسبيل وعرة، والقائد بعد لم يزل يستشرف الطريق، ولما يبلغ أن يكون دليلا خريتا، لكن الغاية تحمل على المسير، والمقصود يجذب جذب الجميل عين الناظر. ذلك هو العلامة الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي.
وأنا –هنا-لم أنوِ أن أخوض عباب هذا البحر كله، وأنى لي ذلك، لكن سأطعم منه، أو سأغترف منه غرفة، وفيها ارتواء الغلة، وذهاب العلة، والعلامة كما قال المتنبي:
كالبدر من حيث التفت رأيته
يهدي إلى عيـــنيك نوراً ثاقبا
كالشمس في كبد السماء وضوؤها
يغشى البلاد مشارقاً ومغاربا
كالبحر يقذف للقريب جواهراً
جوداً، ويبعث للبعيد سحائبا
والمعروف عند أكثر العامة أن العلامة الفضلي فقيه، ويخفى على كثير منهم –وهذا غير غريب-أنه فقيه نحوي، قد شق في النحو الغبار، وحاز فيه قصب السبق، وبلغ فيه غاية بعيدة، ولا غرو فقد كان فرع شجرة العلم المورقة المثمرة، وكان قد جمع في كنانته سهما بل سهاما لكل رمية، فهو ابن الحوزة العلمية النجفية التي كان من أعمدتها العلامة الكبير محمد رضا المظفر، وهو فرد من جموع، وهو العالم المعروف بجلالة قدره، وسمو منزلته العلمية، حتى ليعرف بأنه المجدد .
ولم تدعه نفسه الكبيرة أن يكتفي بما في الحوزة العلمية من علم، بل حملته همته على جناح لايهيض، فاغترف من أنهار الجامعات حتى بلغ مابلغ فيها وحاز شهادة العالمية، وهو ابن بجدتها. فجمع إلى عمق العلوم الحوزوية وأصالتها، دقة العلوم الجامعية ومنهجيتها. فكان بحق عالم الحوزة والجامعة. فلا غرو أن يكون بعد ذلك مجددا مبتكرا، فهو كما قال المتنبي أيضا:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسامُ
وفي مقالتي هذه سأتعرض لبعض آرائه النحوية، وأعول في ذلك على كتابه: دراسات في الإعراب، الطبعة الأولى 1405ـ دار تهامة.
أولا :تعريف الإعراب:
تناول العلامة الفضلي في كتابه: دراسات في الإعراب: تعريف الإعراب بالدراسة والتحليل، ونقل تعاريف العلماء من الماضين والمعاصرين، من لدن سيبويه حتى الدكتور مهدي المخزومي والأستاذ عباس حسن، وخلص من دراسته إلى ثلاثة تعريفات للإعراب وهي:
1-الإعراب: هو الرفع والنصب والجر والجزم.
2-الإعراب: هو تغير أو اختلاف أواخر الكلم المعربة .
3-الإعراب:هو الأثر الظاهر أو المقدر في آخر الكلمة المعربة.
ثم قال:وقد نخلص أيضا إلى أن التعريفين الأخيرين يعطيان معنى التعريف الأول، فيصبح تعريف الإعراب هو: الرفع والنصب والجر والجزم. ثم أخذ في بيان علة ذلك وسببه.[1]
أقول: وكان هم العلامة في هذا التعريف هو أن يخلص التعريف من الاصطلاحات المنطقية والفلسفية كالعامل والاقتضاء، وكذلك أراد أن يتخلص مما يرد على سائر التعريفات من أنها لا تشمل الإعراب بجميع أقسامه.
وفي دراساته للفعل انتهى إلى أن الأمر ليس من أقسام الفعل، وأن الماضي والمضارع بجميع أقسامهما مبنيان، فيقتصر التعريف عنده على هذا على الرفع والنصب والجر.[2]
ثانيا:رأيه في الشواهد النحوية:
لو رحت تقلب المؤلفات النحوية من لدن الكتاب حتى مؤلفات العلماء المعاصرين، فإنك تجد أن الشاهد الشعري يحتل مكانة كبيرة في النحو، وأن النص القرآني أقل في الاستشهاد به من الشعر، وسبب ذلك ينبغي أن يدرس في غير هذه المقالة المختصرة، والعلامة الفضلي له في هذا المورد رأي، قال عافاه الله:
ينبغي علينا في الدرس النحوي أن نسلك المنهج التالي:
1-اعتماد القراءات التي جاءت وفق اللغة الاجتماعية المشتركة، أو اللهجات الشائعة شيوعا واسعا –سواء كانت متواترة أو شاذة –أساسا في التقعيد النحوي.
2-اعتماد القراءات التي جاءت وفق لهجة غير شائعة - سواء كانت متواترة أو شاذة-دليل شواذ القواعد .....ثم قال: وأقول هذا لأن القرآن الكريم هو الوثيقة العربية الوحيدة التي تعكس لنا واقع اللغة العربية الاجتماعي في ثنايا القراءات القرآنية متواترة وشاذة.
ومن هنا كان ينبغي –منهجيا-الاعتماد على القرآن أكثر بكثير من الاعتماد على الشعر أو النثر من كلام العرب.[3]
ثالثا:نظرية العامل:
هذه نظرية قديمة جدا، ونعني بها نظرية عامل الإعراب، وهي أهم نظرية في النحو [4]وهي بنحو مختصر تعني أن الترابط القائم بين الكلم في الجملة ترابط عمل يبتني على أساس أن بعض الكلم عامل، وبعضه معمول، والعامل بدوره يؤثر الإعراب في المعمول.[5]
ورأي العلامة الفضلي في هذه النظرية يتلخص في أنه ينبغي تنقية فكرة العامل من الزوائد الصناعية سواء كانت في التقدير أو الإعراب، وأنه ينبغي أن تبقى فكرة العامل نظرية من نظريات النحو، وأن يعتمد في تحديد إعراب الكلمة في بيان وظيفتها النحوية في الكلام على الدلائل أو القرائن النحوية، وأن إلغاء فكرة العامل إلغاء تاما يبعد مابيننا وبين تراثنا العربي الذي شغلته فكرة العامل قرونا طويلة .
هذه بعض آرائه النحوية وبقي كثير منها ليس لها متسع من الوقت.
حسن علي الرستم
رمضان 1432هـ
[1] انظر لمزيد من التفصيل :ص25-26
[2] انظر:دراسات في الفعل ،بيروت ،دار القلم 1402ه.
[3] انظر :دراسات في الإعراب،ص77-78بتصرف يسير.
[4] انظر:المصدر السابق ص27
[5] المصدر السابق ص30