عرض مشاركة واحدة
قديم 11-02-2009, 01:10 PM   رقم المشاركة : 8
إشراقة أمل
مشرفة داري يؤثثها اختياري وMobily وشاشة عرض
 
الصورة الرمزية إشراقة أمل
 






افتراضي رد: oO تَــحـتَ أَجْنِحَــةِ البَــرزَخ Oo

الفصل الثالث على أبواب السفر

أفقتُ من حالة الإغماء العميق الذي غرقتُ فيه , وظهرت لي ملامح شخص لم أتعرف عليه مسبقاً ,

ولم أرَ له من قبل نظيراً , وكلما أنظر إليه تبهت عيني لرؤيته , وينبهر فكري لعظمة خلقه ,

فهو بهيئته يعجز الخيال عن وصفه ومقارنته بخلق من مخلوقات الدنيا . ظهر فجأةً بين الجمع المزدحم حولي ,

يصاحبه عدة مخلوقات أخرى ذات أجنحة لطيفة وأبدان تبدو خفيفة , لكن العجيب أن الناس كانوا

مشغولين بيَّ عنه , ولم يلتفتوا إليه على الرغم من غرابة منظره واختلاف هيئته وعظمة خلقه ,

وكأنهم لم يروه , أما أنا فقد شغلني هو عن غيره , ولم أعد أنظر إلى ما حولي بقدر ما أنظر إليه ,

نعم يبدو انه كان بجانبي ثم ابتعد عني , والآن بدأ يقترب أكثر فأكثر ,

فاضطربتُ حتى أحسستُ برجفة في بدني , وكلّ لساني عن النطق والسؤال عمن يكون .

التفتَ إلى من كان معه وتكلم معهم بكلام لم أفهمه , إذ اختلط كلامهم مع دوي من اجتمع حولي ,

وصراخ عدة نساء يبدو أنهن قد أتين من البيوت المجاورة للمبنى , لكني التقطتُ منه بعض الكلمات منها قوله لهم :

- انه من المؤمنين , لكنه لم يصل إلى مرتبة الأولياء فارفقوا به قليلاً وأعينوه على نطق الشهادتين .

كان بدني بصورة لا يسمح بالتحرك يميناً ويساراً , وبصعوبة بالغة كنتُ التفتُ إلى ما حولي ,

فوجئتُ بصديقي مؤمن وهو يصل بصورته المشرقة , ويجلس بجنبي ليقول :

- سعيد , سعيد هل تسمع كلامي ؟

أجبته بصوت ضعيف جداً :

- نعم .

- سعيد , قل لا اله إلا الله وان محمّداً رسول الله , فقد يكون آخر كلام يجري على لسانك , هل تسمعني يا سعيد ؟

سمعت ُ كلامه , وأردت ُ نطق ماقاله لي ولكن ظهر فجأة عدة مخلوقات بوجوه قبيحة سوداء فهي كالقير الأسود ,

أصابني خوف شديد منهم وقد اجتمعوا حولي فأمسكوا بلساني عن النطق , وكلما أردتُ نطق لااله إلا الله

منعوني من ذلك , عندها سمعتُ مؤمنا مرة أخرى ينادي :

- سعيد هل تسمعني ؟

مرة أخرى أجبته بصوت ضعيف :

- نعم .

- سعيد ألم تستطع قول لا اله إلا الله .

- بلى .

- سعيد , يبدو أن الشياطين قد اجتمعت حولك لتمنعك من النطق , والملائكة حولك يرشدونك

إليه فأستعن بهم , انك في حالة احتضار , سعيد , لقد بدأ سفرك الطويل الذي تنبأ به إمام الجمعة ,

هل تفهمني ؟ سعيد , هل تفهمني ؟

لم يكن مؤمن يرى ما أرى , لكن على أثر كلامه بدأتُ أدرك ما أعيش , نعم إنها سكرات الموت ,

وهذا الذي لم أعرفه ملك الموت مع أعوانه قد جاء ليقبض روحي , نعم وهذه ملائكة الرحمة عن يميني ,

وهؤلاء الشياطين عن يساري , الهي ماذا أفعل , الهي يامن أنطق عيسى في مهده انطق لساني بذكرك

التفتَ لي أحد ملائكة الرحمة وقال :

انك كنت كثيراً ما تذكر الله في دنياك , وسنحاول أن نجد شيئاً يبعد الشياطين عنك .

التفت على أصحابه ليقول لهم :

- هل تجدون من أعماله شيئاً ينفعه في أزمته هذه ؟ ادعوا أعماله وأوقاته لتتجسم أمامه .

هول لايمكن وصفه , ولو صب على أهل الدنيا لغشي عليهم ولم يفيقوا , لقد تجسمت أمامي كل الأفعال

القبيحة التي فعلتها منذ لأن بلغت سن التكليف وحتى يومي هذا , آه كم كانت موحشة وكم كانت قبيحة وبشعة ,

وكذلك الأوقات والساعات التي ضيعتها خالية أو مملؤة بالذنوب , يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ,

ياحسرتي على كل لحظة ضاعت من عمري ولم أملأها بالزاد ليومي هذا , ياحسرتي على كل عمل

خالطه الرياء , ياويلتي على كل مال أخرجته لغير الله , وعلى كل كلمة تفوهت بها أو كتبتها لغير الله ,

وعلى كل تبسم أو فرح لم يخالطه ذكر الله , وياويلتي على المال الذي تركته والأثاث ذي القيمة العالية

التي بقيت ساكنة البيت , فبماذا تنفعني الآن , آه وما هذه الوحوش المخيفة المظلمة في سوادها ,

وهل سترافقني ؟ وإلى متى ؟ وما ذلك الأسود المكشر أنيابه , وما هذا السوط الذي بيده ؟ آه آه ...

لشدة الهول الحسرة أغمي علي , ولم أفق إلا بسياط الشيطان الذي كان قد أمسك بلساني ,

وأبرز أنيابه ضاحكاً ومقهقهاً بصوت عال وشكل قبيح وهو يقول :

- ياعزيزي , لا تتحير وقل ربي الدنيا , ألم تر أن الدنيا كانت زهية بهية , ألم تر أن الشريف

من شرفته أمواله , ولو كنت مطيعاً لها بما أمرتك ما وصلت إلى هذه الحال , فذلك جمال لايزال يترفه

ويتنزه ويأكا ويشرب ما يشتهي ويتلذذ بما يريد , فهل تعلم كيف وصل إلى ذلك ؟ أنا أقول لك , إنه اطاع

الدنيا فاوصلته إلى هذا المقام , إذاً فهي الرب لا غيرها , وأنا أنصحك بأن تعترف بذلك ,

فلعل حالك يتحسن , ولعلي مع أعواني الذين تراهم نستطيع أن نخرجك مما أنت فيه .

ازدادت حيرتي , واسودت ظلمتي , وانشل فكري عن التفكير , فأصبحت أنظر لما حولي يميناً ويساراً ,

وإذا باحد ملائكة الرحمة يقول :

- أنظر إلى هناك , إنها أعمالك الحسنة الخالصة لله وأفكارك الطيبة وأوقاتك التي ملأتها بطاعة الله

وتلك مساعداتك لإخوانك , وتلك نفقاتك في سبيل الله ...

كنت أنظر إلى خلاصة أعمالي الحسنة واحداً واحداً وحسب ما يعرفني به الملك , فاستبشرت

وفرحت بذلك كثيراً على الرغم من الحسرة التي لم تزل ترافقني على عدم الإكثار في كل واحد منها ,

حينها توجه أحد الملائكة نحو ملك الموت وقال له :

- لقد وجدنا في أعماله ما ينفعه في عدم العدول عن دينه وفي نطق الشهادتين .

قال ملك الموت :

- وما هي تلك الأعمال التي يمكنه الاستغاثة بها ؟

- لقد كان يؤدي الصلاة في أول وقتها , ويصل رحمه , ويحسن بوالديه ,

وكان كثيراً ما يقرأ دعاء العديلة وسورة ياسين والصافات ودعاء ( رضيت بالله رباً ... )

بعد كل صلاة , وأيضاً كان يقرأ زيارة آل ياسين , ويكثر من ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

 

 

 توقيع إشراقة أمل :
"وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد".
إشراقة أمل غير متصل   رد مع اقتباس