والشيعة سعوديون أيضاً !
تركي الدخيل*الوطن السعودية
نعيش هذه الأيام أجواء مسممة بالطائفية!
خطب هنا وهناك، مطالبات بالاعتذار من الطائفتين المتناحرتين على مر التاريخ؛ السنة والشيعة، من دون أن نعي حجم المصيبة التي ستحل بنا في حال استسلمنا للمد الطائفي المغرض المدعوم من قبل قوى إقليمية تعيش بالأساس على تغذية العرقية والإثنية والطائفية. هناك فرق بين الواقع الطائفي الذي تمر به المنطقة، وبين الاستسلام للطائفية والدخول في ماكينتها المؤذية. فكوني من السنة لا يعني أنني أصطف ضد سعودي آخر هو شريكي في المواطنة، وشريكي في العيش. فلماذا غلبت الطائفية على خطاباتنا، وغاب تكريس الوطن غياباً مؤلماً؟!
إن التنابز الطائفي النشط داخلياً وخارجياً، لم يكن لينجح لولا الاستجابات النفسية عند الطرفين لأن يتنابزا من دون حدود أو قيود، من دون -حتى- تدخل حكماء الطائفتين لإخماد هذه النار المضطرمة، التي لو وصلت إلى خيمة الوطن بذات قوتها المحرقة في العراق؛ فإننا سنشهد خيمتنا وقد أكلتها ألسنة نار الطائفية التي لا ترحم.
إن الاضطهاد الذي يمارس على السنة في بعض المناطق المحكومة بنفوذ شيعي لا يعني مشروعية قيام السنة باضطهاد الشيعة في البلدان التي يحكمونها. هذه حسبة انتقامية غير مجدية. لكن من الحكمة أن نخرج عن الجدل الطائفي، وعن أحاديث الاضطهاد لنهتم بوطننا، مهما كانت طوائفنا، وأياً كانت انتماءاتنا، من دون التأثر بالأجواء الخارجية المحتقنة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
لماذا طغى الاصطفاف الطائفي، على الالتئام الوطني؟ هذا السؤال بالذات هو المدخل لأي تفكير بتخفيف حدة الصراع. أظن أن السبب يعود إلى ما يمكن تسميته بالاستعداد للاستجابة السلبية، أكثر من الاستعداد للاستجابة الإيجابية لدينا، بسبب التخلف القديم المرتبط بالروايات التاريخية. إن كل إمكانات التقارب والتمازج متاحة، يكفي أن نستذكر تاريخ التعايش بين السنة والشيعة في السعودية، اشتركوا في التجارة والأسفار، فما الذي يحول بيننا وبين إعادة أمجاد التعايش تلك؟!
إنها نماذج تعكس حساً إنسانياً نحن بأمس الحاجة إليه، وتعكس إحساساً عالياً بقيم المواطنة، والاشتراك في المغنم والمغرم، التعلق بالوطن على الحلوة والمرة!
المقال الثاني
الجهل بالسياسة..العريفي نموذجاً
عبدالرحمن الراشد * الشرق الأوسط اللندنية
تحولت عظة رجل دين سعودي، هو الشيخ محمد العريفي، إلى قصة سياسية في إيران والعراق والكويت. قال الكلمة الخاطئة في التوقيت الخاطئ. وقد اعتدنا على مثله، مما يقوله بعض رجال الدين في عرض المنطقة وطولها، على المنابر والمواقع والمحطات الفضائية، ولا يؤاخذون عليه مهما بلغ من الشطط لأنه ليس إلا كلاما فرديا.
الشيخ العريفي واحد من ألف من الوعاظ الذين انخرطوا في التراشق الطائفي، وذهب هذه المرة حد نقد المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني. وكان يمكن أن يذهب كلامه جفاء لولا أنه جاء في الوقت المناسب، حيث الانتخابات العراقية التي ستقرر مصير هذه الدولة المهمة لسنوات أربع مقبلة، فاستُخدم كلامه ورقة دعائية للمتطرفين من إيرانيين وعراقيين محسوبين عليهم. ولحسن الحظ أن قلة تفاعلت معه والأكثرية استهجنته، ولحسن الحظ أيضا أننا في وقت تتراجع فيه الفتنة الطائفية السنية الشيعية ليس بفضل العقلاء بل بسبب أن غلاة كل طائفة آذت أولا أبناء طائفتها. فمشكلة السعودية اليوم مع غلاة السنة وضالتهم، كما يعاني العراق من ميليشياته الشيعية المتطرفة، ومشكلة الإيرانيين مع نظامهم المتطرف. والمفاجأة ما أظهرته الانتخابات المحلية الماضية، حيث إن أكثرية شيعية في العراق اختارت مرشحيها بناء على برامجهم التنموية لا على شعاراتهم الدينية.
لكن إقحام الدين في السياسة موجود اليوم وسيستمر. وقد ازداد غرام رجال الدين بالعمل السياسي منذ التسعينات، واتسعت شهيتهم للسلطة بعد ظهور تنظيم القاعدة، حيث صار كل طرف يريد جر رجال الدين إلى جانبه. وها هو نظام نجاد في طهران يحاول اللعب على الرابطة الإسلامية باستخدام الجماعات السنية والشيعية معا في مواجهته للغرب وتوسيع نفوذه السياسي وهيمنته على المنطقة. المفارقة أن أكثر ممول للحركات السنية المتطرفة في المنطقة اليوم هو نظام طهران وليست الرياض أو القاهرة.
الاستخدام السياسي للدين ليس جديدا ويصبح خطرا أكثر عندما ينخرط فيه أناس بلا دراية باللعبة نفسها، وهذا ما حدث مع العريفي الذي خدم متطرفي إيران والعراق. فهو تهجم على أهم رموز الطائفة الشيعية. وآية الله السيستاني ليس فقط أهم المراجع الشيعية، بل في مقدمة دعاة الاعتدال والتعايش، وكان صمام الأمان في العراق طوال السنوات الست الخطرة الماضية، وحال بحكمته دون انزلاق العراقيين في وحول الفتنة الطائفية والحرب الأهلية. وقد حاول المتطرفون من الطرفين جره إلى المعركة إلا أنه بقي بعيدا عنها، بل وقف ضدها. وفي وقت نشاط تنظيم القاعدة في العراق بقيادة الزرقاوي سعى، ودعا صراحة، إلى عدم إشعال حرب أهلية باسم الطائفة وضرب الرموز والأماكن ونشر الخطب ضد الشيعة. كما سعت الميليشيات الشيعية إلى إحراجه وجره إلى أن يكون طرفا ضد سنة العراق لكنه ابتعد عن الفتنة.
العريفي مثله مثل كثيرين لا يفهمون السياسة، ويصدقون ما يسمعون من خزعبلات، وهناك مثله على الجانب الشيعي من أئمة يهاجمون الرموز الدينية السنية ويحرضون على السنة. وليس علينا إلا أن نتعامل معهم أولا بتوعيتهم بدورهم
..
أنتظرونا في الحلقة المقبلة !