عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2010, 06:50 PM   رقم المشاركة : 17
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

إثبات وجود الله

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم

في الحلقة الأولى تمت الإجابة على السؤال الأول ، وفي هذه الحلقة سوف أبدأ معكم الإجابة على السؤال الثاني وهو:
ماهي الأدلة والبراهين التي تثبت وجود الله؟


جواب السؤال:-

هناك عدة أدلة وبراهين يمكن من خلالها إثبات وجود الله عز وجل، وقد ذكرها علمائنا الأبرار في كتبهم وفيها البراهين الفطرية والبراهين العلمية والبراهين الفلسفية، وسوف أحاول قدر المستطاع الإبتعاد عن البراهين الفلسفية إن وجدتُ أن الخوض فيها سوف يخرجني عن الغاية المرجوة من هذه السلسلة وهي السهولة والبساطة في الطرح ، حيث سأطرح كل برهان في حلقة أو عدة حلقات، وبالله التوفيق.

البرهان الأول: برهان الفطرة

قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30.

وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }لقمان25.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه" (عوالي اللآلي ج1).

قال رجل للصادق (عليه السلام): يابن رسول الله دلني على الله ما هو ؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له: "يا عبد الله هل ركبت سفينة قط ؟ قال: نعم، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟ قال: نعم، قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ فقال: نعم، قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشئ هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث" ( ميزان الحكمة للريشهري ج3).



"اعلم أن المقصود من (فِطْرة الله) التي فطر الناس عليها هو الحال والكيفية التي خلق الناس وهم متّصفون بها والتي تعد من لوازم وجودهم. ولذلك (تخمّرت) طينتهم بها في أصل الخلق. والفطرة الإلهية من الألطاف التي خصّ الله تعالى بها الإنسان من بين جميع المخلوقات، إذ إن الموجودات الأخرى غير الانسان إمّا أنها لا تملك مثل هذه الفطرة المذكورة وإما أن لها حظاً ضئيلاً منها" (التوحيد والفطرة- الإمام الخميني قدس سره).

"المراد من «طريق الفطرة» هو أنّ كل إنسان يشعر في قرارة ضميره، ومن تلقاء نفسه بانجذابه نحو اللّه، وميله العفوي الفطري إليه دون أن يكون في ذلك متأثراً ببرهان، أو خاضعاً لدليل، أو نابعاً من تعليم معلم، أو دعوة أحد، أو ما شابه ذلك من المؤثرات الخارجية" (مفاهيم القرآن ج1-الشيخ جعفر السبحاني).

وهذا الكلام – أي فطرية وجود الله – بحاجة إلى أدلة وشواهد لإثباته، وهذا ماقام به علماؤنا الكرام ، وإليكم تلك الشواهد والدلائل :-

1- الحقائق التاريخية:-

"إنّ القضايا التاريخية التي تمّت دراستها من قِبَل أقدم المؤرّخين في العالم تدلّ على عدم وجود دين لدى الأقوام السابقة ، بل كان كلّ قوم يؤمنون بمبدأ العلم والقدرة في عالم الوجود ويعبدونه ، ولو أقررنا بحالات الإستثناء النادرة في هذا الأمر ، فإنّ هذه القضية لا تضرّ بالأصل العام الذي يحكم بأنّ المجتمعات البشرية كلّها كانت دائماً على طريق عبادة الله ( كل قاعدة كليّة لها إستثناءات نادرة ) .
المؤرّخ الغربي الشهير ( ويل دورانت ) في كتابه ( تاريخ الحضارة ) يُقرّ بهذه الحقيقة بعد الإشارة إلى بعض الموارد في الإلحاد الديني ويقول : « إلى جانب هذه القضايا التي ذكرناها فانّ الإلحاد الديني من الحالات النادرة ، وهذا الإعتقاد القديم بأنّ التديّن حالة بشرية عامّة يتطابق مع الحقيقة ... » .

« تعتبر هذه القضيّة من القضايا التاريخية والنفسية الأساسية لدى الفيلسوف ، فهو لا يذعن بأنّ الأديان مملؤة باللغو والباطل بل يلتفت إلى هذه الحقيقة وهي أنّ الدين كان مع التاريخ منذ أقدم العصور » ( تاريخ الحضارة ـ ويل دورانت : ج1 ، ص87).

ويقول في تعبير آخر بهذا الشأن : « أين تكمن التقوى التي لا تفارق قلب الإنسان أبداً ؟ » ( تاريخ الحضارة ـ ويل دورانت : ج1 ص89).

كما يقول في كتابه ( دروس التاريخ ) وبتعبير ساخط ومتألّم : « للدين مائة روح ، كلّما تقتله فإنّه يسترجع الحياة مرّة اُخرى ! » ( الفطرة للشهيد المطهّري : ص153).

ولو كان الإيمان بالله والدين ناشئاً عن تقليد أو تلقين أو دعاية من قبل الآخرين لما كان عاماً وشاملا بهذا الحجم ولما استمرّ طيلة التاريخ . وهذا أفضل دليل على أنّه أمر فطري" ( نفحات القرآن ج3 – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي) .


2- الفطرة هي الهادية إلى الله تعالى وليس التعليم:-

" يستيقظ الشعور الديني في باطن كل إنسان ـ تماماً ـ كبقية الأحاسيس الباطنية دون معلم ودون إرشاد أو توصية من أحد.

فكما يحس الإنسان باطنياً وذاتياً في فترة من فترات حياته أو في كل الفترات بميل شديد إلى أُمور كالجاه أو الثروة أو الجمال أو الجنس وذلك تلقائياً ودون تعليم معلم ، كذلك يستيقظ في باطنه « ميل إلى اللّه » وإحساس تلقائي يدفعه بدون إرادته إلى التفتيش عنه ، وهو إحساس يتعاظم ويتزايد ويظهر ويتجلّى أكثر فأكثر أثناء البلوغ حتى أنّ علماء النفس يتفقون في أنّ بين « أزمة البلوغ » و « القفزة المفاجئة في المشاعر الدينية » في الفرد ارتباطاً وتلازماً لا ينكر.
ففي هذه الأوقات نشاهد نهضة قوية ، واندفاعة شديدة في الشعور الديني حتى عند أُولئك الذين كانوا قبل تلك الفترة غير مكترثين بالدين وقضايا الإيمان.
ويبلغ الشعور الديني ذروته في سن السادسة عشرة حسب نظرية « استانلي هال ».

وأمّا الأشخاص الذين سبق لهم أن تلقّوا تربية دينية في عهد الطفولة ، فلا توجد لديهم مثل تلك النهضة المفاجئة ، بل يمتد الشعور الديني الموجود قبل البلوغ إلى ذلك الوقت دونما مفاجأة.

إنّ ظهور الميل المفاجئ إلى الدين و إلى اللّه ومسائل الإيمان دون تعليم أو توجيه ، لهو أحد الدلائل القاطعة على فطرية هذا الأمر ، وكون هذا الإحساس يظهر فطرياً شأن بقية الأحاسيس الإنسانية الفطرية الأُخرى.

ولكن علينا أن لا نغفل عن نقطة مهمة وهي : أنّ هذا الإحساس ، وكذا بقية الأحاسيس والمشاعر الإنسانية لو لم تحط بالمراقبة الصحيحة والرعاية اللازمة أمكن ـ بل من المحتم ـ أن تعروها سلسلة من الانحرافات وتتعرض للإعوجاج كما هو الحال عند الوثنيين وغيرهم ممن تركوا عبادة اللّه ، وأخذوا بعبادة الآلهة" (مفاهيم القرآن ج1-الشيخ جعفر السبحاني).


3- التجارب الشخصية في الأزمات:-


"إنَّ أغلب الناس جرّبوا هذه الحقيقة وهي : أنّ الإنسان حينما يواجه مشكلات قاتلة ، وشدائد الحياة الصعبة ، ويُبتلى بدوّامات البلاء وحينما توصد بوجهه الأبواب ويبلغ السيل الزبى ، ففي هذه اللحظات المضطربة يورق أمل في أعماق روحه ، يتوجّه إلى المبدأ القادر على حلّ المشكلات كلّها فيتعلّق به ويستمدّ العون منه .

ولا يستثنى من ذلك حتّى الأشخاص الذين ليس لديهم ميول دينية في الظروف الإعتيادية ، حيث تصدر منهم ردود فعل روحية عند تعرّضهم للأمراض الخطرة والهزائم الماحقة " ( نفحات القرآن ج3 – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي).

توضيح: من الشواهد على هذه النقطة - التجارب الشخصية في الأزمات – هي الرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام مع ذلك الرجل ، والتي أوضح من خلالها الإمام الصادق عليه السلام مدى تأثير الشدائد على ظهور نداء الفطرة على سائر البشر.

وهناك شاهد آخر ألا وهو: النداء الذي أظهره مدعي الربوبية فرعون عندما أدركه الغرق ، حيث أعلن إيمانه بالله الواحد القهار ، وهذا دليل على أن الإيمان بالله موجود في فطرة كل إنسان مهما حاول إخفاءه بالجحود والكفران.

لهذا البرهان – برهان الفطرة – تتمة ، سوف أوافيكم بها في الحلقة القادمة -إن شاء الله-.

وفقكم الله

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


الحلقة الثانية
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس