عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2004, 09:38 PM   رقم المشاركة : 1
رستم
أديب متألق
 
الصورة الرمزية رستم
 







افتراضي

<div align="center">السلام عليكم

اللهم صلي على محمد وآل محمد
هذه إقصوصة متواضعة . للتو جادت به قريحتي .
أرجو أن تنال على إعجابكم . وهي بعنوان :

مغامرات ياسين

في قاعة صغيرة .. و بالقرب من احدى نوافذ مقصف المدرسة .
كان يحلم ( ياسين ) بقطعة كعك أو خبز محشي بالسعتر ولا بأس
بكوب من العصير المنعش . ليشارك رفاقه في الأكل على طاولة واحدة . كان طالباً متفوقاً ..
متقد الذكاء وشديد الفطنة . لايكاد أحد هنا في المدرسة يجهل
مستوى نبوغه . تقدم ناحية المقصف وهو لا يملك من المال شئ . حاول أن يُسكت صفير معدته بكلتا يديه كي يُداري بهما جوعه فما استطاع .. ولو تمثّلَ له الجوع على هيئة رجل لمزقه إرباً إربا .
في كل مرة يترائى له أصنافاً من أطايب الطعام والشراب أمامه و لايقبض غير السراب .
أخذ هذا المشهد يزعجه كثيراً كل يوم . الجميع هنا منشغلون في ملء بطونهم . دون أن يمنحوا لهذا المحروم نظرة حانية يمسح عنه آلامه ويخفف عنه حسرته . فمنذ أسابيع مضت لم يحضى ياسين من أبوه مصروف يومه ولا قرشاً واحداً . عقاب ما اقترفت يداه في ذلك اليوم .. حينما سرق منه خمسون ريالاً دفعة واحدة . لَيحفل بوجبة لذيذة برفقة أصحابه في احدى المطاعم الفاخرة . و لكن شعوره بالحرمان جعل منه فجأة ذئباً مسعوراً . يسرق ويهرب بعيداً دون تعقب الأمور .

<span style='color:red'>الهروب :

وبينما هو كذلك إذ قفزت في ذهنه فكرة شاردة ..
صرخ على إثرها ياسين بصوت غير مسموع : وجدتها .. وجدتها .
لم يشأ أن يُخبر أحد بما يدمدم في خاطره و ماينوي فعله . إلا ذلك المعتوه وليد .. اصطحبه على وجه السرعة إلى أحدى أروقة المدرسة . إذ ما كان يخطر ببال ياسين أبداً فكرة الهروب من المدرسة . ولكن شئ ما يُلح عليه و بشدة ويدعوه لتجاوز كل
مايعيق خطوه أو يحول بينه وبين بُغيته . تخطى أسوار المدرسة برشاقة عالية ليقرر الرحيل عنها من غير رجعة ..
لاذ هو وصاحبه بالفرار الى احدى أكواخ المزرعة المجاورة .
و وليد هذا لا طاقة له في فهم مايدور من حوله. فهو كالأبله .
لا يُكلف نفسه بالسؤال حتى في أبسط الأمور . إلا أنه في هذه المرة استجمع قوته و صرخ كالفأر في وجه ياسين :
لن أرحل معك حتى تتكفل بإطعامي . فأنا لم أذق طعم الكافيار من قبل .
ياسين : و ما الكافيار ؟..
وليد : لا أدري .. لابد أن طعمه لذيذ .
ياسين : يا لك من أبله . كيف نحصل على الطعام وجيوبنا خاوية من النقود . تحرّك بسرعة وإلا فاتنا الوقت .

في البستان :
الصمت يطبق على كل شئ في المزرعة سوى من همهمات البهائم هنا وهناك . و لأنه لايوجد أحدٌ في المزرعة فقد أطلق ياسين ساقيه للريح هو وصاحبه . متوجهان الى باب الكوخ الخلفي . ولما وصل أخيراً شرفة الباب . تلكأ قليلاً في مشيته . وأخذ يتئد في خطواته . جال بنظره ذات اليمين وذات الشمال . خوفاً من أن يراه أحد . ولما اطمئن . اقرب عينه اليمنى لثقب صغير كان في الباب . ولم يرى سوى
العتمة . ولما أمعن النظر جيداً تأكد أنه لا يوجد أحد بالداخل .
أمسك بمزلاج الباب بقوة ثم دفع الباب بحذر شديد . و قبل أن يلج للداخل إلتفت الى وليد وطلب منه مراقبة المكان . ريثما ينجز عمله . أدخل قدمه اليمنى بعناية ثم اتبعها بالثانية وكأنه يتقي شيئاً قد كُسر . تقدّم لعدة خطوات بخفة عالية . الى أن توسط الكوخ . أخذ يُمعن النظر في أحدى زواياها وتحديداً إلى ذلك البرميل الممتلئ بالتمر وبقايا من كسرات الخبز . استجمع قواه وشمّر عن ساعديه ليزحزح ذلك الشئ الثقيل ويزيحه لبضع سنتيمترات . احتضن البرميل وشدّ وثاقها بكلتا يديه وأبعدها بقوة فائقة . كان البرميل ثقيلاً جداً لولا قوة عزيمته
وشدة بأسه . جثم فوراً على ركبتيه ليحفر مكان البرميل . إلا أن
يداه لم تسعفاه لحفر المزيد . ربما لم يعتد على ذلك . أصيب بخيبة
أمل شديدة . أخذ يرغو و يزبد وينتفض غضباً . فورة الغضب تعلو سحنته دائماً . لا يدري أيستثني هذه البقعة من الأرض أو يبحث عن غيرها . لقد تذكّر شيئاً . حاول أن يبحث عن آداة معدنية أرجاء الكوخ . حتى كان له ما يريد . قضيب حاد يؤدي الغرض . فشرع بالحفر ضربة تلو الضربة و يبدأ بعدها بالحفر من جديد . وبالرغم من مشقة عمله إلا أنها لم تثني عزيمته بل تابع الحفر بإجتهاد بالغ . ولما بلغ الأمر كذلك وإذا بصوت غريب نجم عن ارتطام القضيب بجسم معدني كان قد خبأها صاحب المزرعة عن أعين الناس إلا منه . العتمة في هذا الركن لم تتح لياسين بعد رؤية ذلك الشئ بوضوح . حتى راحت يداه التي لاتزال تنبض بالحيوية تعلن عن بأسها في اكمال ما كان يصبو إليه . فأخذ يحفر بهمة المجتهدين وخفة المحتالين . شعر بعدها ياسين بارتياح شديد . فبعد دقائق انكشف المستور وبان ما لم تستطع عيناه تصديقه من هول مارآه . راح قلبه يدق بشدة وهو ينظر إلى ذلك الصندوق . يا إلهي . ما أجمل هذه الأوراق . وماأجمل رائحتها .. غاصت يداه على كنز ثمين تحوي بداخلها حزم كثيرة لآلاف الريالات وعشرات القطع المعدنية البيضاء منها والصفراء . حتى سمع صوت البوق وهي تطن في أذنه . إيذانا بانتهاء الفترة الترويحية بين الحصص ..
فاستيقض بعدها ياسين .. وقد صفعته الحقيقة للمرة الألف .
ونظر إلى كفيه فابتسم .. ثم أجهش بالبكاء ضاحكاً وفي يديه بقايا
تراب وألم .</span></div>

تقبلوا فائق تحياتي وفي أمان الله

 

 

 توقيع رستم :
رستم غير متصل   رد مع اقتباس