عرض مشاركة واحدة
قديم 24-03-2009, 09:14 PM   رقم المشاركة : 16
ابن المقرب
كاتب قدير







افتراضي رد: هل قرأت نهج البلاغة ( حلقات ) ؟!!

الحلقة الرابعة

من هو الشريف الرضي ؟
وماذا جاء في مقدمته ؟
وما منهجية جمعه لنهج البلاغة ؟

# ترجمة موجزة عن الشريف الرضي :
ـ الشريف الرضي الملقب بأبي الحسن هو : محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم (ع) . فنسبه شريف وعالٍ فالإمام الكاظم (ع) يكون جده السادس .
ـ وأمه هي : السيدة فاطمة بنت الحسين بن الحسن الأطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر ابن الإمام علي بن أبي طالب (ع) .
ـ ولد سنة 359 هـ ، وتوفي في 6/1/406هـ ودفن بكربلاء .
ـ أما والده : فلقد كان عظيم المنزلة والعلم في الدولتين العباسية والبويهية ، لقب بالطاهر الأوحد ، وولي نقابة الطالبيين خمس مرات ، وله خدمات للمذهب ، ولقد رثاه كثير من الشعراء كابنه المرتضى والرضي ، ومهيار الديلمي ، وأبو العلاء المعري . ولقد ورث الشريف النقابة عن أبيه .
ينقل صاحب الغدير الأميني ، قصة رؤيا الشيخ المفيد حينما رأى السيدة الزهراء في المنام أنها أتت بابنيها الحسنين ، وسلمتهما له ، وقالت : علمهما الفقه ، فانتبه متعجباً ، وحين النهار ، جاءته فاطمة بنت الناصر ( أم الشريف الرضي والمرتضى ) وقالت له بعد سلمت له ابنيها الشريفين : علمهما الفقه !!!
فتبين للشيخ المفيد علو مقام هذين الصبيين وأن ورائهما مستقبل باهر في العلم والأدب .

# ولقد تتلمذ الشريف الرضي على أساتذة ، منهم :
1ـ المرزبان السيرافي .
2ـ ابن نباتة .
3ـ الحسن الفارسي النحوي .
4ـ محمد المرزباني .
5ـ هارون التلعكبري .
6ـ عثمان ابن جني الموصلي .
7ـ الشيخ المفيد محمد بن نعمان .
وكان ممن تخرج على يده : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، ويكفيه بذلك فخراً .
# ألف عن حياة الشريف الكثير ، مثل ما كتبه :
1ـ الشيخ عبد الحسين الحلي النجفي في مقدمة تفسيره ( تأويل القرآن في متشابه التنزيل )
2ـ زكي مبارك ( عبقرية الشريف الرضي ) .
3ـ الشيخ محمد رضا ابن الشيخ الهادي الكاشف الغطاء
4ـ محمد هادي الأميني .
5ـ الدكتور محفوظ .
6ـ الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب الغدير ... وغيرهم .

# مؤلفات الشريف الرضي :
1ـ نهج البلاغة ( مختارات من الخطب والرسائل والحكم لأمير المؤمنين (ع)) .
2ـ خصائص الأئمة .
3ـ المجازات النبوية .
4ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل ( وقد عثر على الجزء الخامس فقط !!!) ويحتمل العلماء أن هذا التفسير ربما يقارب الثلاثين مجلداً .
5ـ تلخيص البيان في مجازات القرآن .
6ـ الديوان المطبوع من مجلدين .
... وغيرها .
وللأسف فإن الغالب الأعظم من نتاجاته لم يصل إلينا ، ونجهل الأسباب التي حالت دون وصولها ، فتفسيره الذي ربما يربو على ثلاثين مجلداً ، والذي حصل منه المحققون فقط على الجزء الخامس يعد خسارة كبيرة في عالم التفسير واللغة والعلوم والمباحث المتنوعة ، وكذا نتاجاته النثرية والمراسلات والمختارات الأخرى .
وبنظرة متفحصة تعد كتبه الثلاثة ( المجازات النبوية ، وتلخيص البيان في مجازات القرآن ، ونهج البلاغة ) مشروعاً ضخماً في تأسيس البلاغة العربية عبر أعمدتها الثلاثة ( القرآن ، والحديث النبوي ، والبيان العلوي ) فهذه الأوتاد هي مشعل اللغة والبلاغة العربية . وهذا يعتبر مؤشراً قوياً على ذائقة الشريف ومتانته العلمية في هذا الفن ، لأنه أرسى قواعده قبل أن تظهر بوادر فن البلاغة على يد مؤسسيه في القرن السادس والسابع تقريباً ..
وبعد السيرة الموجزة ، ننقل الآن بعض الاقتباسات لبيان علو قدره وعلمه وأدبه .

# شهادات من العلماء برفعة الشريف علماً وأدباً :
1ـ قال الشيخ الأميني في الغدير عن الشريف الرضي :
(( وسيدنا الشريف الرضي مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة ، وإمام من أئمة العلم والحديث والأدب ))
2ـ وقال ابن أبي الحديد في شرحه المشهور :
(( حفظ الرضي القرىن بعد أن جاوز الثلاثين سنة في مدة يسيرة ، وعرف في الفقه والفرائض طرفاً قوياً ، وكان عالماً أديباً ، وشاعراً مفلقاً ، فصيح النظم ، ضخم الألفاظ ، قادراً على القريض ، متصرفاً في فنونه ( ... ) وكان عفيفاً شريف النفس ، عالي الهمة ، ملتزماً بالدين وقوانينه ... )) .
3ـ وقال الثعالبي :
(( هو اليوم أبدع الزمان ، وأنجب سادة العراق ، يتحلى مع محتده الشريف ، ومفخره المنيف ، بأدب ظاهر ، وفضل باهر ، حظ من جميع المحاسن وافر )) الديوان 1/42 .
4ـ وقال ابن الجوزي في المنتظم :
(( كان الرضي نقيب الطالبيين ببغداد ، حفظ القرآن في مدة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قوياًُ وكان عالماً فاضلاً شاعراً مترسلاً ، عفيفاً ، عالي الهمة ، متديناً )) 15/115 .

# ماذا جاء في مقدمة الشريف الرضي ، وما منهجية جمعه ؟
إن الرجوع لمقدمة الشريف لهو من الأمر المهم لاستجلاء أمور كثيرة مرتبطة بمنهج جمعه ، وطريقة اختياره ، ولحل كثير من الشبهات التي أثير غبارها على النهج وكلام الأمير ، فالمقدمة تمثل البوابة لمن أراد الدخول في معترك الكتاب وساحاته .
وحين نرجع لمقدمته نجد أن هناك نقاطاً حوتها هذه المقدمة الموجزة على النحو التالي :
1ـ سبب تأليف نهج البلاغة .
فقد أوضح الشريف أنه سبق وقد ألف كتاباً عن خصائص الأئمة في أقوالهم وأفعالهم ، فلما كتب عن حكم الإمام علي وأمثاله ، وآدابه ، استحسن مجموعة من أصدقائه أن يؤلف كتاباً خاصاً ببيان أمير المؤمنين وكلامه ، فانقطع عن الكتاب السابق ، وأخذ يشرع في تجميع مختارات من كلامه .
2ـ تحدث الشريف في مقدمته بثناء أدبي على خطب الأمير ، وأثر بلاغته على كل أديب وشاعر وخطيب وعالم ، فهو (( مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها [ مخزونها ] وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ . ومع ذلك فقد سبق [ أي الأمير ] وقصروا ، وتقدم وتأخروا ، ولأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي )) .
وهنا يشير الشريف إلى منهل بلاغة وبيان الإمام أنه لم يكن إلا ومكملاً وشارحاً للبيان القرآني والنبوي .
3ـ تفرد الأمير بالبلاغة ، فلقد (( انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين الذين إنما يؤثر عنهم ، منها القليل النادر ، والشاذ الشارد ، وأما كلامه فهو من البحر الذي لا يساجل [ لا يغالب في الامتلاء ]، والجم الذي لا يحافل [ لا يغالب في الكثرة ] )) .
4ـ تقسيم كلام الأمير في نهج البلاغة .
(( ورأيت كلامه عليه السلام ، يدور على أقطاب ثلاثة :
أولها : الخطب والأوامر .
وثانيها : الكتب والرسائل .
وثالثها : الحم والمواعظ .
فأجمعت بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثم محاسن الكتب باباً ، ومفصلاً فيه أوراقاً ، لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ عني عاجلاً ، ويقع إليّ آجلاً ( ... ) وربما جاء فيما اختاره من ذلك فصول غير متسقة ، ومحاسن غير منتظمة ، لأني أورد النكت واللمع ، ولا أقصد التتالي والنسق )) .
وهذا المقطع يبين عظيم منزلة الشريف في البحث والتأليف والمنهج ، فهو قد قسم كلام الأمير ناظراً لأغراضه وأشكاله ؛ وإن كان هذا التقسيم لا يشمل كل ما ورد عن الأمير ، فهناك الأحاديث والحوارات والمحاجات ، والأدعية ، ... وغيرها ، لم تكن بحجم ما أورده الشريف في تقسيمه .
والجهة الأخرى أن الشريف اختار محاسن ولم يكن بصدد أيراد كل ما قاله الأمير ، وكان هذا الجهد ( مقدمة لاستدراك ما يشذ عاجلاً ويقع آجلاً ) على حد تعبيره ، وهو بعمله هذا إنما يريد فتح باب التأليف عن بلاغة الأمير وبيانه ، ويقر أنه لم يجمع كل ما قاله وما نسب إليه .
وأخيراً :
أوضح للقارىء أنه ربما تقع عيناه عن خطب أو رسائل غير متسقة ، ومتقطعة ، وغير منتظمة ، فأوضح إلى أن السبب هو منهجيته في اختيار المحاسن ، فكأن النهج باقة عطرة ، ومن كل حديقة زهرة .
5ـ أوضح الشريف في مقدمته عجائبه في حديث الزهد والمواعظ ، وتميز الأمير في هذين الجانبين ، فلقد فصل وأجمل ، وأثر وقرر .
6ـ أشار إلى بعض الاختلافات في الروايات التي أخذ عنها الشريف أثناء تجميعه ونقله من المصادر ، وكذلك التكرار في بعض الألفاظ والمعاني .
وهنا يتضح دقة أمانته وصدقه العلمي ، ونزاهته وتثبته ، فهو لم يأتي بشيء من عنده – كما يتهمه بذلك الذين أوردوا الشبهات – بل نقل من المصادر الموجودة عنده وعند مكتبة أخيه الشريف المرتضى ، والتي قال عنها صاحب الغدير أنها حولت ما يربو على (80) ألف مجلداًَ .
7ـ أوضح الشريف في المقدمة أنه لم يحط بجميع كلام الأمير .
8ـ أخيراًُ أوضح في المقدمة سبب تسمية الكتاب بـ(نهج البلاغة) فهو(( يفتح للناظر فيه أبوابها [ يعني بذلك البلاغة ] ، ويقرب عليها طلابها ، فيه حاجة العالم والمتعلم ، وبغية البليغ والزاهد ، ويمضي في أثنائه من الكلام في التوحيد والعدل ، وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق ، ما هو بلال كل غلة ، وجلاء كل شبهة ))
وهنا يبين بعضاً من سمات ما جمعه ، والأثر الذي يتركه على كل متبصر وقارىء ومتأمل .

# وقفة مع تسمية الشريف ما جمعه بـ(نهج البلاغة) :
لماذا اختار الشريف هذا الاسم ؟
( النهج ) في اللغة : الطريق البيّن الواضح ، أو الطريق المستقيم .
والبلاغة في اللغة : حسن البيان وقوة التأثير .
وقد قسمها علماء البلاغة إلى ثلاثة علوم : علم المعاني ، علم البيان ، علم البديع .
وقد عرف البلاغيون القدماء ، البلاغة بـ( مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته ) .
لكن هذا التعريف لا يفي بالغرض ، لأنه ركز على دلالة كل كلمة ومعناه بحسب حال المتحدث ، ثم اشترط فصاحة اللفظ .
ومن المعروف أن الفصاحة هي للفظ من حيث استعمال الألفاظ اللغوية الصحيحة العربية نحوياً ومعجمياً وصوتياً ، وتنسيق أصوات حروف الكلمات والجمل ، وتتاليها .
أما البلاغة فهي مرتبطة بالدرجة الأولى في المعنى ، ومن ثم تصويره بالألفاظ المناسبة والتي تؤدي الغرض البلاغي للمخاطب .
والبلاغة ليست اختيار كل كلمة للمعنى المطلوب فقط ، بل تصوير المعنى والغاية التي يريدها المتحدث بأحسن أسلوب ، وأبلغ تصوير ، وأعمق أثر للسامع والقارىء ، وهو بهذا يعمق مستوى اللغة والمفردات ويستجلي استعمالات إبداعية بين اللفظ والمعنى عن طريق توظيف أقسام العلوم الثلاثة البلاغية في اللفظ والمعنى .
ـ سئل احد البلغاء ، ما البلاغة ؟ فقال : قليل يفهم ، وكثير لا يسام .
ـ وسئل آخر ، فقال : معان كثيرة في ألفاظ قليلة .
ـ وقال خلف الأحمر : البلاغة لمحة دالة .
ـ وقال الخليل بن أحمد : البلاغة كلمة تكشف عن البقية
وقد عد كثير من البلاغين أن البليغ حينما يسحن استعمال المجاز والكناية والاستعارة والإيجاز وغيرها من أقسام علومه فإنه يعد بجدارة أحد البلغاء المبدعين
إذن كانت التسمية ليست عبطاً ، بل دقيقة وفي مكانها الصحيح ، فكلام الأمير لهو بحق الطريق الأوضح للبلاغة العربية بعد القرآن والكلام النبوي الشريف ، وهو بحق منار السالكين ، وطريق البلغاء المستقيم .
وإلى حلقة مقبلة إن شاء الله عن مصادر النهج المدونة وغير المدونة .

ابن المقرب

 

 

 توقيع ابن المقرب :
رد: هل قرأت نهج البلاغة ( حلقات ) ؟!!
ابن المقرب غير متصل   رد مع اقتباس