عرض مشاركة واحدة
قديم 13-03-2009, 08:18 PM   رقم المشاركة : 6
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي رد: لمَ يستعمل الله تعالى ضمير الجمع في القرآن الكريم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأعزاء ،بالنسبة لخطابات الله سبحانه وتعالى التي تتكلم عنه بصفة الجمع في القرآن الكريم، فهي كما أعتقد لاتخلو من معنيين:-
المعنى الأول: وهو تبيان لعظمة الله وجبروته وكبريائه،وأنه مالك الملك وجبار السماوات والأرض وهذا المعنى يتطابق مع مانقله الأخ العزيز الجرح العارف عن موقع آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

المعنى الثاني:وهو كما ألمح إليه أخي العزيز ابن الشهيد وهو أن (نا) وردت للدلالة على أن العمل يمكن أن يقوم به عدة أطراف،وهؤلاء الأطراف هم الله جل شأنه من جهة بنحو الإستقلال التام والمطلق،والملائكة وغيرهم من جهة أخرى ولكن بنحو عدم الإستقلالية عن الله جل جلاله،فهم-أي الملائكة أو غيرهم- يستمدون قوتهم وقدرتهم من مفيض الوجود والقوي والقادر المطلق.
إليكم هذا المثال الذي يُستشف منه هذا المعنى الأخيرمن تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي،في تفسير قوله تعالى:{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32)}سورة الزخرف،
يقول (قدس سره):-
((و الدليل على أن الأرزاق و المعايش ليست بيد الإنسان اختلاف أفراده بالغنى و الفقر و العافية و الصحة و في الأولاد و سائر ما يعد من الرزق، و كل يريد أن يقتني منها ما لا مزيد عليه، و لا يكاد يتيسر لأحد منهم جميع ما يتمناه و يرتضيه فلو كان ذلك بيد الإنسان لم يوجد معدم فقير في شيء منها بل لم يختلف اثنان فيها فاختلافهم فيها أوضح دليل على أن الرزق مقسوم بمشية من الله دون الإنسان.
على أن الإرادة و العمل من الإنسان بعض الأسباب الناقصة لحصول المطلوب الذي هو الرزق و وراءهما أسباب كونية لا تحصى خارجة عن مقدرة الإنسان لا يحصل المطلوب إلا بحصولها جميعا و اجتماعها عليه و ليست إلا بيد الله الذي إليه تنتهي الأسباب.
هذا كله في المال و أما الجاه فهو أيضا مقسوم من عند الله فإنه يتوقف على صفات خاصة بها ترتفع درجات الإنسان في المجتمع فيتمكن من تسخير من هو دونه كالفطنة و الدهاء و الشجاعة و علو الهمة و أحكام العزيمة و كثرة المال و العشيرة و شيء من ذلك لا يتم إلا بصنع من الله سبحانه، و ذلك قوله: «و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا».
فيتبين بمجموع القولين أعني قوله: «نحن قسمنا» إلخ، و قوله: «و رفعنا بعضهم فوق بعض» إلخ، إن القاسم للمعيشة و الجاه بين الناس هو الله سبحانه لا غير، و قوله: «و رحمة ربك خير مما يجمعون» أي النبوة خير من المال فكيف يملكون قسمها و هم لا يملكون قسم المال فيما بينهم.
و من الممكن أن يكون قوله: «و رفعنا بعضهم فوق بعض» عطف تفسير على قوله: «نحن قسمنا بينهم معيشتهم» إلخ، يبين قسم المعيشة بينهم ببيان علل انقسامها في المجتمع الإنساني، بيان ذلك أن كثرة حوائج الإنسان في حياته الدنيا بحيث لا يقدر على رفع جميعها في عيش انفرادي أحوجته إلى الاجتماع مع غيره من الأفراد على طريق الاستخدام و الاستدرار أولا و على طريق التعاون و التعاضد ثانيا كما مر في مباحث النبوة من الجزء الثاني من الكتاب.
فآل الأمر إلى المعاوضة العامة المفيدة لنوع من الاختصاص بأن يعطي كل مما عنده من حوائج الحياة ما يفضل من حاجته و يأخذ به من الغير ما يعادله مما يحتاج إليه فيعطي مثلا ما يفضل من حاجته من الماء الذي عنده و قد حصله و اختص به و يأخذ من غيره ما يزيد على قوته من الغذاء، و لازم ذلك أن يسعى كل فرد بما يستعد له و يحسنه من السعي فيقتني مما يحتاج إليه ما يختص به، و لازم ذلك أن يحتاج غيره إليه فيما عنده من متاع الحياة فيتسخر له فيفيده ما يحتاج إليه كالخباز يحتاج إلى ما عند السقاء من الماء و بالعكس فيتعاونان بالمعاوضة و كالمخدوم يتسخر للخادم لخدمته و الخادم يتسخر للمخدوم لماله و هكذا فكل بعض من المجتمع مسخر لآخرين بما عنده و الآخرون متسخرون له بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط لما أن كلا يرتفع على غيره بما يختص به مما عنده بدرجات مختلفة باختلاف تعلق الهمم و القصود به))،انتهى كلامه رحمه الله.

وهذا المعنى الثاني،يُمكن أن يُستشف أيضاً من قول الإمام الصادق عليه السلام:"أبى الله أن يُجري الأمور إلا بأسبابها"،من هذا نفهم أن الله جعل قانوناً في الكون لايتخلف عنه شيء وهو أن مافي الكون لايمكن أن يسير إلا بسبب وعلة وهذه العلل راجعة كلها إلى العلة الحقيقية والمطلقة وهو الله جل جلاله وعظم شأنه.

وفقكم الله لما يُحب ويرضى إنه سميع مجيب الدعوات.
أخوكم الأصغر طالب الغفران.

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: لمَ يستعمل الله تعالى ضمير الجمع في القرآن الكريم ؟

التعديل الأخير تم بواسطة طالب الغفران ; 13-03-2009 الساعة 08:29 PM.
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس