الحلقة الخامسة
إثبات وجود الله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم
البرهان الثاني: برهان النظم أو النظام
رابعاً: مناظرات تتعلق ببرهان النظم:-
# عن الإمام الصادق عليه السلام – لزنديق - قال له: أخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد، ولا يصعد من الأرض إليها بشر، ولا طريق إليها، ولا مسلك، فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية، وأنفى للشك وأقوى لليقين، وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا إليه يصعد الصاعد، ومن عنده يهبط الهابط.
قال عليه السلام: "إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء، ومنها يظهر، أما ترى الشمس منها تطلع، وهي نور النهار، وفيها قوام الدنيا، ولو حبست حار من عليها، وهلك، والقمر منها يطلع، وهو نور الليل، وبه يعلم عدد السنين والحساب، والشهور والأيام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير، وفي السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر، والبحر، ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شئ، من: الزرع، والنبات، والأنعام، وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا، والريح لو حبست إياه لفسدت الأشياء جميعا، وتغيرت، ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق، كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شئ ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة تتنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية أن تفهم وتعقل" ( الإحتجاج ج2- الشيخ الطبرسي).
# علي بن ميثم مع ملحد:-
قال: وأخبرني الشيخ - أدام الله عزه - أيضا، قال: دخل أبو الحسن علي ابن ميثم - رحمه الله - على الحسن بن سهل وإلى جانبه ملحد قد عظمه والناس حوله. فقال: لقد رأيت ببابك عجبا! قال: وما هو؟ قال: رأيت سفينة تعبر بالناس من جانب إلى جانب بلا ملاح ولا حاصر. فقال له صاحبه الملحد وكان بحضرته: إن هذا أصلحك الله لمجنون! قال: قلت: وكيف ذلك؟ قال خشب جماد لا حيلة له ولا قوة ولا حياة فيه ولا عقل كيف تعبر بالناس؟ قال:
فقال أبو الحسن: وأيما أعجب، هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يمنة ويسرة بلا روح ولا حيلة ولا قوى، وهذا النبات الذي يخرج من الأرض، والمطر الذي ينزل من السماء؟ تزعم أنه لا مدبر لهذا كله، وتنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر وتعبر بالناس! قال: فبُهت الملحد (مواقف الشيعةج1-الشيخ
علي الأحمدي الميانجي ، نقلاً عن البحار: ج 10 ص 373).
خامساً: أمثلة على برهان النظم:-
آياته في خلق النحل:-
1 ـ حضارة النَّحل العجيبة! مع اتساع علم الحيوان وعلم الأحياء والدراسات المستفيضة للعلماء تم اكتشاف مسائل عجيبة وحديثة عن حياة هذه الحشرة الصغيرة أذهلت الإنسان بشدة، ولا يُصدِّق أبداً بأنْ يسودَ حياة النحل مثل هذا النظام والتدبير والتخطيط بلا أيِّ إحساس طبيعيٍّ.يقول أحد العلماء المختصين بعلم الأحياء ويدعى «مترلينغ» الذي كانت له دراسات كثيرة على مدى سنوات طويلة حول حياة النحل، والنظام العجيب الذي يحكم ممالكها يقول: «إنَّ الملكة في مدينة النحل ليست هي الزعيم كما نتصورها، بل هي كسائر أفراد هذه المدينة تخضع لسلسلة من القوانين والأنظمة العامة أيضاً».ثم يضيف: «نحن لا نعرف مصدر هذه القوانين وبأيّة طريقة توضعُ، ونحن ننتظر اليوم الذي نتوصل فيه إلى معرفة واضع هذه المقررات، إلاّ أننا نطلقُ عليه حالياً اسم «روح الخليّة»، ولا ندري أين تكمنُ «روح الخليّة» وفي أيٍّ من سكان الخلية حلَّت، إلاّ أننا نعرف أنَّ الملكةَ كالآخرين تطيعُ روح الخلية أيضاً»!.«إن روحَ الخليّةِ لا تشبه غريزة الطيور، ولا تعمل بآلية وإرادة عمياء، فهي تشخصُ تكليفَ كلِّ واحد من سكان هذه المدينة العملاقة حسب قابليته وتعطي لكلٍّ منها واجباً، فقد تأمُر مجموعةً ببناء البيت، وأحياناً تُصدر أمرَ الرحيل والهجرة»«والخلاصة أننا لا نستطيع إدراك أنَّ قوانين مملكة النحل التي توضع من قبل روح الخليّة هل ستطرح في «مجلس شورى» ويُصادقُ عليها ويتخذُ القرار بتنفيذها؟، ومَنْ الذي يُصدرُ أمرَ الحركةِ في اليوم المحدَّد»؟! (كتاب «النحل» تأليف «مترلينغ» ص 35 و 36 مع الاختصار).
إلاّ أنَّ القرآن الكريم أعطى جواباً لجميع هذه التساؤلات بتعبير جميل ودقيق جداً إذ يقول: (وَأَوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ)!وهو نفس التعبير الذي ذكرَهُ بخصوص الأنبياء((عليهم السلام))، صحيحٌ أنَّ هذا الوحي يختلف عن ذلك الوحي كثيراً، إلا أنَّ تناسقَ التعبير دليلٌ على أهمية العلم الذي أودعه الله لدى النَّحل، كي يدعو مفكّري العالم إلى دراسة أوضاعها.فمن المسلَّم به أنَّ بناء خلية النحل يجري بالهام إلهيٍّ، لأنَّها تبني تشكيلات سداسيّة منظمة واسعة من كمية قليلة من الشمع (حيث يمكن استغلال جميع زواياه ويكون مقاوماً أمام الضغط أيضاً) وتتكون بيوتها من طبقتين، وعندما تبني بيتاً في الجبال أو على الأشجار فهي تقتصر على هاتين الطبقتين إلاّ أنها تضيفُ طبقتين أُخريين في الخلايا الاصطناعية وبما يمكن استيعابه منها.ويتخذ قعر البيت شكلا هرمياً حيث يتألف من ثلاثة سطوح لوزية الشكل ويغور الرأسُ والأجزاء البارزة بكل طبقة في قعر الطبقة السفلى.وقد أثبتت التجارب أنه لو كان سطح الشمع مربع الشكل أو بأي شكل آخر وصُبَّ في قوالب اصطناعية ويُطلقُ النحل في داخله فسوف لا يرتضي مثل تلك الجدران الخاطئة، بل يرفع الجدران إلى الأعلى ويعيدها إلى وضعها الصحيح.لقد قاسَ أحد العلماء، قعر بيت النحل، فكانت زاويته الكبيرة تُقدرَّ بـ (109) درجات و (28) دقيقة، ثم طرحت هذه المسألة على مهندس ألماني كبير يُدعى «كنيك» كسؤال عام بأن لو أراد إنسان بناءَ هرم بأقلِ كمية من مواد البناء وبأكبر ظرفية بحيث يتشكل من ثلاثة سطوح لوزية فما مقدار زواياه؟.فقام بحلَّ هذه المسألة المعقدة بالاستعانة بحساب «ديفرانسيل» وكتب في الجواب، مائة وتسعة درجات وستة وعشرين دقيقة بدون علم منه بأنَّ هذا يرتبط ببيت النَّحل ومتفاوت معه بدقيقتين فقط.ثم تلاهُ مهندسٌ آخر يُدعى «ماغ لورن» فأجرى حسابات دقيقةً وتأكَّدَ بانَّ تلك الدقيقتين كانتا نتيجة لإهمال المهندس الأول، والجواب الصحيح كما فى عمل النحل»! (تفسير «أبو الفتوح الرازي» هامش المرحوم الشعراني ج 7 ص 123 «مع شيء من الاختصار»).
2ـ جمع رحيق الأزهار وصناعة العسل:
الأمر الثاني الذي استند إليه القرآن هو جمع العسل من رحيق الأزهار، وهو من المسائل المدهشة والمحيّرة حقاً.يقول بعض العلماء: يجب أن تسافر 50 ألف نحلة من أجل إعداد كيلو غرام واحد من العسل!.وتؤكد حسابات العلماء أيضاً أنه من أجل إعداد كيلو غرام واحد من الرحيق يجب أن يَمتصَ النحل سبعة آلاف وخمسمائة زهرة كمعدل ويستخرج رحيقها (وطبقاً لهذه المعادلة يجب امتصاص 5,7 مليون زهرة لاعداد كيلو غرام واحد من العسل!) ( «تربية النحل» ص 112).ولابد أن نعلمَ أيضاً أنَّ النَّحلَ يسافر يومياً حوالي17ـ24 مرة من أجل جمع رحيق الأزهار.ولا عجب أن نعلم أن النَحْلَ لم يَذق طعمَ الراحةِ طول عمره، وأنه لا يرى النومَ أبداً، فهو يقظٌ طول عمره! («تربية النحل» ص115).ومن أجل أن ندرك العَمَلَ المرهق لهذه الحشرة الكادحة يجب أن نقول أنَّهُ يتعين على النحل أن يسافر80 ألف مرة ذهاباً وإياباً على الأقل من أجل كل أربعمائة غرام من العسل الذي يَحصل عليه، ولو ربطنا هذا الذهاب والإياب معاً وقدَّرنا مسافةَ كلِّ مرة (كمعدل) بكيلو متر واحد، ستكون المسافة التي يقطعها النحل من أجل الحصول على أربعمائة غرام من العسل تعادل ضعفَ محيط الكرة الأرضية، أي أنَّ هذه الحشرة الكادحة تقطع مسافة ما يعادل ضعف محيط الكرة الأرضية من أجل جمع شراب يُصنعُ من أربعمائة غرام من العسل! ( «عالم الحشرات» (وفقاً لنقل عجائب الخلق ص 143)).ومن الضروري الانتباه إلى هذه النكتة وهي أنَّ معظمَ الأزهار لا تمتلك الرحيق باستمرار كي يستطيع النحل امتصاصه، بل إنها تقدّمُ رحيقها مرةً واحدةً في اليوم وفي ساعات معينة تتبع نوع الزهرة، فبعض الأزهار تعطي رحيقها صباحاً، وبعضها ظهراً، وبعضها الآخر بعد الظهر، والعجيب أن النَّحلَ يعرف هذه البرامج جيداً فيتوجه نحو الأزهار وفقاً لها تماماً فلا يذهب وقته هدراً! ( «الحواس الخفية للحيوانات» (تأليف فيتوس دروشر) ص 157 (مع الاختصار)).ويحقُ للإنسان أن يخجلَ عندما يشاهد هذه الأرقام والأعداد في مجال جمع العسل وعدد مرات الطيران وعدد الأزهار المستهلكة من أجل غرام واحد من هذه المادة الغذائية المهمة، ولكن لو فكَّر بإمعان في نفس الوقت بعظمة خالقِ هذه الحشرة الكادحة وتَحقَّقَ بعلمه وقدرته لخضع أمامه مؤدياً شكر هذه النعمة، ويُمكن أن يكون كل ذلك مقدمةً لهذه الغاية السامية.والنكتة الأخيرة التي يجب أن نذكرها ونغلقَ هذا الملف الكبير، هي أنَّ النحل علاوةٌ على امتصاصه للرحيق فهو مكلَّفٌ بجمع «الحبوب الصفراء» للأزهار المسماة «بولن» ومزجها مع العسل.ولهذه الحبوب آثار حياتية فائقة، فهي تحتوي على21 نوعاً من حامض الأمونيك وأنواع الزيوت، وهورمونات النمو، والسكَّر، والإنزيمات، كما تستخدم عصارة الحبوب تلك في معالجة الإلتهابات والأورام المزمنة التي تعجز المضادات الحيوية عن علاجها، كما أن لها آثاراً منشطّة أيضاً((الجامعة الاولى) ج 5 ص 57 الى 59 (مع الاختصار).وللأرجل الخلفية للنحل نشوءات كأسنان المشط يثير بها غبار الأزهار، ويصنع منه ذرات كروية، وهنالك أيضاً إلى جانب تلك النشوءات ما يشبه «السلّة» وآخر يشبه «الملقط» حيث يجمع ذرات غبار الورد هناك ويحفظها، وحينما يعود إلى الخليَّة يجلب معه بالإضافة إلى رحيق الأزهار كرتين صفراوين كإنتاج لعملهِ اليومي («نظرة على الطبيعة واسرارها» ص 127).
(نفحات القرآن ج2- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).
آياته في تكوين الغيوم:-
1 ـ تكوين الرياح وفوائدها:
إنَّ مصدرَ حصول الريح هو الاختلاف في درجة الحرارة بين منطقتين مختلفتين من الارض، ويمكن تجربة هذا أثناء فصل الشتاء حيث يكون هواء الغرفة حاراً وفي خارجها بارداً، فلو وضعنا شمعتي إضاءة عند طرفي الباب العلوي والسفلي وفتحنا الباب قليلا سيتضح هذا الأمر جيداً إذ أنَّ الهواء البارد وبسبب ثقله يدخلُ من الأسفل والهواء الحار يخرج من الأعلى لخفّته ويجرُّ شعلةَ الشمع معه (إنَّ الهواء الحار يكون ممتداً و خفيفاً والهواء البارد ثقيلا ولو لم تكن هذه الصفة وتتوقف الرياح فأيُّ بلاء عظيم ينزلُ على الإنسان؟!).كما نعرفُ أيضاً انَّ للكرة الأرضية ثلاث مناطق، فالمنطقة الباردة (الأطراف القطبية)، والحارّة جداً (المناطق الإستوائية)، والمعتدلة (المناطق التي تتوسط هاتين المنطقتين).وهذا الاختلاف في درجات الحرارة على الأرض يُنتجُ انتقال الهواء من جهة إلى أخرى وأهمه الرياح التي تُسمى «الرياح القطبية» (وهي الرياح التي تهبُّ من القطب نحو المنطقة الإستوائية ولأنّها تكونُ باردةً فهي تسير مع الأرض)، والرياح «الإستوائية» (وهي الرياح التي تهبُّ من المنطقة الإستوائية نحو القطب وبما أنّها تكون حارَّة فهي تتحرك في طبقات الجو العليا)( اعجاز القرآن في نظر العلوم المعاصرة ص 65).فضلا عن أن ماء المحيطات لا يكون حاراً كحرارة السواحل أثناء شروق الشمس، إضافة إلى أنَّ ماء البحر يفقد حرارته ليلا أسرعُ مما يفقده الساحل، فهذا الاختلاف في درجات الحرارة بين ماء البحر والساحل يتسبب أيضاً في هبوب الرياح باستمرار من البِّر إلى البحر ومن البحر إلى البِّر أيضاً.وإضافة إلى كل هذا فانَّ كروية الأرض تؤدي إلى أن تقع بعضُ المناطق في مواجهة الشمس مباشرة (أثناء الظهر)، وأن تَشِّعَ الشمسُ على المناطق الأخرى بشكل مائل (أثناء الشروق والغروب)، فهذا الاختلاف في درجات الحرارة أحد أسباب حصول الرياح في مختلف المناطق أيضاً (وكذلك هناك عوامل معقّدة أخرى).وتتظافر هذه الأسباب في تحريك الرياح في سائر أنحاء الكرة الأرضية وتتزامن معها الفوائد الجمَّة التالية:
1ـ للرياح نصيبٌ مهمٌ في تكوين الغيوم بسبب هبوبها على المحيطات.
2 ـ إنَّ الرياحَ تصطحبُ معها الغيوم إلى المناطق الجافة واليابسة ولولاها لاحترقَ جانبٌ كبير من الكرة الأرضية بسبب الجفاف.
3 ـ إنَّ الرياحَ تلطِّفُ الجوَّ وتجلبُ الأوكسجين الضروري من المناطق البعيدة.
4 ـ إنَّ الرياحَ تأخذ معها التلوث حيث تساعد في تنقية الجو عن هذا الطريق.
5 ـ إنَّ الرياحَ تُقللُ من ضغط حرارة الشمس على أوراق النباتات، وتمنع الاحتراق، وبصورة عامة فإنها وسيلةٌ مهمةٌ لاعتدال الجو في بقاع الأرض.
6 ـ إنَّ الرياح تعصُر الغيوم وتُعدُّها لإنزالِ المطر.
7 ـ إنَّ الرياح تسوقُ الغيوم نحو طبقات الجو العليا، وبسبب البرودة وفقدان قدرة التشبُّع تتحول إلى قطرات مطر تهبُ الحياة.
2 ـ أسرار تكوين الغيوم وهطول الأمطار:
لا يخفى أنَّ الغيوم هي ذرّات بخار الماء، أو بتعبير أكثر دقة هي ذرات الماء التي انفصلت جزئياتها عن بعضها وتحولت إلى بخار، إنَّ التمعنَ في ما يخص تكوّن الرياح والأمطار يكشف لنا أسراراً لطيفةً عن هاتين الظاهرتين العجيبتين منها:
1 ـ إنَّ أغلبَ السوائل لا تتبخر إذا لم تصل إلى درجة الغليان، إلا أنَّ الماء من السوائل المستثناة حيث يتبخر في أي درجة من الحرارة، ولولا هذه الميزة في الماء لما تبخرت قطرة واحدة من ماء البحر، ولم تتكون الغيوم، ولم ينزل المطر ولاحترقت اليابسة من الجفاف.
2 ـ وهذا ما يجدر بالاهتمام أيضاً، فأثناء عملية التبخر يتبخر الماء الصافي فقط، وتبقى الأملاح والذّرات الأخرى التي فيه في مكانها، أي أن هناك عملية تصفية طبيعية كي ينالَ البشرُ المياهَ الصالحة.
3 ـ لو لم تكن الطبقات العليا من الجو أكثر برودة من الطبقات السفلى لما أمطرت الغيوم المضطربة في الجو أبداً، ولكن هذا الاختلاف في درجات الحرارة هو الذي يؤدي إلى نزول الأمطار، وكذلك لو كانت قدرة اشباع ذرات البخار متساوية في الهواء البارد والحار لما نزلت الأمطار، ولكن بما أنَّ الهواء البارد له قدرةُ اشباع ضعيفة فإنّه يُنزلُ البخار الذي تحول إلى ماء.
4 ـ إن الأمطار إضافة إلى توفيرها للماء الضروري لنمو النباتات، تقوم بغسل الأرض وتحمل الأوساخ معها نحو البحار.
5 ـ إنَّ الأمطار تُنّظفُ الجوَّ أيضاً، وتقوم بإنزال التراب والغبار والذّرات المعلَّقة في الجو التي تذوب فيها إلى الأرض، ولولا هطول الأمطار لتلوَّثَ الجو بعد مدة قصيرة واستحالَ التنفُس على الإنسان.
6 ـ إنَّ الأمطار تغسلُ صخور الجبال شيئاً فشيئاً، ليخرجَ منها التراب الذي يمكن استثماره، فتمتد السهول الواسعة على سطح الأرض.
7 ـ إنَّ الأمطار تحمل معها الأتربة الغنيّة من المناطق البعيدة وتنشرها في المزارع لتقويتها، كما يجلب جريان الماء معه أفضل الأسمدة الطبيعية للنباتات إلى بعض المناطق (كسواحل النيل).
8 ـ إنَّ الأمطار لا تهبُ الحياة في المناطق الجافة فحسب، بل إنَّ هطول الأمطار على البحار يُعتبر مؤثراً للغاية أيضاً، وليس أقل من تأثيره في المناطق اليابسة كما يقول بعض العلماء، لأنَّ سقوط الامطار في البحر يساعد على نمو النباتات الصغيرة في وسط أمواج المياه، حيث تكون طعاماً مناسباً جداً للأسماك والأحياء البحرية، وفي السنة التي يقلُّ فيها نزول الأمطار يسوء فيها وضع الصيد.
9 ـ إنَّ ارتفاعَ الغيوم عن سطح الأرض أكثر من ارتفاع أعلى نقاط الأرض ولهذا فلا تُحرم أيةُ بقعة من الاستفادة من ماء المطر.
10 ـ إنَّ العديد من أشجار الغابات والأعشاب الطبيعية والغذائية تنمو على الجبال الشاهقة، وهذا يدل على أنَّ الأمطار تقوم بإيصال الكمية اللازمة من الماء إليها، ولولا الأمطار لجفَّت جميعها.
11 ـ لو تأملنا جيداً بالسدود الضخمة التي أنشئَتْ في عصرنا هذا والتي تُؤمِّنُ جانباً مهماً من الطاقة الكهربائية في العالم، وتقوم بتشغيل المعامل العملاقة لوجدناها من بركات هطول الأمطار على المناطق الجبلية.
12 ـ إنَّ بعض ترشحات الغيوم تنزلُ إلى الأرض على هيئةِ جليد فتُخزَن في قمم الجبال كمصادر للمياه، وتقوم بمساعدة خزانات المياه الموجودة تحت الأرض أيضاً لأنها تذوب تدريجاً وتَنْفُذُ داخل الأرض، ولكن لو تساقط الجليد باستمرار بدلا من المطر فلا وجود عندئذ للكثير من المنافع التي ذُكرت أعلاه.
13 ـ الغيوم بحار معلقة في السماء، وما أعظمَ الإله الذي يُرسلُ كلَّ هذا الماء إلى السماء خلافاً لقانون الجاذبية، ويقوم بنقله بسهولة من نقطة إلى أخرى.
14 ـ بالإضافة إلى كل هذا فانَّ للغيوم تأثيراً ملموساً في خفض درجة البرودة شتاءً وخفض درجة الحرارة صيفاً.
15 ـ إنَّ الغيوم تحمل الشحنات الكهربائية المختلفة حيث تؤدي إلى وقوع الرعد والبرق، وعلى العموم فإنَّ هاتين الظاهرتين اللّتين نعتبرهما من الأمور العادية جداً نتيجة لأُنْسِنا بهما، مدهشتان ومليئتان بالأسرار، ويمكن مشاهدة آيات التوحيد العظيمة في أعماق أسرارهما، والوصول إلى عظمة تلك الذات المقدسة من خلال هذه الآيات العظيمة.
(نفحات القرآن ج2- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).
ملاحظة1: من أراد المزيد من الأمثلة حول برهان النظم ، فليراجع الكتاب الآنف الذكر، ففيه الكثير من الأمثلة الجميلة والقيمة.
ملاحظة2: لم يبق من الحديث حول برهان النظم سوى الإشكال وجوابه ، وسوف أوافيكم به في وقتٍ لاحق - إن شاء الله تعالى -.
وفقكم الله