عرض مشاركة واحدة
قديم 20-01-2011, 08:08 PM   رقم المشاركة : 39
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي الحلقة الثامنة

الحلقة الثامنة

إثبات وجود الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم


البرهان الرابع: برهان الوجوب والإمكان ( الغنى والفقر) :-

رابعاً: الدور وبطلانه:-

" الدور عبارة عن كون الشيء مُوجِداً لشيء ثانِ، و في الوقت نفسه يكون الشَّيء الثاني موجداً لذاك الشيء الأَول. و هذا باطل لأنَّ مقتضى كونِ الأَول علة للثاني، تقدُّمُه عليه و تأخُّرُ الثاني عنه: و مقتضى كون الثاني علة للأول تقدُّمُ الثاني عليه. فينتج كونُ الشيء الواحد، في حالة واحدة، و بالنسبة إلى شيء واحد، متقدِّماً و غير مُتَقَدِّم، و متأخراً و غير متأخر. و هذا هو الجمع بين النقيضين، و بطلانه كارتفاعهما من الضروريات البديهية. فينتج أنَّ الدّورَ و ما يستلزمه محال.
و لتوضيح الحال نمثل بمثال: إِذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة و اشترط كلُّ واحد منهما لإِمضائها، إمضاءَ الآخر، فتكون النتيجة توقُّفُ إمضاء كلٍّ على إمضاء الآخر و عند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاةً إلى يوم القيامة، لما ذكرنا من المحذور.
و هاك مثالا آخر: لو أَراد رجلان التعاون على حمل متاع، غيرَ أَنَّ كلاًّ يشترط في إقدامه على حمله إِقدام الآخر. فلن يُحمل المتاع إلى مكانه أَبداً" ( الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل ج1 – الشيخ جعفر السبحاني ).

خامساً: الإشكال وجوابه:-

الإشكال: أنتم تقولون : أن لكل شي خالقا ومبدعا , إذا فمن خلق اللّه عزوجل ؟.
والـعـجـيـب هو أن بعض فلاسفة الغرب طرحوا هذه الأسئلة أيضا , مما يدل على مقدار تصورهم السطحي في المباحث الفلسفية وتفكيرهم البدائي .
يـقـول الـفيلسوف الانجليزي الشهير ( برتراندراسل ) في كتابه ( لِمَ لَمْ أكن مسيحيا؟ ) : ( كنت أعـتـقـد باللّه في شبابي , وكنت أعتقد ببرهان علة العلل كأفضل دليل عليه , وهو أن كل مانراه في الوجود ذو علة معينة , ولو تتبعنا سلسلة العلل لانتهت بالعلة الأولى , وهي مانسميه باللّه .
لـكـنـنـي تراجعت عن هذه العقيدة بالمرة فيما بعد , لأنني فكرت بأنه لوكان لكل شي علة وخالق , لوجب أن يكون للّه علة وخالق أيضاً ).

الجواب: عندما نقول : أن لكل شي خـالـقـاً ومـوجـداً ,نـقـصـد ( كـل شي حادث وممكن الوجود ) , لذا فهذه القاعدة الكلية صادقة فـقـط بخصوص الأشياء التي لم تكن من قبل وحدثت فيما بعد , لا بخصوص واجب الوجود الذي كان موجودا منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد , فوجودٌ أزلي لا يحتاج إلى خالق , لكي نسأل عن خالقه قائم بذاته ولم يكن معدوما من قبل أبدا , لكي يحتاج إلى علة وجودية .
وبتعبير آخر : إن وجوده من ذاته لا من خارج ذاته , وهو لم يكن مخلوقا ,هذا من جهة , ومن جهة أخـرى كـان مـن الأفضل لـ ( برتراندراسل ) ومؤيديه أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال : لو كان للّه خـالـق فسيرد نفس هذا الإشكال مع الخالق المفترض , وهو : من خلق ذلك الخالق ؟! ولو تكررت هـذه الـمسألة وافترضنا أن لكل خالق خالقا لأدى ذلك إلى التسلسل , وبطلانه من الواضحات , ولو تـوصلنا إلى وجود يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلى موجد وخالق آخر ( أي واجب الوجود ) , فذلك هو اللّه رب العالمين .
ويـمـكن توضيح هذه المسالة ببيان آخر وهو : أننا لو لم نكن من المؤمنين على سبيل الفرض وكنا نـؤيـد عقيدة الماديين , لواجهنا نفس هذا السؤال ,فبتصديقنا قانون العلية ( السببية ) في الطبيعة , وأن كل شي فـي الـعالم معلول لآخر , سيردهذا السؤال الذي واجهه المؤمنون باللّه تعالى وهو : لو كانت جميع الاشياء معلولة للمادة فما هي العلة التي أوجدت المادة إذاً ؟.
وسـيـضـطرون أيضا للقول : بأن المادة أزلية , وكانت موجودة منذ الأزل ,وستبقى إلى الأبد , ولا تحتاج إلى علة وجودية , وبتعبير آخر هي ( واجب الوجود ).
وعلى هذا الأساس نلاحظ أن جميع فلاسفة العالم سواءً الإلهيين منهم والماديين يؤمنون بوجود أزلي واحد , وجود لا يحتاج إلى خالق وموجد , بل كان موجودا منذ الأزل .
والـتفاوت الوحيد هو أن الماديين يعتقدون بأن العلة الأولى فاقدة للعلم والمعرفة والعقل والشعور , ويعتقدون بأنها جسم ولها زمان ومكان لكن المؤمنين يعتقدون بأن العلة الأولى ذات علم وإرادة وهدف , وهو اللّه تعالى وينزهونه عن الجسمية والزمان والمكان , بل يعتقدون بأنه فوق الزمان والمكان .
وجـميع الأدلة التي أوردناها سابقا في بحوث معرفه اللّه تعالى تؤيد هذه الحقيقة , وهي أن المُبديء الأول لهذا العالم ذو علم واطلاع غير محدود.
وعـلـيـه فـقد أخطا ( راسل ) في تصوره بأنه يستطيع التهرب من مخالب هذا السؤال بترك زمرة الـمـؤمـنـين والإلتحاق بالماديين , لأن هذا السؤال ملازم له دائما , حيث أن الماديين يعتقدون أيضا بقانون العلية ويقولون : بأن لكل حادثة علة معينة .
إذا , فـالطريق الوحيد في حل هذه المشكلة هو إدراك الفرق جيدا بين ( الحادث ) و ( الأزلي ) , وبـيـن ( ممكن الوجود ) و ( واجب الوجود ) , لكي نعلم أن الذي يحتاج إلى خالق هو الموجودات الحادثة والممكنة , أي أن كل مخلوق يحتاج إلى خالق , وماليس بمخلوق فلا يحتاج إلى خالق .

مصدر الإشكال وجوابه : نفحات القرآن ج4- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

سوف أكتفي بهذا القدر من براهين إثبات وجود الله عز وجل ، وسوف يكون الحديث في الأيام المقبلة حول التوحيد وأقسامه – إن شاء الله تعالى - .

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


الحلقة الثامنة
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس