عرض مشاركة واحدة
قديم 31-12-2010, 07:23 PM   رقم المشاركة : 29
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي إشكال وجوابه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم


سادساً: إشكال وجوابه:-

الإشكال: إذا كان الدليل على وجود الخالق المدبر هو النظام السائد في الكون. فكيف يفسّر وجود بعض الظواهر غير المتوازنة العاصية عن النظام كالزلازل والسيول و الطوفانات ، فإنها من أبرز الأدلة على عدم النظام؟.

الجواب:للإجابة على الإشكال نذكر تحليلاً فلسفياً يحوي بياناً لأمرين ، هما:-

الأَمر الأَول ـ النَّظرة الضيّقة إلى الظواهر:-

إِنَّ وصف الظواهر المذكورة بأنَّها شاذّة عن النظام ، و أَنَّها شرور لا تجتمع مع النظام السائد على العالم أولا ، و حكمته سبحانهـ بالمعنى الأعم ـ ثانياً ، و عدله و قسطه ثالثاً ، ينبع من نظرة الإِنسان إلى الكون من خلال نفسه ، و مصالحها ، و جعلها محوراً و مِلاكاً لتقييم هذه الأمور. فعندما ينظر إلى الحوادث و يرى أنَّها تعود على شخصه و ذويه بالإِضرار ، ينبري من فوره إلى وصفها بالشرور و الآفات. و ما هذا إلاّ لأَنه يتوجه إلى هذه الظواهر من منظار خاص و يتجاهل غير نفسه في العالم ، من غير فرق بين من مضى من غابر الزمان و من يعيش في الحاضر في مناطق العالم أو سوف يأتي و يعيش فيها. ففي النَّظرة الأَولى تتجلى تلك الحوادث شراً وبليّة. ولكن هذه الحوادث في الوقت نفسه و بنظرة ثانية تنقلب إلى الخير و الصلاح و تكتسي خلق الحكمة والعدل و النَّظْم. و لبيان ذلك نحلل بعض الحوادث التي تعد في ظاهرها من الشرور فنقول :

إِنَّ الإِنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته ، و السَيْل العارم يهدم منزله ، والزلزلة الشديدة تُزَعْزِعُ بُنيانه ، ولكنه لا يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث و الظواهر من نتائج إيجابية في مجالات أُخرى من الحياة البشرية.

و ما أَشبه الإِنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر سبيل يرى جرّافة تحفر الأرض ، أو تهدم بناءً مُحْدِثَةً ضوضاءَ شديداً و مُثيرة الغبار والتراب في الهواء ، فيقضي من فوره بأنه عمل ضار و سيء و هو لا يدري بأَنَّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى و يعالج المصابين و يهيء للمحتاجين إلى العلاج وسائل المعالجة والتمريض.

ولو وقف على تلك الأَهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى ، ولَوَصَفَ ذلك التهديم بأنه خير ، و أَنّه لا ضير فيما حصل من الضوضاء ، و تصاعد من الأَغبرة.
إِنَّ مَثَلَ هذا الإِنسان المحدود النظر في تقييمه ، مَثَل الخفاش الذي يؤذيه النور لأنه يَقبض بصره ، بينما يبسط هذا النور ملايين العيون على آفاق الكون و يسهل للإِنسان مجالات السعي والحياة. أَفهل يكون قضاء الخفاش على النور بأنه شرٌ مِلاكاً لتقييم هذه الظواهر الطبيعية المفيدة؟ كلا ، لا.

الأمر الثَّاني ـ الظواهر حلقات في سلسلة طويلة:-

إنَّ النظر إلى ظاهرة من الظواهر ، منعزلة عن غيرها ، نظرة ناقصة و مبتورة. لأنَّ الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة في سلسلة ممتدة ، فما يقع الآن منها يرتبط بما وقع في أعماق الماضي و بما سيقع في المستقبل ، في سلسلة من العلل و المعاليل و الأسباب و المسبَّبات.

و من هنا لا يصحّ القضاء على ظاهرة من الظواهر بحكم مع غض النظر عما سَبَقَها ، و ما يلحقها ، بل القضاء الصحيح يتحقق بتقييمها جُملة واحدة والنظر اليها نظراً كلياً لا جزئياً. فإِنَّ كل حادثة على البسيطة أو في الجو ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما سبقها أَوْ يلحقها من الحوادث. حتى أنَّ ما يهب من النسيم و يعبث بأوراق المنضدة التي أَمامك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما حدث أو سيحدث في بقاع العالم. فلا بد للمحقق أن يلاحظ جميع الحوادث بلون الإِرتباط و التَّشكل. فعند ذاك يتغير حكمه ويتبدل قضاؤه ولن يصف شيئاً بالشذوذ ، ولن يَسِمَ شيئاً بأَنَّه من الشرور.

إذا عرفت هذين الأمرين فلنأْتِ ببعض الأَمثلة التي لها صلة بهما:-

1 ـ إذا وقعت عاصفة على السواحل فإنها تقطع الأشجار و تدمر الأَكواخ و تقلب الأثاث ، فتوصف عند ساكني الساحل بالشر و البلية ، ولكنها في الوقت نفسه تنطوي على آثار حيويّة لمنطقة أُخرى.
فهي مثلا توجب حركة السُفُن الشِّراعيَّة المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الريح. و بهذا تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من نجاتهم ، و توصلهم إلى شواطئ النجاة ، فهي موصوفة عند ركّاب السفينة بالخير.


2 ـ إِنَّ الرياح و إِنْ كانت ربما تهدم بعض المساكن إلاّ أَنها في نفس الوقت تعتبر وسيلة فعالة في عملية التلقيح بين الإَزهار و تحريك السحب المولدة للمطر و تبديد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل التي لو بقيت و تكاثفت لتعذرت أَوْ تعسّرت عملية التنفس لسكان المدن و القاطنين حول تلك المصانع. إلى غير ذلك من الآثار الطيبة لهبوب الرياح ، التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة أو تكاد تنعدم نهائياً.


3 ـ الزلازل و إِنْ كانت تسبب بعض الخسائر الجزئية أو الكلية في الأَموال و النفوس ، إِلاّ أَنَّها توصف بالخير إذا وقفنا على أَنَّ علّتها ـ على بعض الفروض ـ جاذبية القمر التي تجذب قشرة الأرض نحو نفسها ، فيرتفع قاع البحر و يوجب ذلك الزلازل في مناطق مختلفة من اليابسة. فإنَّ هذا في نفس الوقت يوجب أَنْ تصعد مياه البحار و الأَنهار فتفيض على الأراضي المحيطة بها و تسقي المزارع و السهول فتجدد فيها الحياة و تجود بخير العطاء.

و يترتب على الزلازل آثار نافعة أُخرى يقف عليها الإِنسان المتفحص في تلك المجالات ، فهل يبقى مجال مع ملاحظة هذين الأَمرين للقضاء العاجل بأنَّ تلك الحوادث شرور و بلايا لا يترتب عليها أيّة فائدة؟.

إِنَّ عِلْمَ الإِنسان المحدود هو الذي يدفعه إلى أَنْ يقضي في الحوادث بتلك الأقضية الشاذة ، ولو وقف على علمه الضئيل و نسبة علمه إلى ما لا يعلمه لرجع القَهْقَرى قائلا : ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ) (سورة آل عمران : الآية 191). و لأذعن بقوله تعالى : ( وَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) (سورة الإِسراء : الآية 85). و قوله سبحانه : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) (سورة الروم : الآية 7).

مصدر الإشكال وجوابه هو كتاب: الإلهيات على هدى الكتاب والسنة ج1 – الشيخ جعفر السبحاني.

سوف أكتفي بهذا المنقول حول هذا الإشكال لتناسبه مع برهان النظم ، وأما الحديث حول باقي الشرور والآفات ، فسوف أوافيكم به مفصلاً عند الحديث عن الأصل الثاني من أصول الدين وهو : العدل الإلهي – إن شاء الله تعالى - .

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


إشكال وجوابه
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس