عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2004, 06:38 PM   رقم المشاركة : 1
بنت الموسوي
مشرفة سابقة
 
الصورة الرمزية بنت الموسوي
 






افتراضي

إسم ورد كثيرا أمام ناظري..
لم أدقق النظر ولكن....
ماإن سمعت قصته والعلاقة القوية التي تربطه بعاشقه...
رحت أبحث عنه لأجده..
فعندما سمعت بأن كل قطرة تساقطت من منحره..
كانت تلبي للعشق الإلاهي..
وقفت حائرة أمام هذه الشخصية العظيمة..
فكيف لهذا الشخص لا يخرج نوره كأنوار الباقيين من نظائره..
قد يعرفه الكثيرون ولكن قد يجهله المقصرون من أمثالي..
نعم هو ذاك الجبل الشامخ..
والأرض الخضراء..
التي تحمل في باطنها حب لا يظاهيه حب دنيوي..
هو حب العاشق للمعشوق..
فمن منا وصل لتلك المرتبة من العلو..
نعم إنه الحلاج؟!




فقرأوا معي بعض من حياته لتتضح لكم الصوره...

.
.









..الحلاج الرماد الحي..
لم يختلف الناس فى آرائهم حول رجل كاختلافهم عليه...فعشاقه يعتبرونه قطب المعرفة بلغ درجة عليا لم يبلغها غيره فى مدارج العرفان...أدرك الحقيقة فكان الحقيقة...وأعداؤه أقروا بجنونه وألصقوا به صفة الساحر الآثم الدجال الذى يستهوى العامة بحديثه وأشعاره.
عنه قال فريد الدين العطار: .. بأية حماسة فيضية وحمية وجدانية قامر هذا العاشق برأسه ودفعه مهرا لمعتقده كيما يظفر بجوهرة الجمال الإلاهي...
وعنه أيضا قال طه عبد الباقي: ..منذ أكثر من ألف عام تركز سمع الدنيا وبصرها على الخاتمة الفاجعة لأعجب صراع شهده تاريخ الفكر الاسلامي..

أما هو فيقول عن نفسه:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتنى أبصرته
وإذا أبصرته أبصرتنا

لكنه يبقى فى كل الأحوال أحد الواقفين على قمة الأيام..كلما مرّ ذكره انحنى له الزمن مذكرا بمقتله الشنيع..
ذلك هو النبأ العظيم والبهاء المقدس ورائد الحب الالاهى الذى صعد سلم الوجد حتى سدرة المنتهى الحسين بن منصور الحلاج.
كان الشهيد الشاهد... الثائر على فساد الساسه ورياء المنافقين...كان قائد جيش الفقراء وصوت من لا صوت لهم...حتى إذا ما عظم أمره وتزاحم حوله الأنصار والمؤيدون كان الاستشهاد العظيم..

عجبت منك ومنى يا منية المتمني
أدنيتنى منك حتى ظننت أنك أنى
وغبت فى الوجد حتى أغنيتنى بك عني
يا نعمتى فى حياتى وراحتى بعدد فنى

منذ أكثر من ألف عام تركز سمع الدنيا وبصرها على الخاتمة الفاجعة لأعجب صراع شهده تاريخ الفكر وتاريخ الحياة الروحية فى الاسلام...ولقد غامرت الخلافة العباسية بسمعتها ومكانتها فألقت من أعلى مآذن بغداد برماد جثة هذا الرجل فى مشهد درامى سجلته عدسة التاريخ وحملت أجنحة الهواء ذرّات رماد الشهيد إلى الآفاق وتحولت كل ذرة من جسد الحسين منصور الى نشيد يردد على مسامح السامرين قصة مقتل شهيد المتصوفة.

اقتلونى يا ثقاتى إن فى قتلى حياتي
ومماتى فى حياتى وحياتى فى مماتي
فاقتلونى واحرقونى بعظامى الفانيات
ثم مروا برفاقى فى القبور الدارسات
تجدوا سر حبيبى فى طوايا الباقيات

صورة الفناء تجلت فى بهاء العاشقين لذلك الذى تجاوز الليل والنهار ودخل برزخ الخالدين...رأى خاتمته فوصفها قبل أن يحدث وحدثت مثلما رآها فى اللوح الذى لا يري... لم يكن الحلاج عاشقا يهيم على وجهه..
ولم يكن بالواقف على ساق واحدة فى الخلاء... بل كان زعيما سياسيا وصوتا قويا لا يخشى سطوة سلطان جائر يجاهر بالحق بعد أن آمن بأنه هو الحق أليس هو القائل: ...إن الحق لن يقبل من الناس عباداتهم اذا اختلفت سياساتهم وفسدت أخلاقهم ثم استكانوا للبغاء والفساد..
كان الحلاج صوفيا...لكنه لم يكن كغيره ممن تلبسوا بالحرقة وانصرفوا للخالق وابتعدوا عن المخلوق.. لقد عاب الحلاج على السطامى زهده كما انتقد الجنيد فى سلبيته...ثار هذا الصوفى على الزهد الذى لا يقر بحق المخلوق فى الحياة الدنيا والانصراف كليا الى عبادة الخالق منشغلين بذكره عن واجباتهم تجاه الضعفاء من مخلوقاته...جمع الحسين بن منصور بين الدين فى تجلياته والدنيا فى مباهجها وارتفع الى المعراج المقدس كما نزل الى حيث البائسين المضطهدين فكان صوتهم وكلمتهم التى وحدت حزب الفقراء ودفعته الى هز عرش الخلافة العباسية لولا أن تدارك الخليفة الأمر وأسرع بالقاء القبض على الحلاج وتقديمه للمحاكمة..
وكان يوم المحاكمة.
سأل القاضى بن سريع الحلاج:
- هل أنت الله؟؟
- حاشا أن يكون الحسين ذلك، فهو عبد من عباده يؤمن بكتبه ورسله واليوم الآخر ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
- لكنك جاهرت بالكفر وناديت بالعصيان..
- الكفر أن تقر لسلطان ظالم بظلمه أما العصبان فأن تخفى كلمة الحق أمام سلطان جائر..
- ومن وضعك ميزانا بين الحاكم والرعية
- الحق الذى أنا..
- إلحاد بين وضلال مبين..
- الحسين ينشد الخير ويدعو الى الحق ولا يقر الظلم..
- اعتذر يا حسين واطلب العفو
يا ظاهرا باطنا تجلى بكل شيء بكل شيء
يا جملة الكل لست غيرى فما آعتذارى اذن اليّ
كان الحكم جاهزا القطع والحرق وذر رماد الجثة من أعلى مئذنة ببغداد...حتى لا يحتوى قبر جسد الشهيد، فيصبح مزاراً للمقهورين ورمز التحدى السلطة..
وتقدم السياف...فقطع اليدين ثم الرجلين... قال الراوى لمقتل الحلاج:
...ولما أخذ وجه الحلاج فى الاصفرار لكثرة ما نزف من دمه مرّر ببقية ذراعه اليمنى على وجه فخضبه بالدم حتى يخفى ذبوله واصفراره.. وقبل أن يقطع السياف لسان الحسين رفع الشهيد بصره وجال فى اللامنتهى حيث محبه ينتطر دخوله عليه مخضبا بدم العشاق... ومع انتهاء المؤذن من الدعوة لصلاة العصر...جمع الحسين بقايا صوت وصاح:
ركعتان فى العشق لا يصح وضؤوهما الا بالدم ..
ومع الفراغ من الصلاة أغمض الشهيد عينيه وأسلم الروح مبتسما لفت بقايا الجثة وأحرقت ومن أعلى منارة فى بغداد ذرّ الرماد.
كان ذلك بعد غروب يوم السادس والعشرين من شهر مارس من عام اثنين وعشرين وتسعمئة للميلاد..
...لقد أسرف خصوم الحلاج فى بغضه وتجريحه.
وأسرفت الخلافة العباسية فى اضطهاده وتعذيبه وأسرفت إسرافا جنونيا فيما أعدته من عذاب ليوم مصرعه وفيما أقامته من ستار حديدى لحجة سيرته عن حياة العامة وفيما اصطنعت لتشويه ثرائه الفكرى وصياغته الشعرية ورؤاه الفلسفية وفى مقابل هذا أسرف أنصاره فى حبه وتقديسه وفى الحديث عن أسراره وتجلياته حديث وصل حد الاعجاز والمعجزاة.
قال الراوي:
وفى فجر يوم الاربعين لاستشهاد الحسين بن منصور الحلاج سمع أهالى بغداد صوته من المئذنة التى ذرّ منها رماد جسده وهو ينادى حى على الصلاة.
وانطلق الخيال ليكمل الأسطورة ويوشى هذه الصورة العجيبة ويريق عليها مزيدا من الجمال والغموض ثم أخذ يشيع حولها مشاهد متنافرة تتعاقب وتتواكب حافلة بأروع ما فى الدنيا من عظمة الروح والايمان وبأقسى ما فى كتاب الظلال من الحاد ومروق..
جاء فى كتاب "شخصيات قلقة":
...ويبقى الحلاج أحد كبار الفلاسفة الذين أثاروا جدلا متواصلا حتى اليوم...وما تزال أقواله ذات طابع حضارى عميق الأثر وأكثر صدقا من الناحية الاجتماعية...
ذلك هو الحلاج الشهيد الحى الذى قدم للدنيا صورة الولاية الكبري...وقد بلغت أوجهها فى تضحية مليئة بالرجولة...مليئة بالالهام.
وما شرب العشاق الا بقيتى
وما وردوا فى الحب إلا على وردي
ذلك هو الحق...وذلك هو النبأ العظيم الذى فيه يختلفون.. .



والمخزي في الأمر هو ما فعله العباسيون في الحلاج فقد أعدموه وأحرقوه ولكن يأبى المعشوق أن ينفني حبه للعاشق..وليس فقط هذا الفعل الشنيع بالحلاج بل هو احراق كتب الحلاج ومقالاته وكل ما وصلت اليه يدهم الآثمة لطمس شخصيته الفذة وفكره النيّر ، وتشويه فلسفته الكبرى ورؤيته للحياة والآخرة والتي من حق أي انسان الاطلاع عليها والاستفادة منها .
فاعتقد هذا هو السبب لجهلنا نحن المقصرون عن هذه الشخصية العملاقة النيرة..

 

 

 توقيع بنت الموسوي :
"اللهم إرزقنا قلوب تخشاك كأنها تراك "
بنت الموسوي غير متصل   رد مع اقتباس