قراءة في كتاب
( رفقاء على طريق القرب – لكاتبه : الشيخ علي الحجي )
- د -

طاهر علي الخلف
مما لا شك فيه أن الكتاب انطلاقة جديدة إلى الله عز وجل ، وكاتبه شخص عرفناه بالنقاء والإخلاص لهذا الطريق ، ويعتبر هذا النوع من التأليف مسؤولية لأن مؤلفه مسؤول أولا عن ممارسة ما يكتبه ولذلك يحتاج إلى جرأة في الإقدام واستعانة بالله عز وجل وهذا ما يملكه المؤلف حسب ما نعرفه عنه ..
وانطلقت قراءتنا النقدية لهذا الكتاب انطلاقا من أملنا في أن يحقق الكتاب هدفه الذي نرجوه نحن كرفقاء للمؤلف وما يريده المؤلف نفسه .. وكونه في ملاحظات لا يعني قصوره عن تحقيق الهدف ، فكلنا متعلم على سبيل نجاة .. والله ولي التوفيق .
أولا : في الأمور الفنية :
وأعني به ، كيفية تفريع النقاط والعناوين ، وترتيب الأسطر والفقرات ، فهناك ملاحظات كثيرة من هذا الجانب ، وعدم العناية بهذه الأمور الفنية ، يلتبس كثيرا على القارئ في فهم المطلوب ، ومن تلك النماذج :
تحت عنوان أمثلة لمواقع النفحات الزمانية والمكانية ص70:
قال في فقرة3 : كما أن النفحات تتجلى في الأمكنة ، فكذلك في الأوقات وهي على نحوين الاختياري والقهري ، ومن الأوقات الاختيارية .......... إلخ .
ثم فقرة4 : وهناك من الأزمنة الخاصة التي تحتوي على اللطف القهري .
وكان الصحيح ، أن يدرج في نفس فقرة3 نوعا الزمان على شكل : أ- الاختياري ... ب- القهري ، بدل أن ينقله إلى فقرة جديدة .
ثانيا : في التطبيقات والأمثلة :
كلما كنت أقرأ في هذه الرسالة ، وأعاود مرة أخرى ـ تستوقفني الأمثلة التي يذكرها الكاتب ، وذلك من جهات :
أولا : كثرة ما يورد أمثلة لها علاقة بقصة النبي يوسف عليه السلام ، فهل كان الأستاذ متأثرا بمسلسل (الصديق يوسف) أم لأنه قد انتهى من شرح سورة يوسف تدريسا وتسجيلا ؟
ثانيا : عدم ارتباط بعض الأمثلة مع العنوان المذكور ، فالملاحظ أن الكاتب يريد أن يذكر مثالا أو مثالين لتوضيح المعنى حتى من غير ارتباطهما أو قد يكون ارتباطهما في ذهنه فقط ، وذلك لقناعته بأن الكتاب مليء بالمفاهيم الصعبة والمصطلحات الخاصة لكنه يذكرها فيكثر من الأمثلة تبسيطا للقارئ ، لكن ذلك غير متحقق فلعله زادها غموضا وإيهاما .
ثالثا : عدم فهمي لارتباط المثال بالعنوان ، وذلك لأن لغة الكتاب فيها كثير من الإيهام أو لأن الكاتب اقتضب المثال اقتضابا اعتمادا على فهم القارئ ، وهذا مما لم ينجح فيه الكاتب ، لا لأن القارئ غير جيد أو ليس بفطن ، بل لأن الكتاب موسوعة من المصطلحات والألفاظ المبهمة والرنانة وبعضها مراتب لا يدركها إلا من امتثلها دون من قرأها أو سمعها ! .
1- تحت عنوان ( محبة تلذذ الخدمة للمحبوب ) ص31 :
قال : وهذا ما ظهر في حالات الأب المحب النبي يعقوب عليه السلام أثناء مسيرهم إلى مصر ، فكان رغم كبر سنه سهل النهوض والركوب .
ما علاقة حركة النبي عليه السلام الناشئة من الشوق والحنين لولده ، بعنوان تلذذ خدمة المحبوب ؟!
2- تحت عنوان ( الشوق ) ص33 :
قال : الشوق وهو هبوب القلب نحو المحبوب ، ثم ذكر أمثلة كفرحة يعقوب حين جاءه قميص يوسف ، وصرخة أمير المؤمنين حين قال فزت ورب الكعبة .
إلى أن جاء مثال عابس الشاكري ، بقوله : وفي صرخة الشاكري عابس حين قال ( حب الحسين أجنني ) ،
فالشوق – كما يقول – النراقي : عبارة عن الميل والرغبة إلى الشيء عند غيبته ، فإن الحاصل الحاضر لا يشتاق إليه . فصرخة عابس ناشئة عن حب وليس عن شوق وهو صريح عبارته !
3- تحت عنوان ( القلق )
قال : وهذا ما حصل لمحمد بن الحنفية وابنة الحسين العليلة حين خلفهما في الحجاز .
فالكاتب شأنه القلق نحو الله وما يرتبط بالله من شوق وضياع صبر – كما يقول – بينما ما حصل لمحمد والعليلة هو قلق طبيعي ينشأ من فراق أخ لأخيه أو فرق والد لابنته ، فهو أمر طبيعي فطري ، وقد لا يسمى قلقا إذا افترضنا بأن محمد بن الحنفية والعليلة يعلمان بأن الحسين وأصحابه مفارقون هذه الدنيا حسب ما ثبت في صحيح الروايات ، فعليه قد يسمى حسرة وألما وافتجاعا لفراق الأحبة ولا يسمى قلقا !
4- تحت عنوان ( العطش ) ص33 :
فلم أفهم ارتباط هذا العنوان بمثال قوله تعالى ( ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا اخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ) . خاصة أنه ذكر نفس الآية تحت عنوان ( الاندهاش ) !
وكذلك مثال عبر عنه بقوله : ومن آثار هذا الحال حصول واردات جميلة للمحب كما حصلت للشاب مصعب بن عمير في سماء مكة حيث جذبته تلك لرسول الله .
فمثال مصعب ، ذكر تحت عنوان ( العطش ) وقد ذكره مرة أخرى تحت عنوان ( الوجد ) ويصلح أيضا وضعه تحت عنوان ( البرق ) ولعله أقرب العناوين .
5- تحت عنوان ( الاندهاش ) ص 34 :
ذكر مثال قوله تعالى ( فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ) فما ارتباط هذه الآية ، بقول الكاتب : الاندهاش حصول البهتة التي تأخذ المحب إذا ما فاجأه المحبوب بما يغلب على عقله أو صبره أو على علمه .
وكذلك لم أفهم ارتباط هذا الكلام ، بذكره لمثال يوم الغدير ، حين قال : أو في بشارة النبي للمسلمين المحبين بإهدائهم عليا أمير المؤمنين يوم الغدير الأغرَ . فأين مواضع الاندهاش وهل نقل التاريخ لنا شواهد لحالة اندهاش من المسلمين بحيث غلب على عقولهم وصبرهم ؟!
6- تحت عنوان ( حب الكمال ) ص40 :
يتحدث عن الكاتب عن حب الكمال المتمثل في الكمال المطلق لله عزوجل ، ثم حب الرسول على نحو الطولية وذلك الحب المفضي لحب أمير المؤمنين عليه السلام .
ثم أقحمت قضية عقد المؤاخاة بين الأحبة في يوم الغدير ، فما ارتباطها بموضوع حب الكمال ، فإذا الكاتب يقصد حب الكمال المتمثل في أمير المؤمنين فهو ربط بعيد .
7- تحت عنوان ( الإحسان ) ص42 :
ذكر موردين ، في المورد الثاني : جاء بمثال الدعاء الذي جاء به جبرئيل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، هدية لأبي ذرّ .
ثم انتقل إلى كلام بعيد عن المثال والعنوان ، بقوله : والمؤمنون أخوة إلا في حالات قرب عالية كما كان في حال النبي إبراهيم عليه السلام حين رمي في النار .
فما أدري سبب انتقال الكاتب إلى من دعاء خاص لأبي ذرّ خاص به ، ثم انتقل علاقة أخوة ، ثم ربطها بمثال النبي إبراهيم .. ثلاث محطات تنقل بينها الكاتب ، لكي يربط بينها المستهدف من الكاتب ( الشاب ) فقد يصل بعد جهد وقد لا يصل .
وهذا ما يشبه تماما في علم البلاغة ، المثال المعبر عن الكرم (فلان كثير الرماد) ، فهو مثال بعيد ومستهجن .
8- تحت عنوان ( نماذج من النصوص والسيرة في النفحات المكانية والزمانية ) ص72 :
رقم 2 : ذكر الآية ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز ......... ) الآية . وعلق الكاتب بعدها بقوله : فالدخول على النبي يوسف المعصوم محقق للغرض أينما كان مع الإقبال محقق للغرض . وأنا أقول أن الاستدلال بهذه الآية في هذا المحل غير موفق ، لأسباب هي :
1- أنه إذا كان الدخول على المعصوم محقق للغرض ، فهم قد كانوا يعيشون مع أباهم يعقوب وكانوا ما يدخلون عليه كثيرا ويطلبون منه الاعتذار ، فلم يتحقق الغرض .
2- كذلك دخولهم على النبي يوسف ، لم يكن هو الدخول الأول ، فقد كان لهم دخول من قبل ؟!
3- عبر الكاتب عن تفاصيل الآية بأنها عوامل الإقبال والزيارة ، فالمسألة كما هي ببساطة أن لهم حاجة في المال أو القمح ، ويريدون من عزيز مصر بأن يعطيهم ذلك القمح لأنه أرضهم جفت من الماء والطعام .
4- في نظرنا القاصر أن وجودهم في محضر النبي يوسف له دور في هدايتهم ولا شك فيه ، لكن الأصل في القضية أن الله عزوجل أراد للمهمة التي من أجلها حدثت الغيبة بين النبي يوسف عليه السلام وأبيه وأخوته أن تنتهي وأن تأخذ الأسباب الطبيعية مجراها من التعارف بين الأخوة ومن ثم اللقاء بين الأب وابنه وحصول التوبة للأخوة .
ولذلك صاحب تفسير الأمثل في ذيل هذه الآية : وحينما قدم الأولاد رسالة أبيهم إلى العزيز ، شاهدوا أنه فض الرسالة باحترام وقبلها ووضعها على عينيه وبدأ يبكي ، بحيث أن الدموع بلّت ثيابه ، وهذا ما حيرّ الأخوة ، فبدئوا يفكرون في علاقة العزيز مع أبيهم ، بحيث جعله يبكي شوقا وشغفا حينما فتحها .
ولعل فعل العزيز أثار عندهم احتمال أن يكون يوسف هو العزيز ، ولعل هذه الرسالة أثارت العواطف العزيز وشعوره ، بحيث لم يطق صبرا وعجز عن أن يخفي نفسه بغطاء السلطة.
ويقول صاحب تفسير الميزان : ثم أخبر عن سبب المن الإلهي بحسب ظاهر الأسباب فقال: «إنه من يتق و يصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين» و فيه دعوتهم إلى الإحسان و بيان أنه يتحقق بالتقوى و الصبر.
الملاحظة الأخيرة :
هل يحقق الكتاب مقصده الذي أراده الكاتب ، أم لا ؟
وحتى نعرف جواب السؤال مبدئيا ، نسأل سؤالا آخر وهو : من المستهدف في الكتاب ؟ هل المجموعات الشبابية بأنواعها ؟ أم المجموعات الشبابية الملتزمة ؟ وأي عمر من هذه المجموعات هي المقصود ؟ أم الأشخاص الرساليون بحيث يحققون هدف المتوالية الهندسية الذي أراده الكاتب ؟ أم كل هؤلاء ؟
وبعد معرفة الجواب على هذا السؤال ، هل لغة الكتاب المقتضبة جدا في كثيرا من عناوينها ، و لغتها الاصطلاحية في كثير من مواردها ، وخاصة عنوان ( آثار المحبة) . هل قادرة على تحقيق الغرض لمجموعات شبابية مبتدئة في الثقافة الدينية والتعبئة الروحية ؟
أم أن الكاتب يقول أنني أقصد من الكتاب أو ( الرسالة ) إثارة هذا الموضوع في الوسط الجمعي بغض النظر عن مستوى تحقيق النتائج في الزمن القريب ؟

جمادى الثانية 1432هـ