عرض مشاركة واحدة
قديم 20-08-2008, 07:40 PM   رقم المشاركة : 20
طالب الغفران
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية طالب الغفران
 







افتراضي رد: (لاتحزن إن الله معنا...) آية للتوضيح.

الحلقة الثانية:- وهي إكمال للنقطة اللتي بُدأت في الحلقة الأولى.

5 ـ أما قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾؛ فقد جاء على سبيل الإخبار لأبي بكر؛ والتذكير له بأن الله تعالى سوف يحفظهم عن أعين المشركين، وليس في ذلك فضيلة له، بل فيه إخبار بأن الله ينجيهم من أيدي أعدائهم، ولسوف ينجي الله أبا بكر مقدمة لنجاة نبيه، ما دام أن هذا متوقف على ذاك.

وهذا نظير ما أشارت إليه الآية الكريمة التي تقول: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾(الآية 33 من سورة الأنفال) إذن، فنجاة المشركين من العذاب لأجل النبي، أو لأجل وجود مؤمن مقيم فيما بينهم لا يوجب فضلاً للمشركين.

6 ـ إن هذا الحزن قد صدر منه ـ كما يقول المؤرخون ـ بعد ما رأى من الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة، التي توجب اليقين بأن الله يرد عن نبيه، ويحفظه من أعدائه.

فهو قد عرف بخروجه من بين القوم، وهم لا يرونه، ورأى نسج العنكبوت على باب الغار، ورأى الحمامة تبيض، وتقف على باب الغار، وغير ذلك، كما أنه «صلى الله عليه وآله» كان يخبر المسلمين بأنه ستفتح على يديه كنوز كسرى وقيصر، وأن الله سيظهر دينه، وينصر نبيه، فحزن أبي بكر في مقام كهذا لا يمكن أن يكون على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأنه قد عرف بعد رؤيته لتلك الآيات أن الله سبحانه حافظ لنبيه، فإن كان بعد كل هذا غير مصدق بحفظ الله لنبيه غير واثق بنصرته له مع رؤيته لكل هذه الآيات فسيكون أمره مريباً، وفي غاية الغرابة، ويكون حزنه معصية يجب أن يردع عنها ويمنع منها، والنهي عنها مولوي، وهو يكشف عن عدم رسوخ قدم له في معرفة جلال وعظمة الله، ولا نقول أكثر من ذلك.

وإن كان أبو بكر على يقين من نصرة الله لنبيه، لكنه حزن على نفسه، خوفاً من أن يلحق به أذى من قبل قريش فإنه يحتاج في هذه الحال إلى التطمين، الذي أكد له أن الله تعالى عارف بحاله وبمطالبه الشخصية، وهو مع الرسول «صلى الله عليه وآله» في مكان واحد، ويحتاج حفظ الرسول إلى حفظ من يكون معه، لأن التدخل الإلهي فيما يرتبط بإبعاد المشركين عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» بإيجاد الشجرة، ونسج العنكبوت إنما يسير من ناحية المشركين، وفقاً للسنن الطبيعية، ولا يمكن وفقاً لهذه السنن أن يفسح المجال للمشركين لرؤية أبي بكر إلا إذا رأوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى جانبه.

وفي هذا تفريط بالرسول وإفساد للخطة الإلهية، فظهر أن حفظ الرسول يستلزم حفظ من اجتمع معه في المكان أيضاً.

لأن إفساح المجال للمشركين لرؤية أبي بكر سوف يمكنهم من رؤية الرسول «صلى الله عليه وآله» إلا إذا طمس على أعينهم بتدخل إلهي مباشر وفي هذا ظلم لهم لما فيه من سلب لاختيارهم.

وأخيراً.. فإننا نذكر القارئ بالفرق بين من يحزن خوفاً على نفسه، وبين من يضحي بنفسه من أجل نجاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولا يسأل عما سوف يصيبه إذا كتب الله لنبيه النجاة.. حتى استحق أن يباهي الله به ملائكته وأن ينزل فيه آية قرآنية تبين كيف باع نفسه لله، وهو قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾(الآية 207 من سورة البقرة).

وقد قيل: إن أبا بكر قال: يا رسول الله، إن حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه، فقال له النبي «صلى الله عليه وآله»: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾(راجع ما تقدم في كنز الفوائد للكراجكي ص 204 و 205).

7 ـ أما قولهم إن النصر كان من الله لهما معاً، فهو شريك للنبي في نصرة الله لهما، وهذا فضل عظيم.
فهو أيضاً باطل، ويدفعه صريح الآية، فإنها قد خصت نصر الله تعالى ـ ولعله بمعنى أنه تعالى نجى نبيه من الكفار ـ بالرسول، قال تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ (الضمير يرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله») فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ..﴾. فالنصر إذن ثابت لخصوص النبي «صلى الله عليه وآله»، وأبو بكر تابع محض، والتبعية في النصرة إنما هي لأجل اجتماعهما في مكان واحد، وذلك لا يدل على فضل لأبي بكر(دلائل الصدق ج 2 ص 405).

أو فقل: إن حفظه لأبي بكر إنما هو مقدمة لحفظ شخص النبي «صلى الله عليه وآله» كما قلنا.

8 ـ وأما قضية السكينة، فلا يصح قولهم: إنها نزلت على أبي بكر، بل هي نازلة على خصوص النبي «صلى الله عليه وآله»، لأن الضمائر المتأخرة والمتقدمة في الآية كلها ترجع إليه «صلى الله عليه وآله» بلا خلاف، وذلك في الكلمات التالية: تنصروه، نصره، يقول، أخرجه، لصاحبه، أيده، فرجوع ضمير في وسطها إلى غير النبي «صلى الله عليه وآله» يكون خلاف الظاهر، ويحتاج إلى قرينة قاطعة.

ويلاحظ هنا: أن ثمة تجاهلاً ظاهراً لأبي بكر في هذه الآيات المباركة، يوحي بما ربما لا يروق للكثيرين أن يفكروا به.

 

 

 توقيع طالب الغفران :

"العالم بزمانه لا تَهجمُ عليه اللَّوابس"

الإمام الصادق عليه السلام


رد: (لاتحزن إن الله معنا...) آية للتوضيح.
طالب الغفران غير متصل   رد مع اقتباس