عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-2009, 08:33 PM   رقم المشاركة : 13
ابن المقرب
كاتب قدير







افتراضي رد: هل قرأت نهج البلاغة ( حلقات ) ؟!!

الحلقة الثالثة


أمير الكلام على لسان أهل البيت (ع)

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وسيد المرسلين ، وعلى آله الطاهرين ..
السلام عليك يا أمير المعاني والألفاظ ، السلام على ينابيعك الثرة التي لا تنضب ، والصلاة عليك أبد الآبدين ..
لكتاب ( نهج البلاغة ) فرادة وميزة لم يلق مثلها حظاً إلا القرآن الكريم والسنة النبوية ، كيف وهذا الكنز العظيم لم ينهل إلى من القرآن والسنة الشريفة .. لم يلق كتاباً طوال تاريخ المسلمين اهتماماً بعد القرآن والسنة ؛ غير هذا الكنز الثمين .. ولقد تواصلت الشروح والدراسات والبحوث العميقة والمتوسعة والمتنوعة حتى يومنا هذا ؛ حتى وصلت إلى يومنا هذا قرابة الأربعمائة أو الخمسمائة دراسة وبحث !! ؛ ولا نزال نحتاج لدراسات أعمق وأكثر منهجية وعلمية ، فهذا الكتاب بحر لا حد له ، وأفق لا نهاية له ، لأن قائله لم يتتلمذ إلا في رحاب القرآن ومدرسة النبي الأكرم (ص) ..
إن أول ما يتبادر للذهن لأي دارس لهذا السفر المبارك ، معرفة الأساسيات التي انطلق منها هدير الكلام والمعاني والخطب ..
فالمقدمات التأسيسية التي عرضتها في حلقة سابقة لها أهمية للدخول إلى هذا الرحاب الواسع .. ولكي نتأدب للدخول ، لابد أن ندخل البيوت من أبوابها ، وسيكون عرضنا لهذه المقدمات مختصراً جداً ، ونرجو من القارىء الكريم أن يرجع لمضان المصادر الكثيرة التي تحدثت عن هذه المقدمات وغيرها ، كي يتلقى المزيد والجم الكثير ، لكننا آلينا إلا أن نقدم ولو النزر اليسير والذي به نتبرك قبل دخولنا في عالم النهج الجميل ، وستكون هذه النقاط كالتالي :
1ـ مكانة الأمير على اللسان النبوي الشريف .
2ـ مكانة الأمير على لسانه ، ولسان أهل بيته (ع) .
ففي نظرنا إن معرفة مكانة الأمير في القرآن والسنة المباركة ، ستعطينا إضاءة مناسبة لكي ندخل عالمه العميق ، فأمير الكلام ، ليس كأي أمير ، وليس كأي متحدث ، وليس كأي رجل عرفه التاريخ الإسلامي في حياة النبي (ص) وبعد وفاته ، وليس هو بالنكرة – حاشاه – كي يكون ما أنتجه غير معقول ومصدق أن يصدر عنه ، وهو الذي ظلمه أهل زمانه وما بعده ، وضن بهم أن يصدر هذا الهدير من فاهه المبارك ..لكن فات حاسديه ومبغضيه أنه ربيب القرآن والنبوة ، وأن فعل بغضهم وحسدهم وحقدهم عاد عليهم بالوبال ، فعرفه العالم من طريق المحب والمبغض ، وهو النور الساطع الذي يكشف كذب الظلام وزيفه .
أولاً / الأمير على لسان النبوة :
لن نحلق كثيراً في هذه النقطة ، ففضائل الأمير لا تحصيها ولا تعدها النفوس والخلائق ، ولقد كتب الكثير في هذا المجال ، لكننا سنأتي ببعض هذا الجم الغفير من الأحاديث ، وبما يرتبط بموضوع العلم وقوة البلاغة .
1ـ قال (ص) : (( لو أن الرياض أقلام ، والبحر مداد ، والجن حساب ، والإنس كتاب ، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب )) الصواعق المحرقة ، ص 72 . وغيره .
2ـ وقال (ص) : (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )) شواهد التنزيل للحسكاني 1/104 .
3ـ وقال (ص) : (( لو قسم العلم إلى عشرة أقسام ، لحصل علي بن أبي طالب على تسعة أقسامه ، ولشارك به الناس في القسم العاشر )) ينابيع المودة 2/303 .
4ـ وقال (ص ) : (( نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد )) نفسه 2/104 .
5ـ وقال (ص) : (( أعطينا أهل البيت سبعة لم يعطهن أحد قبلنا ، ولا يعطاها أحد بعدنا : الصباحة ، والفصاحة ، والسماحة ، والشجاعة ، والحلم ، والعلم ، والمحبة من النساء ))
6ـ وقال (ص) : (( علي عيبة علمي )) . كنز العمال 6/153 .
عيبة : هي الإناء من الجلد .
وفي هذا الكلام كناية عن أن النبي (ص) ما يحمله من علم يحمله ويعطيه علياً (ع) .
7ـ وقال (ص) حينما سئل : عمن نكتب العلم ؟ فأجاب : (( عن علي وسلمان )) تاريخ بغداد / 4/158 .
8ـ ما ورد عنه (ص) شاملاً في أحقيته بالإمامة والخلافة والمكانة مع أهل بيته (ع) ، وأبرزها حديث الدار ، والثقلين ، والغدير ..... وغيرها الكثير من الأحاديث المشهورة ، وبإمكان القارىء مراجعتها في مضانها الأصلية .
9ـ ما ورد كذلك عن النبي (ص) في فضائله في القرآن ، وعلى علمه ومعرفته به ، كرواية : أن ثلث القرآن نزل في علي ، أو أن كل آية تبدأ بيا أيها الذين آمنوا يكون أولهم علي .... وغيرها ، مثل ما روي عن ابن مسعود قال : (( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا له ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب (ع) عنده علم الظاهر والباطن )) حلية الأولياء لأبي نعيم 1/65

ثانياً / الأمير بلسانه ، ولسان أهل بيته (ع) :
1ـ قوله (عليه السلام ) في النهج ، في خطبة رقم 192 :
(( وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة ، والمنزلة الرفيعة ، وضعني في حجره ، وأنا ولد يضمني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ( ... ) ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء ، فأراه ، ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير سول الله (ص) وخديجة ، وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي ، وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (ص) فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع ، وترى ما ترى ، إلا إنك لست بني ، ولكنك لوزير ، وإنك لعلى خير )) .
# وقفة مع النص :
يسترسل هنا عليُ بالحديث عن نفسه وعلاقته القوية بالنبي (ص) وكأنه ابن لصيق به رباه ورعاه وغذاه ، ولم يكتفِ بذلك ، بل أورد صوراً نادرة لهذه الأبوة الحانية الرحيمة ، فصور تلك العلاقة بعلاقة الفصيل بأمه الناقة ، حيث الطفل الرضيع لا يجد في الوجود إلا أمه ، فهي الكل بالنسبة له ، وهو الجزء منها ، بل الأم تراه كلها لعظم العلاقة ، فهي أحن علاقة بعد الله على الخلق .. ولم يكتفِ بذلك ، بل وصف ملاحقته وتواجده الطويل معه حتى قبل النبوة ، وبيّن الخصوصية التي لم ينلها أحد إلا هو .. كل ذلك من أجل ان يختم النص بلحظة تنوير وقمة النص الأخيرة ، وهي شهادة النبي (ص) في حقه وعلمه ومكانته وهي الإمامة ونفي النبوة عنه .
2ـ قال الأمير (ع) : في النهج ، الخطبة رقم 233 (( إنا لأمراء الكلام ، وفينا تشبثت عروقه ، وعلينا تهدلت غصونه )) .
هنا حيث بين الأمير أن للكلام عدة مستويات يرتبط به قائلوه ، وإذا كان الكل يدعي العلاقة العميقة ، من شعراء وخطباء وعلماء ، فـ (إنا) يعني (أهل البيت (ع)) .. أمراء للكلام ، وفصل هذه الإمرة أنها ممتدة العروق ، ولحاجة الكلام لهذه الإمرة العالية فإنه يتشبث ويتمسك بجاذبية وقوة بعروقه فينا ( أهل البيت) ليحيا هذا الكلام ومن ثم تتهدل وتتفرع غصونه المثمرة بأنواع الكلام وفنونه وعلومه .
3ـ وقال أيضاً : (( ألا وإنا أهل البيت أبواب الحكم ، وأنوار الظلم ، وضياء الأمم ))
4ـ وقال : (( كنت إذا سألت رسول الله (ص) أعطاني ، وإذا سكت ابتدأني )) .
فهو علم متواصل لا ينقطع ، ولم يلق احداً هذا الفضل غير علي (ع) .
5ـ قوله : (( والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيمَ أنزلت ، وأين نزلت . إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً ))طبقات ابن سعد 2/101 .
وحري بمن تتلمذ على آي القرآن أن يصدر عنه كل هذا الكلام المنمق ، والمعنى العمق . فلقد وهبه الله ، ففرع لأمته وزمانه هذه الهبة العظيمة كلمات ومعاني قل وندر أن يعطى مثليها .
6ـ قوله : (( علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم ، كل باب يفتح ألف باب )) .
وهنا ليس فقط ألف .. فالألف هنا كنابة عن الكثرة الكاثرة .. فهو تعلم علوماً لا محدودة ، ويفتح للدخول إليها أبواب لا معدودة .
7ـ قوله في النهج الخطبة رقم 5 : (( ... بل اندمجت على مكنون علم ، لو بحتُ به ؛ لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة )) .
اندمجت : انطويت .
الأرشية : جمع رشاء وهي الحبل .
الطوي : جمع طوية وهي البئر .
وهنا يصف علمه الدقيق لقومه بأنه لو باح به بأسراره وخفاياه وأنواعه ومستوياته لاضطربت الأفهام والعقول من حوله ، وشبه هذا الاضطراب مثلما يتساقط بقهوة هائلة الحبل في قعر البئر .
8ـ وقوله في النهج الخطبة رقم 128 : (( يا أخا كلب ، ليس هو بعلم غيب ، وإنما هو تعلم من ذي علم )) .
يشير هنا إلى خصوصية علمه وغيبه أنه تعلمه من لسان النبوة ، ووحي الله .
9ـ قال الإمام الصادق (ع) عن الأئمة : (( جعلهم الله حياة للأنام ، ومصابيح للظلام ، ومفاتيح للكلام )) الكافي 1/204 .
10 ـ قال الإمام الهادي (ع) : (( نحن الكلمات التي لا تنفد )) .

نكتفي بهذا القدر .
ولقد كنا نرمي من سرد هذا الأحاديث إلى إعطاء صورة أساسية ، وخلفية مضيئة ، نعتمدها حينما نطوف حول كلام الأمير (ع) .. فهذه الشخصية ليست كأي شخصية حينما نتساقى رواءها وشذاها .
وهذه بحد ذاتها ستساعدنا في رد الشبهات والإشكالات الهزيلة ، والتي أثيرت على علي ( ع) في علمه ومكانته وكلامه وبلاغته ؛ وهذه التهم والتي تلبست بالاختباء لتتهم الشريف ، لكنها تتهم الأمير في المقام الأول ، لأن الشريف جامع وناقل في نهجه .

نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة


وأول الغيث قطرة ....


# # #

وفي الحلقة الآتية إن شاء الله سينصب حديثنا عن الشريف الرضي ومكانته ومنهجية جمعه للنهج ، وماذا جاء في مقدمته و طريقة جمعه ومصادره ، وما قيل عن النهج من شهادات وذلك تمهيداً لموضوع الشبهات المثارة ضد النهج وجامعه .

ابن المقرب

 

 

 توقيع ابن المقرب :
رد: هل قرأت نهج البلاغة ( حلقات ) ؟!!
ابن المقرب غير متصل   رد مع اقتباس