وإليك الآن الكلام على سورة النساء:
قال الصابوني: سورة النساء إحدى السور المدنية الطويلة ، وهي سورة مليئة بالأحكام الشرعية، التي تنظم الشؤون الداخلية والخارجية للمسلمين ، وهي تعنى بجانب التشريع كما هو الحال فى السور المدنية، وقد تحدثت السورة الكريمة عن أمور هامة تتعلق بالمرأة ، والبيت والأسرة، والدولة ، والمجتمع ، ولكن معظم الأحكام التي وردت فيها كانت تبحث حول موضوع النساء ولهذا سميت "سورة النساء" !!
تحدثت السورة الكريمة عن حقوق النساء والأيتام – وبخاصة اليتيمات – في حجور الأولياء والأوصياء ، فقررت حقوقهن فى الميراث والكسب والزواج واستنقذتهن من عسف الجاهلية وتقاليدها الظالمة المهينة.أقول:كل ذلك مندرج تحت عناوين طرحتها السورة ومنها :الربوبية وذلك في قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الفاتحة2فإن مقتضاها أن يرعى الله {عز وجل }شؤون عباده ليربيهم ،وإن النساء والأيتام خلق ضعيف والخلق الضعيف أحق بالرعاية والحفظ والتدبير ولما كان الرجل موصى بهذا سمي :رب البيت .
ومن العناوين أيضا :الرحمة وذلك في قوله تعالى:{ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}3الفاتحة،فإنا قلنا آنفا إن النساء والأيتام خلق ضعيف وأحق الخلق بالرحمة هو الخلق الضعيف ،وقد روى سماعة عن الإمام الصادق أن النبي {صلى الله عليه وآله وسلم}قال:اتقوا الله في الضعيفين.يعني بهما النساء والأيتام .انظر :تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ج2ص569
ومن العناوين أيضا :المسؤولية أمام الله {عز وجل}والتي يشعر بها قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }الفاتحة4فإن المرء إذا علم أن ثمة يوما يحاسب فيه اتقى الله {عز وجل}وخافه فيمن وكل به فأعطاه حقه ،ووفَى ماوجب له عليه ،ولذلك ورد في الرواية عن رسول الله {صلى الله عليه وآله وسلم}أنه قال:كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته.انظر :الرسالة السعدية ،للعلامة الحلي ص149
ومن العناوين أيضا :العبادة ،فإن القيام بشؤون النساء والأيتام عبادة يتقرب بها إلى الله عزوجل ولذلك وردت الوصية بهن في الروايات ،روى الشيخ الصدوق {رحمه الله}في الخصال عن رسول الله{صلى الله عليه وآله وسلم}أنه قال: أيها الناس إن النساء عندكم عوان ،لايملكن لأنفسهن نفعا ولا ضرا،أخذتموهن بأمانة الله ،واستحللتم فروجهن بكلمات الله فلكم عليهن حق ولهن عليكم حق ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يعصينكم فى معروف فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولا تضربوهن...الخصال ص487أما ماورد في حق الأيتام فحسبك مارواه الميرزا النوري في مستدرك الوسائل عن رسول الله{صلى الله عليه وآله وسلم}أنه قال: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَأَشَارَبإصبعيه السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .ص474وقد ذكر العلامة المجلسي في البحار أن هذا الحديث متفق على روايته و مجمع على صحته،انظرج35ص117
ومن العناوين أيضا :الهداية فإن الناس لقصورهم محتاجون إلى أن يتعلموا كيف يعنون بالنساء والأيتام فإن الخالق أعلم بما خلق قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14 ،فعلى هذا لم يدع الباري عزوجل خلقه بلا هداية عامة ومنها ما يتعلق بهذا الباب، ولذلك وردت في القرآن الكريم آيات تتحدث عن حقوق النساء والأيتام .وقال الصابوني:
وتعرضت لموضوع المرأة فصانت كرامتها، وحفظت كيانها، ودعت إلى إنصافها بإعطائها حقوقها التي فرضها اللـه تعالى لها كالمهر ، والميراث ، وإحسان العشرة.
كما تعرضت بالتفصيل إلى" أحكام المواريث " على الوجه الدقيق العادل ، الذى يكفل العدالة ويحقق المساواة ، وتحدثت عن المحرمات من النساء (بالنسب، والرضاع ، والمصاهرة) .
وتناولت السورة الكريمة تنظيم العلاقات الزوجية وبينت أنها ليست علاقة جسد وإنما علاقة إنسانية ، وأن المهر ليس أجرا ولا ثمنا، وإنما هو عطاء يوثق المحبة، ويديم العشرة، ويربط القلوب.
ثم تناولت حق الزوج على زوجته، وحق الزوجة على زوجها، وأرشدت إلى الخطوات التي ينبغي أن يسلكها الرجل لإصلاح (الحياة الزوجية)، عندما يبدأ الشقاق والخلاف بين الزوجين، وبينت معني "قوامه الرجل" وأنها ليست قوامة استعباد وتسخير ، وإنما هي قوامة نصح وتأديب ، كالتي تكون بين الراعي ورعيته.أقول :انظر ماقلناه آنفا فهذا محله أيضا .ثم قال الصابوني:
ثم انتقلت من دائرة الأسرة إلى "دائرة المجتمع" فأمرت بالإحسان في كل شيء، وبينت أن أساس الإحسان التكافل والتراحم، والتناصح والتسامح ، والأمانة والعدل، حتى يكون المجتمع راسخ البنيان قوي الأركان.
أقول:قد أثارت سورة الفاتحة الحس الاجتماعي ،وذلك بصياغة خطابها على نحو الجمع ،فانظر ماذا يقول ،إنه يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ #اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة5-6،ولم يقل: إِيَّاي تعْبُدُ وإِيَّا تسْتَعِينُ #اهدِنَــــي الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ،الذي هو خطاب فردي يصنع الأنانية ،فإذا أثير الحس الاجتماعي في الإنسان بعثه ذلك على الإحسان والتكافل والتراحم والتناصح والتسامح ، والأمانة والعدل، فيكون المجتمع راسخ البنيان قوي الأركان.
ثم قال الصابوني:
ومن الإصلاح الداخلي انتقلت الآيات إلى الاستعداد للأمن الخارجي الذي يحفظ على الأمة استقرارها وهدوءها، فأمرت بأخذ العدة لمكافحة الأعداء، كفرة كانوا أم منافقين!
أقول:إن ممارسة العبادة لا تكون والمرء في غير أمن ممارسة تامة فلا بد من تحقيق الأمن للإنسان لكي يمارس عبادة ربه ،فأنت وقد أزمعت عبادته إنما تسأله الأمن أيضا بل إن من أسباب الأمن أن يعبد الله{سبحانه وتعالى} ويخضع له أي أن يكون الإيمان به شأن الناس ،قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82أتراه يأمرك بعبادته ثم لايهيء لك الأمن ؟
ثم قال الصابوني:
ثم وضعت بعض قواعد المعاملات الدولية بين المسلمين والدول الأخرى المحايدة أو المعادية.
أقول :وهذا يندرج تحت مصاديق الهداية ،فإن الناس لن يكونوا على ملة واحدة ،فإذا كانوا كذلك فإنهم سيختلفون ،فكيف يتعامل المؤمنون مع هذا الاختلاف ؟إنه لابدلهم من هداية الله {عزشأنه}.
ثم قال الصابوني:
واستتبع الأمر بالجهاد حملة ضخمة على المنافقين، فهم نابتة السوء وجرثومة الشر التي ينبغي الحذر منها ، وقد تحدثت السورة الكريمة عن مكايدهم وخطرهم.
كما نبهت إلى خطر أهل الكتاب وبخاصة اليهود وموقفهم من رسل اللـه الكرام.
ثم ختمت السورة الكريمة ببيان ضلالات النصارى في أمر المسيح (عيسى ابن مريم) حيث غالوا فيه حتى عبدوه ثم صلبوه (( أي زعموا أنه صلب وقد أحسن من قال : إذا صـلب الإلـه بـفـعـل عـبـد يـهـودي فـمـا هـذا الإلـه ؟)) مع اعتقادهم بألوهيته، واخترعوا فكرة (التثليث)فأصبحوا كالمشركين الوثنيين ، وقد دعتهم الآيات إلى الرجوع عن تلك الضلالات ، إلى العقيدة السمحة الصافية (عقيدة التوحيد) وصدق اللـه حيث يقول: [ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما اللـه إله واحد].
أقول:قد تكلمنا فيما مضى عن مثل ذلك فعد إليه فإن العود أحمد.والله أعلم بأسرار كتابه.
-