عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2010, 12:10 PM   رقم المشاركة : 5
سلمان الفارسي
شاعر وكاتب وباحث قرآني قدير






افتراضي رد: لاتدركه الأبصار

بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن الذي سأل الرؤية أولا لم يكن موسى {عليه السلام }وإنما كان قومه ،قال تعالى:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة55وقال تعالى{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام أن المأمون سأل الإمام الرضا عليه السلام فقال: كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ قال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالى أعز أن يرى بالأبصار ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا: (لن نؤمن لك) حتى نستمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعه آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى: أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا: (لن نؤمن لك) بأن هذا الذي سمعناه كلام الله: (حتى نرى الله جهرة) فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقه فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى: يا رب ما أقول لبنى إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم؟! لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسى: يا قوم إن الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم بإعلامه فقالوا: (لن نؤمن لك) حتى تسأله فقال موسى: يا رب إنك قد سمعت مقالة بني اسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله: يا موسى سلنى ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى عليه السلام: (رب أرنى أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه) وهو يهوى (فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل) بآية من آياته (جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك) يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وأنا أول المؤمنين) منهم بأنك لا ترى. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن.
أقول:فانظر كيف أن موسى لم يسأل الرؤية من تلقاء نفسه بل سألها قومه ثم إنه لما رأى قومه قد أصروا على الرؤية استأذن الله في سؤال ذلك فسأله ذلك بعد أن أذن له وهو مع ذلك استغفر من هذا السؤال لحيائه من الله عز وجل وشعوره بالجرأة على الذات الإلهية ،قال تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143هذا جواب روائي .
أما من حيث اللغة فإن (لن)التي وردت في قوله تعالى{ لَن تَرَانِي}حرف نفي ينتهي بحرف النون وحرف النون حرف جهري غير ممتد مما يدل على معنى الحسم والقطع لاقصر النفي وضيقه كما يفهم من كلام السهيلي في نتائج الفكر ص130،والألفاظ في العربية يظهر فيها المعنى من صوتها وهذا ليس محل بحثنا في بعض الموارد،ثم إننا لو استقرأنا استعمال لن في القرآن الكريم لرأينا دلالتها على القطع والحسم في موارد التنازع خاصة والمورد الذي نحن فيه مورد تنازع وليس الغرض فيه نفي الرؤية الآن أومستقبلا وإنما الغرض نفيها على القطع على المشكك في إمكانها لاالمشكك في وقت حدوثها ،قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئاً وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ }آل عمران10وقال تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }آل عمران176.
ثم إن هاهنا دليلا على امتناع الرؤية وقبله أقول :إذا علق وجود شيء بوجود شيء آخر فإن وجود الأول تابع لوجود الآخر فإن علقت وجود الأول بوجود آخر ممكن كان وجود الأول ممكنا وإن علقت وجود الأول بوجود آخر مستحيل كان وجود الأول مستحيلا ،وفي قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143علق الله رؤيته باستقرار الجبل،واستقراره غير ممكن ألا تراه قد قال عز شأنه:{ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً}وعليه تصبح رؤية الله غير ممكنة .وقد تكفل علم الكلام وكذلك علم الفلسفة بالجواب العلمي الدقيق على إثبات ذلك ولكن ليس هنا موضعه
والله العالم بأسرار كتابه .

 

 

سلمان الفارسي غير متصل   رد مع اقتباس