الحلقة الرابعة
إثبات وجود الله
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم
البرهان الثاني: برهان النظم أو النظام
سوف يكون الحديث في هذا البرهان حول النقاط التالية:-
1- تعريف برهان النظم.
2- شواهد قرآنية على برهان النظم.
3-الروايات وبرهان النظم.
4- مناظرات تتعلق ببرهان النظم.
5-أمثلة على برهان النظم.
6- إشكال وجوابه.
أولاً: تعريف برهان النظم:-
"أوضح الأدلّة على إثبات الله تعالى الذي يحكم به العقل ، ويقضي به الوجدان ، ويحسّه كلّ إنسان ، هو دليل النظم والتدبير .
فالجميع يرى العالم بسماواته وأراضيه ، وما بينهما من مخلوقاته ورواسيه من المجرّة إلى النملة . في خِلقة التكريم وسير التنظيم وتناسب عظيم .
فالإنسان نراه بأحسن كيفية، والحيوان نراه بالمواهب الفطرية، والنباتات والأشجار والأزهار والأعشاب نراها ذات المناظر البهيّة والخصائص النفعية ، وكذلك غيرها من الموجودات الاُخرى التي لا تعدّ ولا تحصى فيما بين السماء إلى أطباق الثرى .
نرى أجزاءها وجزئيّاتها مخلوقة بأحسن نظم ، وأتقن تدبير ، وأحسن صنع ، وأبدع تصوير .
ومن المعلوم بالبداهية لكلّ كبير وصغير ، ولكلّ ذي عقل وإحساس أنّ الإهمال لا يأتي بالصواب ، والخطأ لا يأتي بدقيق الحساب ، والإتّفاق لا يأتي بهذا العجب العُجاب .
فيحكم العقل بالصراحة ، ويذعن الوجدان بالبداهة أنّه لابدّ لهذا التدبير من مدبّر ، ولهذا التنظيم من منظِّم ، ولهذا السير الحكيم من محكِّم .
ويدرك جميع اُولي الألباب أنّه لابدّ لهذا النظام الدقيق من خالق حكيم ، ولابدّ لهذا التدبير العميق من مدبّر عليم خَلَقها وقدّرها وأدام بقاءها ، وأحسن خلقها وتدبيرها ، وهو الله تعالى شأنه وجلّت قدرته " ( العقائد الحقة - السيد على الحسيني الصدر).
" إذا تأمّل الإنسان من حوله فإنّه سيرى أنّ الكيان الماديّ لهذا العالم وأشكال أجزائه قد أُتقن صنعها ونُظّمت بشكلٍ دقيقٍ فألّف بين أجزاء الأفراد، وأوجد الانسجام بين الأفراد والتوازن بين الماهيّات بحيث يؤدي إلى الهدف والغاية من وجودها، ممّا يكشف عن أنّ وراءها موجداً عالماً وصانعاً مدركاً مختاراً.
إذاً، عندما نرى هذا النظم نوقن أنّ هذا العالم لم يوجد على نحو الصدفة، وبالتالي توجد علّة أوجدته بنظمه المتقن، فالنظم هو ما كان ناشئاً عن علّة مدركةٍ مختارةٍ وهادفةٍ" ( دراسات عقائدية – الشهيد مرتضى مطهري ).
ثانياً: شواهد قرآنية على برهان النظم:-
# قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } البقرة164.
# وقال تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } الزمر6.
# وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ{32} إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{33}} سورة الشورى.
# وقال تعالى:{ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ{18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ{19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{20}} سورة الغاشية.
# وقال تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ{33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ{34} لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ{35} سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36} وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ{37} وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ{39}} سورة يس.
ثالثاً: الروايات وبرهان النظم:-
•قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر :"يا مفضل: أول العبر والأدلة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكل شئ فيها لشأنه معد، والإنسان كالمملك ذلك البيت، والمخول جميع ما فيه، وضروب النبات مهيأة لمأربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه، ففي هذا دلالة واضحة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة، ونظام وملائمة، وأن الخالق له واحد وهو الذي ألفه ونظمه بعضا إلى بعض" ( بحار الأنوار للمجلسي عن الخبر المشهور بتوحيد المفضل).
•في كتاب الأهليلجة قال الصادق عليه السلام:" فنظرت العين إلى خلق مختلف متصل بعضه ببعض ، ودلها القلب على أن لذلك خالقا وذلك أنه فكر حيث دلته العين على أن ما عاينت من عظم السماء وارتفاعها في الهواء بغير عمد ولا دعامة تمسكها وانها لا تتأخر فتنكشط (أي تنقطع ) ولا تتقدم فتزول ، ولا تهبط مرة فتدنوا ولا ترتفع فلا ترى" ( تفسير نور الثقلين) .
•عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:" ولو اجتمع جميع حيوانها: من طيرها، وبهائمها، وما كان من مراحها، وسائمها، وأصناف أشباحها، وأجناسها، ومتلبدة أممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت، ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها " ( الإحتجاج للشيخ الطبرسي).
•سُئل أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن إثبات الصانع ، فقال : « البعرة تدل على البعير ، والروثة تدل على الحمير ، وآثار القدم تدل على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ، ومركز سفلى بهذهِ الكثافة ، كيف لا يدلان على اللطيف الخبير » ؟ ( جامع الأخبار).
•وسُئل جعفر الصّادق (عليه السّلام) : ما الدليل على صانع العالم ؟ قال : « رأيت حصناً مزلقاً أملس لا فرجة فيه ولا خلل ، ظاهره من فضة مائعة ، وباطنه من ذهب مائع ، انفلق منه طاووس وغراب ونسر وعصفور ، فعلمت أن للخلق صانعاً » ( جامع الأخبار ).
•عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (الباقر ) عليه السلام في قول الله عزوجل:" (وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) قال: من لم يدله خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والآيات العجيبات على أن وراء ذلك أمرا أعظم منه فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، قال: فهو عما لم يعاين أعمى وأضل" ( التوحيد للصدوق).
لبرهان النظم تتمة ،سوف أوافيكم بها في الحلقة القادمة – إن شاء الله تعالى - .
وفقكم الله