أخواني الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسمحوا لي بنقل حادثة واجهتني قبل خمسة عشر سنة تقريباً في أحد مناطق الأحساء.
حيث كنت أحضر وأستمع في أحد الحسينيات التي كان يتم فيها ضرب السلاسل .
وكانت الدماء تفيض بوفرة في أرجاء الحسينية منذ سادس محرم .
على كل حال قبل عاشر محرم أصبحت فرشة الحسينية بشكل غير... لا أعرف ما أسميه
على كل حال غضب وكيل الحسينية على المنظمين للعزاء بسبب أن المكان لم يعد يناسب جلوس المستمعين للخطيب في الحسينية .
فقام بعض الشباب وفرك البقع في السجادة بالماء والصابون وزالت بعض هذه البقع والحمد لله .
ولكن المشكلة لم تنتني
بعد ليلة أصبحت الحسينية في وضع لا يطاق بسبب رائحة تعفن السجادة فقام بعض الشباب وسكب الديتول عليها فزاد الطين بلة ، فأصبح من المستحيل المقاومة لهذه الرائحة الفظيعة حين الجلوس في الحسينية وأصبح الوضع لا يطاق.
فقرر منظمو العزاء أن يخرجوا السجادة في رواق الحسينية وذلك لتخفيف الرائحة حتى ينتهي العزاء
على كل حال بعد انتهاء الخطيب من القراءة عج المجلس باللطم وضرب الأمواس وتطاشرت الدماء في كل مكان كالعادة ولكن بشكل أكبر وذلك راجع على أن تلك الليلة كانت ليلة العاشر من محرم فعج المجلس بالأنفس ورائحة الدم ورائحة السجادة التي أخبرتكم عنها ، طبعاً ليست هذه هي المشكلة إطلاقاً .
لم أتحمل البقاء في الحسينية وكذلك البعض لا بسبب السلاسل ، لأني كنت حينها أعظم ضرب القامات والسلاسل وطبرت رأسي مرتين حينها .
ولكني وبعض الحضور شعرنا بالغثيان وحمل البعض إلى خارج الحسينية وكدت أن أكون منهم لولا تلطف الله سبحانه .
حينما خرجت جلست على درج الحسينية أستعيد أنفاسي وقد رشحت الماء على وجهي وأسعفني بعض الأصدقاء هناك .
في ذلك الوقت حضر أحد الشباب مع شاب سوري آخر أنيق اللباس ويرتدي قميصاً نيلياً فاتحاً وكرفته وأدخله في الحسينية .
استغربت من هذا الموقف ماذا جاء بهذا الشاب الغريب إلى هنا ؟
جاوبني أحد المجاورين لي بأن هذا الشاب سوري أوشك على التشيع وقد أتعب الشيخ فلان بسبب كثرة أسئلته وتردده على مسجده وبقيت لديه بعض المسائل من ضمنها ما يفعل في الحسينيات وهل هنا ما يسمى بليلة الطفية وخلع الملابس الجماعي وغير ذلك من الشبهات فقال له الشيخ لماذا تسمع عنا من المغرضين احضر إلى حسينياتنا وانظر بنفسك ماذا نفعل ، فأحضره هذا الأخ إلى الحسينية ليريه بأم عينه .
وما هي إلا لحظات ونحن نتجاذب الحديث حوله وإذا بذلك الشاب السوري قد خرج من الحسينية مرعوباً وقميصه النيلي الزاهي قد انقلب إلى أحمر ملطخ بالدم كحال وجهه ، وخرج مسرعاً لا تسعه الأرض من ركضه والشاب من خلفه يلحقه ويناديه : تعال تعال . ولكن ذلك السوري أعطى قدميه للريح .
فاستذكرت قول الشاعر :
ذهب الحمار بأم عمرٍٍٍ فما رجعت وما رجع الحمار
واستذكرت ذلك الصحابي الذي حث جاره النصراني على الدخول في الإسلام
فأسلم جاره واعتنق الإسلام
فقام الجار المسلم في كل فريضة يطرق الباب على جاره : حان وقت صلاة كذا هيا بنا للمسجد ، وبعد الصلاة يريد المسلم الجديد أن ينصرف إلى عياله فينهاه جاره ويقول له نصلي النوافل ثم نقوم ، فضل على هذا المنوال حتى طرق الجار المسلم في أحد الأيام على جاره النصراني فقال له هيا نذهب للمسجد للصلاة كذا ، فقال النصراني قل لنبيكم أني عندي عيال أريد أن أعيلهم .
ففي نفس الوقت الذي أدخل هذا الجار جاره في الإسلام هو بذاته من أخرجه منه.
وهذه الأمور التي تفعل في أيام محرم وتاسع ربيع ليست ثوابت كالصلاة ونوافلها
فينبغي عدم تقديمها على الأولويات ، ولا مانع من أن نسترجع الرداديات التي كان يقرأها خطبائنا الأقدمين رحم الله الباقين منهم وأطال في عمر الباقين حيث كان المجلس الحسيني يقال فيه شعر الرثاء ويردد الحضور ما يقوله الخطيب ويلطمون صدورهم وهم جلوس بكل هدوء واستشعار.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .