الورقة النقدية الثالثة: القاص عبدالله الوصالي

نبذة عن القصة القصيرة:
جميع الشعوب قد عرفت عبر مراحل تطورها أجناساً أدبية كثيرة ابتداءً بالملاحم والأساطير والأمثولات والسير الشعبية ثم المسرح والرواية. والحكي خصيصة إنسانية نشأت مع الإنسان في مختلف المجتمعات. أما القصة بشكلها الحديث فقد ظهرت أول ما ظهرت في أوربا في القرن التاسع عشر الميلادي. ويعتقد الكثير من النقاد أن قصة المعطف لقوقول هي النموذج الأول للقصة القصيرة.
وفي عالمنا العربي فإن القصة القصيرة بمفهومها العام نشأت مع الإنسان العربي في مجتمعه الأول في الجاهلية و بعد ظهور الإسلام، فنحن نقرأ في القرآن الكريم قصص مثل قصة مريم وقصة يوسف والخضر عليه السلام وأحاديث الرسول كذلك مثل قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الكهف...إلخ
أما ظهورها كنوع أدبي مميز في عالمنا العربي فلم يبدأ بشكل واضح إلا مع بداية القرن العشرين وذلك بعد ظهور الطبقة الوسطى في دولنا الحديثة (طبقة الموظفين البرجوازيين وهذا يعني بروز الفرد والاعتراف بدوره وكيانه في المجتمع) اجتماعياً ثم ظهور المطبعة والصحافة كتطور تقني.
مميزات القصة القصيرة:
1- الكثافة والإيحاء والحيوية.
فالقصة القصيرة تستخدم أقل التفاصيل الضرورية والقليل من الكلمات لفهم الحدث.
2- وحدة الانطباع أو وحدة الأثر المساحة القصيرة نسبياً المتاحة للقصة القصيرة فتجعلها لا تتسع لتعدد الشخصيات وتنوع القضايا. وهي في الغالب تتعاطى مع مشكلة واحدة.
3- ذات بداية سريعة. قد تضعك في الأزمة مباشرة و من ثم تحتاج أن تتجه زمنياً إلى الوراء أو قبل أن تنتهي القصة.
4- العمل الأدبي الفني ومن ضمنه القصة القصيرة غير معني بتقديم الحلول و لكنه حتماً معنيٌّ بتجديد الأسئلة و طرحها على الأذهان من جديد.
تختلف القصص المقروءة لهذه الليلة في جودتها و اقترابها من هذه المميزات الإيحاء و استخدام المجاز والنهايات المفتوحة هي من خصائص القصة القصيرة الحديثة ولكن يجب التعامل معها بفن ودراية و إلا لن يستطيع الكاتب الاستمرار في التوهج.
اللغة: تبدو لغة قصص جاسم الجاسم التي تناولها هذا المساء ذات طابع مباشر يحتل الكثير منها الشجن والرغبة في جلب تعاطف القارئ .
وسنتناول باختصار تلك القصص لأن المهم هو فتح باب النقاش و التأويل.

في قصة الانتصار تحكي قصة خذلان تمر به فتاة إسمها يتخلى عنها حبيبها بعد إصابتها بعجز لم توضح القصة سببه أو طبيعته لكنه على أية حال ليست إعاقة ذهنية و هي الأخطر فتتفوق على إعاقتها العضوية وتصبح دكتورة لكن مشاعرها تظل متناقضة كما تصورها لنا القصة ويبرز سؤال تلقائي هو لماذا اختيار المكان في سلوفاكيا؟ والقصة كما سمعناها مباشرة و متفائلة. و ترينا القصة كيف أنها أي البطلة في مكان أشبه بالجنة إلا أن (الإحباطات تشدها إلى هوة عميقة) كما تقول القصة لكنها تتفوق على نفسها وتحرز شهادة دكتوراه في علم الفضاء!!
في بقايا خبز نرى فتاة فقيرة تكنـز في شنطتها بقايا فسح الطالبات على حين غفلة من الجميع تشك فيها المدرسة أنها تسرق فتفتش الإدارة شنطتها فتجد البقايا المكتنـزة، لكن القصة تخبرنا بكل شيء تقريباً حتى عن ندم المدرسة وتساؤلاتها عن الفروقات الاجتماعية بين الغني والفقير! الملفت في القصة و كما ذكرنا سابقاً في أثناء حديثنا عن مميزات القصة القصيرة يجب الاقتصاد في اللفظ والتكثيف لطبيعة القصة القصيرة، أقول الملفت أن الأسماء هنا لها معاني منسجمة مع نمط القصة فالطالبة المتهمة بالسرقة هي في الحقيقة عفاف، والمشرفة التي أمسكت بها هي عواطف، كما ان المديرة هي سهام بمعنى أنها ذات نظرات سهمية لا تخفى عليها شيء.
في سذاجة رجل يحاول القاص استخدام تقنية الفلاشباك أو تقديم حدث لا حق على حدث سابق فسميرة المتزوجة أصلاً تغري رجلاً آخر فيقوم بخطبتها!! هناك غرابة في الحدث ولا منطقية في الحدث. و نرى سذاجة رجل الأعمال الذي يفترض أن يكون ذكياً و إلا كيف أصبح رجل أعمال؟ نراه مستلباً ينفذ حرفياً ما تطلبه منه سميرة. الأحداث تمد في زمن القصة كما أن هناك عدم وضوح في دور الأسرة فهل هي متواطئة أو غير ذلك؟

لم يمت: تعتبر هذ القصة هي الأقرب إلى القصة القصيرة فهي تحتفظ بسرها إلى لحظة التنوير كما أنها تحوي وحدة الأثر. وتضعنا القصة مثل المحيطين بالفتاة في تساؤل عما أصابها ومن يكون ذلك الأربعيني المترف لنكتشف في آخر القصة أنها تحسبه أباها أو يخيل لها أنه أبوها الذي قيل لها أنه مات. والقصة هنا شأن القصص القصيرة الجيدة لا تدخلنا في لماذا ادَّعوا أنَّ أباها مات و هل هو أبوها أم لا؟. لكن المهم هو مشاعر البنت التي هي في حاجة إلى حنان الأب وإحساسها بالفقد والفراغ الذي لم يتم ملؤه حتى الآن وإذا أمكننا الحديث جدلاً عن إكمال للقصة فنحن مستقبلاً سنرى فتاة تقع في حب رجل أكبر سناً منها وسترفض المتقدمين من أقرانها من أجل ذلك.
الطيف: يأخذ السرد في هذا النص طبيعة اللغة الشاعرية وحالة حب مع طيف غير محدد الهوية وحين نعلم أن المكان الذي كتبت في القصة هي دولة سلوفاكيا بما تحويه من جمال وغربة للكاتب نعي أهمية النص والحالة الشعورية التي أدت إلى إنبثاقه. ويأتي الاستشهاد بقيس وليلى ليضفي على نص بالإضافة إلى لغته مسحة عذرية فمن بين العديد من قصص الحب كعبلة و عنتر، و عزة و كثيّر فإن قصة قيس و ليلى هي الأكثر سمواً وروحانية.
الجائزة: و هي من النصوص القصيرة نفهم من النص أن هناك حالة جحود ونكران من رجل لزوجته فقد طلقها بعد أن حققت له تاج الإبداع الأدبي كما تقول القصة و التاج هنا ليس تاجاً مادياً لكنه ربما يعني المكانة الإبداعية في الوسط الثقافي لكن الملفت تقرير الكاتب بأن لديه رواية فاشلة عنوانها (الضياع وقصة العجوز) ونتساءل هنا هل المقصود هنا بالعجوز الرجل الجاحد، و هل الرواية الفاشلة كانت قبل أن يتوجه تاج الإبداع الأدبي ثم ما هي تلك الثلاث كلمات التي كتبت على ورقة صفراء؟
الزبالة: وهي مما بات يسمى حالياً بالقصة القصيرة جداً وهو فن قادر على ادهاشك في بضع كلمات لكنه لا يتقيد بفن القصة القصيرة حتى ذلك الذي تكرس في السنوات الأخيرة. و القصة هنا تخبرنا بشخص عاش ينقب عن بقايا لمدة 30 عاماً هكذ تقول القصة دون أن تحدد البقايا وحين مات خلف أكواماً من الورق لورثته وينتهي النص دون أن ينتهي السؤال و التأويل فما هو الورق المتكوم على مدى 30 سنة؟ هل تحكي القصة القصيرة جداً هذه حكاية البخلاء التي نسمع بها كثيراً عن تقتيرهم وتركهم لثروات حال موتهم؟ ثم إن استخدام كلمة ورق مجردة من أي إضافة تجعل الباب مفتوحاً للتأويل ولو قال الكاتب ورق البنكنوت أو دولارات لانتهت القصة مع تلك الكلمات وأصبحت نسياً منسياً.
وداعية: قصة جميلة تتحقق فيها مميزات القصة القصيرة فهي مكثفة محددة المكان تعطي وحدت الأثر.كذلك نرى هنا نموذج للقصة القصيرة ذات النهاية المفتوحة. من جانب التأويل نرى أن أغنية وداعية التي اختارتها الفتاة كنغمة لهاتفها الجوال منذرة منذ البداية بما سيؤول إليه المشهد القصصي في النهاية و الراوي هنا يقترب ثم يبتعد من المشهد في ثلاثة مستويات في صالة المغادرة ثم في الطائرة ثم في قاعة الوصول وتترك القصة فينا شأن كل قصة قصيرة جيدة.تعاطفاً مع هذه المرأة التي خاب أملها.
جدّي: نص من ثمان كلمات يمكن الحديث عن طبيعة الفأل الذي يتضمنه النص فغالباً ما ينهانا الأهل عن الفأل السيئ خوف تحققه مما يعتبر صراع للثقافات مع الغيبيات، يمكن أن نفترض أن الراوي هنا طفل يستجيب لرغبة الكبار في عدم النطق بالمحاذير حتى لا تقع، لكنه راح يكتب هواجسه على الورق وهذا الذي كان يتنظره المحذور ليتحقق على أرض الواقع.
وهذه هي مشكلة القصة القصيرة جداً تكون في غالبها أجنة مجهضة لقصص قصيرة لو اشتغل عليها بشكل جدي لأمكن استخراج قيمة فنية أدبية رائعة.
