الموضوع
:
الاتجاهات المستقبلية لحركة الإجتهاد
عرض مشاركة واحدة
09-05-2010, 10:28 PM
رقم المشاركة :
4
الأبرار
طرفاوي نشيط
رد: الاتجاهات المستقبلية لحركة الإجتهاد
نتائج الانكماش في الهدف
نجم عنه انكماش في الفقه من الناحية الموضوعية فقد أخذ الاجتهاد يركز بأستمرار على جوانب الفقهية الأكثر اتصالاً بالمجال التطبيقي الفردي وأهملت المواضيع التي تمهد للمجال التطبيقي الاجتماعي نتيجة لأنكماش هدفه واتجاه ذهن الفقيه حين الاستنباط غالباً إلى الفرد المسلم وحاجته إلى التوجيه بدلاً عن الجماعة المسلمة وحاجتها إلى تنظيم حياتها الاجتماعية.
وهذا الاتجاه الذهني لدى الفقيه لم يؤد فقط إلى انكماش الفقه من الناحية الموضوعية بل أدى بالتدريج إلى تسرب الفردية إلى نظرة الفقيه نحو الشريعة نفسها فان القفيه بسبب ترسخ الجانب الفردي من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة في ذهنه واعتياده أن ينظر إلى الفرد ومشاكله عكس موقفه هذا على نظرته الى الشريعة فاتخذت طابعاً فردياً واصبح ينظر إلى الشريعة في نطاق الفرد وكأن الشريعة ذاتها كانت تعمل في حدود الهدف المنكمش الذي يعمل له الفقيه فحسب وهو الجانب الفردي من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة.
ولأذكر مثالين من الاصول والفقه تجودن خلالهما كيف تسرب الفردية من نظرة الفقيه إلى هدفه إلى نظرته للشريعة نفسها.
أما المثال الاصولي فنأخذه من بحوث دليل الانسداد الذي يعرض الفكرة القائلة بأننا ما دمنا نعلم بان في الشريعة تكاليف ولا يمكننا معرفتها بصورة قطعية فيجب أن يكون المتبع في معرفتها هو الظن. أن هذه الفكرة يناقشها الأصوليون قائلين لماذا لا يمكن أن نفترض أن الواجب على المكلف هو الاحتياط في كل واقعة بدلاً عن إتخاذ الظن مقياساً واذا أدى التوسع في الاحتياط إلى الحرج فيسمح لكل مكلف بأن يقلل من الاحتياط بالدرجة التي لا تؤدي الى الحرج. انظروا الى الروح الكامنة في هذا الأفتراض وكيف سيطرت على أصحابه النظرة الفردية الى الشريعة فان الشريعة إنما يمكن أن تأمر بهذا النوع من الاحتياط لو كانت تشريعاً للفرد فحسب وأما حيث تكون تشريعاً للجماعة وأساساً لتنظيم حياتها فلا يمكن ذلك بشأنها لأن هذا الفرد أو أذ ذاك قد يتم سلوكه كله على أساس الاحتياط وأما الجماعة كلها فلا يمكن أن تقيم حياتها وعلاقاتها الإجتماعية والاقتصادية والتجارية والسياسية على أساس الاحتياط.
وأما المثال الفقهي فنأخذه من الاعتراض الشهير الذي أثاره الفقهاء حول قاعدة لا ضرر ولا ضرار إذ قالوا أن هذه القاعدة تنفي وجود أي حكم ضرري في الإسلام بينما نجد في الإسلام أحكاماً ضررية كثيرة كتشريع الديات والقصاص والضمان والزكاة فان في تشريع هذه الاحكام أضراراً بالقاتل الذي يكلف بالدية وبالقصاص, وأضرار بالشخص الذي يتلف مال غيره إذ يكلف بضمانه, وأضراراً بصاحب المال الذي يكلف بدفع الزكاة.
أن هذا الاعتراض يقوم على اساس النظرة الفردية إلى التشريع فان هذه النظرة هي التي أتاحت لهم أن يعتبروا هذه الأحكام ضررية بينما لا يمكن أن تعتبر هذه الأحكام ضررية في شريعة تفكر في الفرد بوصفه جزءاً من جماعة ومرتبطاً بمصالحها بل أن خلو الشرعية عن تشريع الضمان والضرائب يعتبر أمراً ضررياً.
وقد كان من نتائج ترسخ النظرة الفردية قيام اتحاه عام في الذهنية الفقهية يحاول دائماً ل مشكلة الفرد المسلم عن طريق تبرير الواقع وتطبيق الشريعة عليه بشكل من الأشكال.
فنظام الصيرفة القائم على أساس الربا مثلاً بوصفه جزءاً من الواقع الاجتماعي المعاش يجعل الفقيه يحس بأن الفرد المسلم يعاني مشكلة تحديد موقفه من التعامل مع مصارف الربا ويتجه البحث عندئذ لحل مشكلة الفرد المسلم عن طريق تقديم تفسير مشروع للواقع المعاشي بدلاً عن الاحساس بأن نظام الصيرفة الربوي يعتبر مشكلة في حياة جماعة كل حتى بعد أن يقدم التفسير المشروع للواقع المعاش من زاوية الفرد وليس ذلك إلا لأن ذهن الفقيه في عملية الأستنباط قد أستحضر صورة الفرد المسلم والمشكلة بالقدر الذي يرتبط به بما هو فرد.
وقد أمتد أثر الانكماش وترسخ النظرة الفردية للشريعة إلى طريقة فهم النص الشرعي أيضاً فمن ناحية اهملت فهم النصوص شخصية النبي أو الامام كحاكم ورئيس للدولة فاذا ورد نهي عن النبي مثلاً كنهيه أهل المدينة عن منع فضل الماء فهو أما نهي تحريم أو نهي كراهته عندهم مع أنه قد لا يكون هذا ولا ذاك بل قد يصدر النهي من النبي بوصفه رئيساً للدولة فلا يستفاد منه الحكم الشرعي العام.
ومن ناحية أخرى لم تعالج النصوص بروح التطبيق على الواقع واتخاذ قاعدة منه ولهذا سوغ الكثير لأنفسهم أن يجزئوا الموضوع الواحد ويلتزموا بأحكام مخلتفة له وأستعين على ترضيخ الفكرة بمثال من كتاب الأجارة فهناك مسألة هي أن المستأجر هل يجوز له – بدوره – أن يؤجر العين بأجرة أكبر من الأجرة التي جفعها هو حين الايجار ؟ وقد جاءت في هذه المسألة نصوص تنهي عن ذلك والنصوص كعادتها في أغلب الاحيان جاءت لتعالج مواضيع خاصة فبعضها نهى عن ذلك في الدار المستأجرة وبعضها نهى عن ذلك في الرحى والسفينة المستأجرة وبعضها نهى عن ذلك في العمل المأجور ونحن حين ننظر إلى هذه النصوص بروح التطبيق على الواقع وتنظيم علاقة احتماعته عامة على أساس سوف تتوقف كثيراً قبل أن نلتزم بالتجزئة وبأن النهي مختص بتلك الموارد التي صرحت بها النصوص دون غيرها وأما حين ننظر إلى النصوص على مستوى النظرة الفردية لأعلى مستوى التقتين الاجتماعي فاننا نستسيغ هذه التجزئة بسهولة.
الأبرار
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن كل مشاركات الأبرار