عرض مشاركة واحدة
قديم 05-07-2011, 10:09 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي محمد حسين فضل الله فقيه التساؤلات الصعبة .. !! ـ جابر الخلف

محمد حسين فضل الله
فقيه التساؤلات الصعبة .. !!


وأخيرًا .. ترجّلَ فقيهُ الأسئلة عن صهوة السؤال !! واستقرتْ رحاها .. !! وانتقل إلى عفو ربه مثخنا بالجراحات .. جراحات أسئلته ، واجتراحات أجوبتها !!
لا يعنينا منه سوى أنه قدّم مشروعا يستحق القراءة والنقد والتأمل والتجاوز، وليس التضليل والتبديع وحسب .. رحل السيد محمد حسين فضل الله مجردا من الكنى والألقاب، وبقي منه مشروعه الفكري والفقهي والأدبي والاجتماعي، وقد أخطأ كلُّ من غالى في تصفيته معنويا، كما أنه قد أخطأ كل من غالى في الدفاع عنه، وعن أفكاره، وسعى للترويج لها بين الناس .. فكرته ستدافع عن نفسها؛ لأنها سؤال معاصر، وتساؤلٌ مستمرٌ .. !!
بقي لنا منه قدرته على زرع ألغام الأسئلة في ركام الأجوبة المتوارثة، لا شك أنه كان يخطيءُ ويصيب ، وهذا هو سؤال المعرفة دوما الخطأ الصواب؛ لم يكن معصوما من الخطأ، كما أنه لم يكن محروما من الصواب .
كان يخطيء ويصيب؛ لأنه كان يعمل .. ويشتغل على مشروعه، ومن كان هكذا فإنه سيخطيء ويصيب ، ولن تخرجه أخطاؤه من بشريته وإنسانيته، ولن يدخلَه صوابُه في عداد الملائكة .. الصواب هو نقيض الخطأ، والخطأ هو نقيض الصواب، وليس نقيض الحق !!
كان يخطيء ويصيب؛ لأنه منذ أن تفتح على الحياة، وهو يشتغل في واقع مليء بالتناقضات، وقد حاول أن يكون (بُعْدًا آخرَ) وسط كل هذا الركام والخصام، فلا عجب أن يكون له (قولٌ آخر) .. وقد كان !!
وقد نجح السيد محمد حسين فضل الله في أن يصبح أحد المجددين في الفكر الإسلامي المعاصر بشكل عام، وفي الفكر الشيعي بشكل خاص؛ ولذا كان (ضَالاًّ) (مُضِلاًّ)؛ لأنه حاول أن يمارسَ النقد في (المحرّمات) و(الممنوعات)، ونقض الإجابات المستقرة في الأذهان، وعدم الركون للمقولات السابقة إلا بعد التمحيص والتأمل والنقد .
ونجح السيد فضل الله أيضا في تحرير العقول من (مقول القول) إلى ناصع الحجة والبيان، كما أنه سعى بجهد متواصل إلى تحرير العقل (الشيعي) من أسر المقولات السلفية المتوارثة، وتجاوز مرحلة التبرير المذهبي لكل الآراء والأفكار إلى مرحلة الغربلة والأسئلة المستمرة التي توصل إلى الحقيقة حتما .. ولو بعد حين !!
إن غياب السيد محمد حسين فضل الله سيُحرِجُ منتقديه ومؤيديه على حدٍّ سواء، على منتقديه مراجعة مواقفهم؛ حتى لا يصبح النقدُ نوعا من التصفية والاستلاب، وعلى مؤيديه تقديم الأفضل، والالتزام بمنهجه ، ومواصلة التساؤل، وسيكون الغياب في هذه الحالة امتحانا صعبا على الطرفين !!
غيابه أصبح أكثر معنى من حضوره، وقد نحتاج إلى أمد بعيد؛ كي نفهم معنى هذا الاصطفاف والتجييش الذي مارسه بعض منتقديه، ولا شك أنهم قد ساهموا في نشر أفكاره بشكل أفضل دون رغبة منهم فشكرا لهم .
لقد التقيتُ بالسيد فضل الله رحمه أكثر من مرة، وكنت أستمتعُ كغيري بقدرته الفائقة في التعبير عن أفكاره، وبحضوره البهي، والأهم من كل ذلك هو استمتاعي في طرح الأسئلة عليه دون ارتباك أو اضطراب، واطمئناني إلى احترامه للسؤال والسائل، وكان بهدوئه الرحب يشجعك على المناقشة والتساؤل ؛ حتى عن مبانيه الفقهية، وهذا من المحرمات في العرف الحوزوي، كان فقيها رحبًا بالسائلين، وهو لا يعتبرهم عواما أو مقلدين فحسب، بل هم مصدرٌ للسؤال الذي يحقق المعرفة !
في إحدى إشراقاته يقول السيد فضل الله:

يا غيوبَ الأسرارِ نَامَتْ بعينيّ الدَّيَاجِي، وغَابَ عنِّي رِفَاقِي
كَيْفَ أرنُو إلى الشُّروقِِ وقدْ عاشتْ غُيُومُ الحَيَاةِ فِي أَعْمَاقِي
أَنَا ـ يَا رَبِّ ـ ظَامِئٌ يَرْكُضُ اليَنْبُوعُ في رُوحِهِ، وأنتَ السَّاقِي

وختاما ... لم أزلْ عاكفا على قراءة رباعياته (يا ظلال الإسلام) التي تشدّك بشعريتها الفائقة إلى عذابات (عمر الخيام) وعذوبته، وتربطك بخيطٍ شعريٍّ أبيضَ بتساؤلات (محمد إقبال) وتطلعاته الإسلامية !!



جابر عبدالله الخلف
29 رجب 1431هـ

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس