من مدونتي!
الخطابة بين الأصالة والتجديد
عزيزي" حتماً ستزول "
لاحظ أننا هنا نناقش مسألة الخطابةعلى المنبر الحسيني !!
والذي تقوم رسالته التوجيهية إلى إحياء علوم أهل البيت وبيان خطهم الرسالي !! وما يصبغ هذا المنبر من نبرة حزن ملازمة له ؛ فما هي سوى أحد الوسائل المتبعة لتحقيق ذلك الهدف !!
والخطابة لها وجهان :
الوجه الأدبي : باعتبارها أحد الفنون الأدبية التي يبرع فيها البعض ولها أنواعها وقواعدها التي اهتم بها أهل الأدب !!
الوجه العلمي : باعتبارها أحد الوسائل المتبعة لإيصال رسالة ما !! وتعتبرأقدم وسيلة عرفها الإنسان لمخاطبة الأعداد الكبيرة من الناس !! لأنها لا تحتاج لوسائل مساعدة أخرى غير لسان المتحدث الذي لا يخلو متحدث منه !!
كلمة الخطابة توحي لنا بأننا أمام شخص يتحدث في الناس !! وأن هذا الشخص لديه ما يقدمه للناس من معلومات تغيب عنهم بشكل أو آخر !! أي أنه لديه ما يفيض على علمهم !! وهو ما يجعلهم يلتفون حوله لإبلاغهم رسالته !!
ولأننا نعيش في القرن الحادي والعشرون !! فنحن أمام زمن له دولته ورجاله !! ومن هنا لا بد أن يأخذ أي خطيب في الإعتبار الزمان والمكان الذي يخطب فيه !! والمستوى الثقافي والإجتماعي والإقتصادي للمستمعين !!
وقبل أن أسرح بعيداً !! سأقف أمام تجربة شيعية أصيلة في التعامل مع المنبر الحسيني !!
بطل هذه التجربة رجل يدعى ( أحمد الوائلي ) !!
هل سمع أحدكم به ؟!
كان الوائلي خطيباً رائداً وداعياً نموذجياً !! عرفته شعوب المنطقة والمجتمعات الأخرى بخطابته الرائدة والمفيدة والموضوعية !! حيث اتسمت خطابته من خلال ريادته في التطوير وما يحظى به ما يطرحه من حضور فاعل وقبول مميز عند الجمهور وعند النخبة الفكرية والمثقفة !! لما يمتاز به أسلوبه من موضوعية ومنهجية ومتانة تحقيقية ورصانة.
هذا الرجل توفرت في محاضراته عوامل جعلته نموذجاً يفخر به شيعة أهل البيت عليهم السلام !!
1- أنه يبدأ محاضرته بآية قرءانية ( وهو ما يوحي بمضامين عدة أهمها أن مذهب أهل البيت قرءاني الأصول !! وكذلك يجذب الآخر لمتابعة محاضرته من غير الشيعة )!!
2- امتاز بسعة اطلاعه !! وحرصه على توفير المعلومة بشتى الرؤى والمدارس والأفهام للقضية قيد البحث !! فكان يحرص أن ينقل رأي هذه المدرسة الفقهية كما يحب أصحابها أن ينقلوها مبرزاً أسباب قولهم هذا أوذاك !! وهو ما يضيف للمحاضرة جواً معرفياً ثقافياً ذي مستوى عال من المصداقية !!
3- حرصه على مواكبة العصر !! وقراءة كل ما يمت للموضوع قيد البحث من دراسات وابحاث !! سواء فقهية أو تاريخية أو علوم طبيعية وإنسانية وغيرها !!
4- قدرته المتميزة على قراءة الأحداث السابقة بمنظور حديث !!
5- بعده عن الخلافات البـينية بين أبناء المذهب الواحد !! فلم يستخدم منبره للتهجم على هذا الرمز أو ذلك !!
وسأعود إن شاء الله لتسليط الضوء على كتاب الشيخ الوائلي ( تجربتي مع المنبر ) !! إذا سمحت الظروف بذلك !!
ولكن في هذه الحصة سأكتفي بطرح نقطة أزعم أنها موجودة في وسطنا الإسلامي الشيعي وهي :
أنه مع انتشار التعليم بين جميع طبقات الشعب وتوفر وسائل الإعلام من كتب وصحف وإذاعات مرئية ومسموعة وتطور وسائل الإتصالات السريعة كالإنترنت وغيره !! كلها فرضت واقعاً جديداً !! حيث أصبحت المعلومة متوفرة عند العامة وغير مقتصرة على طلبة العلوم الدينية !!
وهو ما يجعل الخطيب يعتبر أحد مصادر المعلومات وليس كلها !!
ولأن الخطيب أحد مصادر المعلومات !! فإن ذلك يعني أنه أمام بدائل أخرى ومنافسة من وسائل أخرى يمكن أن يلجأ لها المستمع للحصول على المعلومة !!
وأمام هذا التحدي !! الناشء عن تعدد الخيارات أمام المستمع !! يقف الخطيب على مفترق طرق !!
هل يراوح مكانه محافظاً على نفس الأسلوب والطريقة التي يتبعها سابقاً ؟!
أم يدخل في جو المنافسة ؟! آخذاً بعين الإعتبار كيف له أن يبرز بين الآخرين !!
لاشك أننا نقف أمام جيلٍ يذهب للمآتم أحياناً بنية القيام بالعمل التعبدي فقط !! بحجة أنه يمارس عملاً تعبدياً اعتاد القيام به منذ صغره !! وأنه يستجيب لدافع نفسي يحثه لحضور هذه المجالس !! لأن عدم حضوره يوقعه في عتب نفسي معين !! لذا يذهب لهذه المجالس بنية مبـيتة أن الخطيب المتحدث لن يقدم له جديداً !! وأن خطاب طالب العلوم الدينية تقليدي لا مواكبة للعصر فيه !!
وربما تنتشر بين أوساط هذا الجيل التنقل من قرية لأخرى بحثاً عن الخطيب الذي يرون فيه مواكبة للعصر كما يزعمون !! وهو ما يضعف إحياء شعائر عاشوراء في هذه القرية أو تلك !! نظراً لنزوح أعداد تقل أو تكثر من أبناء قريتها للقرى المجاورة !!
قد يقول قائلكم :
ما هي متطلبات ( جيل آخر زمن ) من الخطيب ليفوز بحضورهم ؟!
في إجابتي على هذا السؤال أكتفي بنقطة أظن أنها إذا ما توفرت في أي خطيب فإن ( جيل آخر زمن ) سيكثر تحت منبره !! وهي :
المصداقية والموضوعية !!
حيث ينشأ هذا الجيل في زمن كثرت فيه الوسائل الإعلامية !! ويرى أبناء هذا الجيل كيف تـتنافس الأقنية المختلفة في جمع الرأي والرأي الآخر !! وتفسح المجال له ليشارك برأيه في مناقشة هذا الرأي أو ذلك !! وتترك له المجال واسعاً ليتخذ قراره الذاتي إن مع هذا الرأي أو ذلك !!
ولمخاطبة هذا الجيل يتطلب الأمر مناقشة أي موضوع بقدر عالٍ من الموضوعية !! وطرح الرأي المخالف كما يقدمه أصحابه دون تحريف !! لأن ( أبناء جيل آخر زمن ) لا يستمدون معلومتهم من الخطيب وحده !! بل لديهم مصادر معلومات أخرى !! فحين يقدم هذا الخطيب معلومة معينة !! قد يكون المستمع لديه معلومة تنفي هذه المعلومة التي أخبر بها الخطيب من وسائل المعلومات الأخرى !!
فحين يهمل الخطيب هذه النقطة فهو سيقع في مطب البعد عن المصداقية والموضوعية !! وهو ما ينفر أبناء هذا الجيل منه !!