مجددا حيا الله الأخ العزيز " روح الله " ومرحبا بك
الأخ/ت العزيز/ة " هامة السماء " مرحبا بك أيضا وبجميع الأخوة والأخوات
هذه المشاركة تتبع الفصل الثاني من الكتاب وان شاء الله بعد الإنتهاء من هذا الفصل سوف نكتفي بوضع روابط ماتبقى من فصول هذا الكتاب اضافة إلى كتب أخرى تحدثت عن شخصية السيد المرجع ليكون الموضوع مرجعا وافيا لمن أراد التعرف على شخصية هذا الإمام الهمام .
.....................
مفتاح مستقبل العراق
يعتمد الباحث الفرنسي لويزار بعض المرجعيات الدينية أو الشخصيات العلمية في العراق ممن عاصرت مراحل استعمارية مرت بها البلاد وحدة لقياس وجهات نظر ومواقف المرجعيات الدينية الحالية وفي مقدمتها مرجعية الإمام السيستاني ويعقد في الإطار ذاته مقارنة بين السيد السيستاني كمرجع يعاصر ظروف احتلال القوات الأميركية للعراق وبين آية الله الخالصي الذي أصدر فتوى تحظر على المسلمين المشاركة في أي انتخابات في ظل الاحتلال البريطاني للعراق آنذاك بالنظر إلى تأثير هذا الوجود على نتائجها لكن السيد السيستاني يصر على إجراء الانتخابات ويعتمد موقفاً مغايراً تماماً وقبل صوغ الدستور.
يقول لويزار وهو يتحدث عن مطالبات الإمام المرجع:
(عندما يطالب سلطات الاحتلال بالديمقراطية ويؤكد أن أبسط شروط الديمقراطية هي الانتخابات العامة فإن مطلبه هذا يجعله على تمايز مع آيات الله العشرينات الذين طالما تحدثوا باسم مسلمي العراق في حين أن مواقف السيستاني تنبع من حق الغالبية الشيعية وليس من حرصه على الديمقراطية وتمسكه هذا بحق الغالبية الشيعية يعني أنه غير معني بأوضاع الأقليات سواء كانت سنية أو كردية وأنه يتحدث باسم الشيعة دون سواهم على رغم إدانته الاعتداءات على المساجد السنية ومثل هذا الموقف لا يعبر إطلاقاً عن رغبة لدى السيستاني بإقامة جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية وهو أكد تكراراً أنه بين الحكومة غير ملتزمة بالإسلام وولاية ال فقيه هناك خيار ثالث يمكن بموجبه أن يكون في السلطة مدنيون (أتقياء) يمارسون الحكم وفقاً لتعاليم النجف).
وأمام هذه التناقضات التي يسقط فيها الكاتب لويزار يفترض أن نقول بأن مرجعية السيد السيستاني ليست مركزاً دينياً كهنوتياً لا علاقة له بالواقع وإسقاطاته والحياة وتطوراتها انطلاقاً من أن الإسلام شمل بأحكامه وتشريعاته كل مناحي الحياة. ولا يجوز القول بعد ذلك أن المرجعية الدينية وهي مرجعية الإسلام مرجعية منعزلة عن الواقع. إنه كلام مردود وهو جزء من الحملة المعرفية والسياسية التي تقدرها اتجاهات (صهيونية) في الأكاديميات الغربية وخصوصاً الفرنسية وكل الذين زاروا فرنسا ويعرفون هذا البلد يعرفون أيضاً مدى التغلغل الصهيوني في معاهده ومراكزه ومؤسسات البحوث المعرفية والسياسية فيه.
المسألة الأخرى في هذا الجانب أن المرجع السيستاني يمثل مرجعية النجف المنفتحة على كل فئات المجتمع العراقي ولا يمثل فقط أهداف شيعة العراق رغم أن الشيعة العراقيين يتطلعون دائماً إلى المرجعية الدينية في النجف بوصفها الحاضنة والموئل والمركز الذي يدفع الأذى عن وجودهم ويسهم في تحقيق الأهداف التي يقاتلون من أجلها وهي بالمناسبة أهداف غير شيعية بل أهداف تتعلق بحق الشعب العراقي بكل فئاته في الحرية والكرامة وحقه في اختيار النظام الوطني النابع من إرادته الحرة المستقلة وليس نظاماً تابعاً.
لذلك ليس صحيحاً القول أن المرجعية الدينية في النجف تدافع عن شيعة العراق. إنه كلام مغرض ويسعى إلى إسقاط حق النجف ومرجعيته الدينية في المشاركة بتأسيس الحياة الديمقراطية والعدالة والمساواة والإيحاء بأن أكبر خدمة يمكن أن تقدم في إطار تقزيم العراق وتقسيمه تكمن في إسقاط حق النجف التاريخي في الدفاع عن القضايا الكبرى في حياة الشعب العراقي والتضييق على دورها الوطني ومحاولة تأسيس أكثر من مرجعية في البلاد مع أن مرجعية النجف كانت من المبادرين إلى دعوة كل العراقيين لاستنهاض همم الوحدة السياسية والشعورية العاطفية ووحدة الرأي وقيام كتل قيادية تتولى الدفاع عن قضايا العراقيين.
المسألة الأخرى هي أن الإمام السيستاني لا يدعو إلى قيام جمهورية إسلامية قائمة على أساس الولاية المطلقة للفقيه وهو إيحاء بضرورة دق إسفين ما بين النظرية والفقيه والفقيه والتوجهات الشعبية التي تقضي بضرورة تحقيق أهداف الناس وتطلعاتهم في اختيار لون النظام السياسي الذي يريدون سواء كان هذا النظام إسلامياً أو ليبرالياً.
إن عدم ترجيح الإمام لنظام جمهوري إسلامي لا يعني أبداً عدم الإيمان أو السعي لإقامة هذا النظام في حياة المسلمين. إن ظروفاً موضوعية وأسباباً وجيهة داخلية وخارجية ـ عراقية ودولية مع الأخذ بنظر الاعتبار واقع التنوعات والتناقضات والتباينات الفكرية والفقهية في إطار المجتمع الإسلامي كلها تدفع باتجاه تأجيل إقرار هذا النظام لكن وكما أسلفنا لا يسقط فقيه من الفقهاء حق الأمة في إقامة النظام الإسلامي كون هذا النظام يمثل خلفية تاريخها وهويتها وأصالتها الحضارية والأخلاقية فكيف بالمجتهد الفقيه الذي يمثل العمل من أجل الإسلام جوهر وجوده وهويته ومثال حركته في الحياة؟
والقضية الأخرى أيضاً كما نراها واحدةً من أهم تناقضات لويزار هي أن مطلب الإصرار على إجراء الانتخابات لدى السيد الإمام يعتبره لويزار في ظل الاحتلال غير موفق لأن ذلك يكرس الاحتلال بدل نشود الحرية وهذا خطأ فادح.
إن لويزار لا يعيش في الساحة العراقية ولم يقرأها بالاعتماد على (لعبتها الداخلية) وطاقتها الفكرية والروحية وشروطها التاريخية. ولا يدرك الضرورات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والضغوط النفسية التي تتعرض لها البلاد في ظل عدم وجود دولة ونظام يتمتع بالسيادة. إن الإمام السيستاني يريد أن يختصر الطريق من أجل ولادة هذه الدولة. إن لويزار يريد دولة من دون قادة ونظاماً بلا قوانين وجمهور بلا مرجعية وبلداً لا صوت فيه لفقيه ولا رواج لآليات الديمقراطية، بينما الديمقراطية تبقى حكراً على المواطن الفرنسي والبريطاني والألماني والأسباني كون هذا المواطن آدمياً والآخرون في الشرق (بهائم)!!
إن الإمام يرد على ذلك بالإصرار على إجراء الانتخابات والإفادة من الدروس المستفادة من الديمقراطية كي يحصل الشعب العراقي على حريته ولأن الإمام يدرك أهمية الإفادة من الديمقراطية وتعرية الوجه القبيح للآخرين الذين يصرون على أن الشعب العراقي قاصر ولا يجوز منحه الديمقراطية الممنوحة لغيره من الشعوب راح لويزار (يصب) جام غضبه على مرجعية الإمام بوصفها مرجعية تريد استعادة حقوق (الشيعة) ولا تعني تلك المرجعية بحقوق الأقليات الأخرى كالأكراد والسنة مع أن السنة عراقيون عرب ومرجعية الإمام تدافع عنهم وتضعهم في نفس الأولوية والأهمية التي يوضع فيها الشيعة وكذلك الأكراد.
ولعل لويزار لم يقرأ الفتوى الشهيرة التي أطلقها الإمام الحكيم بعدم قتال الأكراد وتحريمه في عهد عبد السلام عارف (رئيس عراقي أسبق) وهو مسؤول مشحون بالطائفية والكره الشديد للأكراد العراقيين ولا زال الأكراد العراقيون يحفظون بود كبير للإمام الحكيم هذا القرار الديني التاريخي الذي كان له دور كبير في حقن دماء الأكراد وفي زيادة لحمة العلاقات الأخوية العربية ـ الكردية.. فما أكثر أخطاء لويزار!!؟
ويضيف لويزار وهو يتحدث عن هيمنة الإمام الروحية ودفاعه عن الدستور لكن بخبث فرنسي معهود:
(والمهم بالنسبة للسيستاني هو رؤية هوية الغالبية الشيعية مكرسة ومسجلة في النصوص الدستورية في ظل تفوق النجف معترف به وهو ما يشكل بالتالي قبولاً بـ (لبننة) النظام العراقي بالمعنى الإيجابي للكلمة).
إن مشكلة الفكر الغربي سقوطه في التعمية السياسية لذلك فإن مرجعياتنا الدينية لم يكن هدفها في أي وقت تكريس الطائفية بقدر ما كانت تعمل من أجل الدفاع عن الطوائف الإسلامية كونها تشكل القاعدة الأخلاقية والفكرية والفقهية والبشرية والتاريخية للوحة المجتمع العراقي.
والإمام السيستاني كان وما يزال أميناً على هذا الطرح المتسالم عليه عند الأوساط الجماهيرية في الطائفتين الشيعية والسنية وعند المرجعيات الدينية.
لذلك كان دفاع الإمام عن الشيعة فيما ورد بنصوص الدستور ومجمل ملاحظاته واستدراكاته السياسية دفاعاً يعكس رؤية فقيه مسلم إزاء طائفة مليونية ليس بالضرورة أن يكون جزء من سنخها أو طبيعتها وزعيماً لقرارها الروحي وحوزاتها الدينية بدليل أن الإمام رفض الكثير من النصوص التي تشعر العراقيين وأي نظام سياسي قادم بعد جلاء القوات الأميركية من البلاد بالهيمنة والفوقية. ثم أين هي الغرابة وأين مكمن الإشكالية حين يدافع فقيه مسلم ولديه كفاءة عالية في التصدي لمختلف الشؤون السياسية في البلاد عن شيعة العراق؟ أليس الشيعة ساهموا في صناعة تاريخ العراق في الماضي وفي الحاضر ولا زالوا يقدمون الدم الغزير إكراماً لاستقلال العراق وحريته وأمنه واستقراره؟. ثم من يدعو إلى قيام نظام طائفي على غرار النظام اللبناني مثلاً ومن يريد تكريس الطائفية السياسية في البلاد بعد أكثر من ثلاثة عقود من القمع واستخدام آليات الموت والدمار ضد الشعب العراقي؟ أليس القائمون على ذات الصيغة اللبنانية ومؤسسوها 1943 في باريس؟ نسجل هنا للتاريخ أن أول صيغة سياسية استعمارية لا زالت تحكم بلداً عربياً مسلماً ـ عكست رغبتها في تطبيق السلطة وتقاسم النفوذ وتفتيت لُحمة الجغرافيا والتاريخ هي الصيغة الفرنسية في لبنان أو ما يعرف بصيغة 1943؟!