عرض مشاركة واحدة
قديم 15-07-2008, 01:23 PM   رقم المشاركة : 29
أبو لؤلؤة الفيروزي
طرفاوي بدأ نشاطه
 
الصورة الرمزية أبو لؤلؤة الفيروزي
 






افتراضي رد: ((((عــلــمــاً ستبقى سيدي السيستاني-رغم الزعيق لزمرة الشنان))))

حيا الله جميع الأخوة سيما الأخوة الأعزاء " ابن الشهيد وأبو الياس وروح الله " وأتشرف بخدمة حذاء السيد المرجع بخدمتكم ...
تتبع هذه المشاركة للفصل الأول وان شاء الله في المشاركة اللاحقة نضع بين أيديكم تتمة هذا الفصل بحول الله وقوته .



الإمام والمتغيرات الإنسانية

بعد سقوط النظام الشوفيني الفاسد في بغداد أمكن للعديد من مراكز الدراسات والمعاهد السياسية والفكرية الغربية والفرنسية منها بالتحديد التعرف على أبعاد مهمة من شخصية الإمام المرجع والإلمام بها واكتشاف قوة وسطوة المرجعيّة الشيعيّة المتنورة على الحياة السياسية العراقية من خلال ما توافر لهم من رموز دينية وقوى سياسية وفعاليات وجمعيات ومؤسسات وفوق هذا وذاك الموقع المهم للمرجع الأعلى في الحياة الشيعية الذي يتولى رعاية المذهب والأمة بجميع شرائحها وأطيافها وقد قام الاختصاصي في شؤون الحركات الشيعية في الشرق الأوسط لدى (المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية بيار جان لويزار) بوضع دراسة مفصلة تناولت أبرز جوانب شخصية المرجع الديني الكبير الإمام السيد علي السيستاني (دام ظله) وبالرغم من الملاحظات والهنات والزلات ومواطن الخلل الكبيرة التي ظهرت في الدراسة التي تم قراءتها بشكل موضوعي ومتأن من قبلنا إلا أنها تصلح لتكون مادة أولية ومحاولة مبسطة للتعريف بمرجعية الإمام السيستاني.

ولأننا حريصون على إجراء مقاربة حقيقية لكل الأفكار والموضوعات والدراسات الغربية التي تناولت حياة وأبرز أبعاد مرجعية النجف وخصوصاً مرجعية الإمام فقد كان لزاماً علينا المضي في تحليل وقراءة واكتشاف قيم مرجعية النجف في عيون الباحثين والمفكرين والدارسين الغربيين والفرنسيين منهم بشكل خاص لإيمان حقيقي إن قيمة هذه المرجعية وعظمتها وحجم دورها لا يمكن إدراكه إلا من خلال عيون الآخرين بعد أن طمست مرحلته العراقية الحالية أو على الأقل مرحلة العقدين الماضيين العديد من معالم هذه المرجعية بل وصَلَ الأمر بعدد كبيرٍ من أبناء الطائفة والدارسين وحتى من طلبة العلوم الدينية والذي يدورون في فلك الحوزة العلمية إلى التطاول والتجاوز على قيمة وحرمة وقدسية وتأثير ودور هذه المرجعية في حياة الشعب العراقي وشعوب الأمتين العربية والإسلامية. ونحن هنا نذكر كل هؤلاء بأن الآخرين يحترمون القيادات الروحية والزعامات المرجعية وتأثيرها أكثر من أولئك الذين يصرخون ليل نهار بالدفاع عن المرجعية الدينية.

يقول لويزار وهو يصف الإمام.

«محيط من الثقافة، يوجهه إيمانه ويضع الدين فوق كل شيء، يلف إبهام متعمد مواقفه وأسلوب علمه، لأن الخوض في الأمور السياسية يثير اشمئزازه، لكنه اضطر إلى ذلك حفاظاً على موقع المرجعية في ظل الظروف القائمة في العراق».

قلنا في البداية أن كلام الأكاديمي لويزار عن مرجعية الإمام سيبقى في إطار ما يعرفه الغرب ومدارس الاستشراق ومعاهد البحث العلمي الغربية عن المحطات الأساسية في الحضارة العربية والإسلامية وفي مقدمتها وجود المرجعيات الدينية ويبقى النص هذا يقرأ الحالة المرجعية من الخارج لأنه يبقى نصاً يفتقد إلى (الروح) التي تشحنه من الداخل بنزعة الإيمان بسيادة نصوص الحضارة الإسلامية على الوحدة الشعورية الإنسانية كون الإسلام هو الطريق الأرحب الذي ستجد الإنسانية في ظلاله أهدافها في الحرية والسيادة والرقي.

وقلنا أن لويزار لن يدخل إلى التفاصيل أو يصل إلى بعض ومضاتها الروحية الخاصة بمفردات شخصية وسلوك المرجع الديني الكبير أو مقام وموقع هذه المرجعية في حياة الناس، ورغم ذلك فلويزار لامس محطات مهمة في أبعاد شخصية المرجع السيستاني فتحدث عن ثقافته المحيط أو المحيطة التي هي لازمة حقيقية فريدة رافقت وترافق غالبية مراجعنا العظام وهم يتقدمون الصفوف الأولى والمقامات العليا للمعرفة والإلمام العميق بالأشياء الكونية ومفرداتها الواسعة.

وحين يتحدث فرنسي يعتد بقيم حضارته وآدابها ونصوصها وقدمها في سلم الأعمال والنتاجات الفلسفية والفكرية والمعرفية عن مرجع ديني يتناقض معه في التصور وفي الوجهة السياسية وفي الدين والمعتقدات الروحية ويصفه بالمحيط فهو بالتأكيد لم يتعرف على المرجعيات الدينية التي سبقت الإمام كالمرجع الخوئي والشهيد الصدر الأول والثاني والإمام الحكيم والبروجردي وغيرهم من المرجعيات المحيطية، ورغم ذلك فهو يعترف ومن موقعه المعرفي والتاريخي في تقييم الأشياء والمؤسسات والشخصيات والمرجعيات الدينية أن هذا المرجع محيط من الثقافة.


إن هذا المرجع الذي يتمدد على مساحة 150 مليون شيعي في العالم ويحظى باحترام وتقدير وأهمية واهتمامات مراكز سياسية وقوى دولة كبرى في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية تحوطه الهيبة والوقار ويبتعد قدر الإمكان عن كل التفاصيل التي تحاول أن تسحب (الموقع التاريخي الهام) للمرجعية الدينية إلى مفرداتها والإمام يدرك أن الغوص في التفاصيل يبعد المرجع عن التزام القضايا الكبرى في البلاد وفي عموم التزاماته في الأمة لكي يعطي لتلك القضايا وزنها وأهميتها وحقها وقيمتها في حياة الناس.

وفي هذا الإطار عرف الإمام من بين معاصريه بدقة تدخلاته في قضايا البلاد، أما القول الفرنسي بأن الإمام يضع الدين فوق كل شيء فهو قول يدهش الذين يعرفون أصول المرجعية الدينية وفضائها الروحي وحكمتها الربانية البالغة، فالقاعدة في المرجعية أنها تضع الدين والمصلحة الإسلامية العليا في قمة الأولويات، ولولا الدين لم تقم المرجعية الدينية والأهم من كل ذلك أن المرجعية لا تكون بمعزل عن الدين وهي مرجعية للدين وليست لأحد سواء كان شخصاً أو مرجعاً سياسياً أو مؤسسة أو دولة.


البعيدون عن المرجعية الدينية يعتقدون أن الإبهام والغموض يلف مواقف الإمام في المسائل المختلف عليها سواءً بين العراقيين أنفسهم أو ما بينهم وبين سلطة الائتلاف المؤقتة في البلاد، العكس هو الصحيح. فالإمام واضح في فتاواه ومواقفه وطروحاته وسياقات فعله ونظراته وآرائه السياسية، الفرق ما بين الإمام كمرجع وغيره من الذين يقصدهم المحلل الفرنسي لويزار من السياسيين الذين (يطلون) بكثرة على أضواء المشهد السياسي الوطني هو في (الاحتياط) الذي يغلف المواقف والتوجهات. فالإمام كمرجع مسؤول عن الأمة ومشاعرها ومصالحهاـ حاضرها ومستقبلها وتطورها وهزيمتها يفهم ويدرك جيداً أن الموقف إذا ظهر انطلق في فضاء المواقف السياسية والفتاوى الدينية إلى التداول ومعنى ذلك أن الفتوى ستكون ملك الشارع وفي متناول يديه وليست ملك الفقيه المطلق لها. من هنا (يتأنى) الإمام كثيراً في المواقف الإسلامية والقرارات الوطنية، لكي يأتي القرار الديني مستوفٍ للجهوزية المفترضة، قوياً في معالجته للواقع، فاعلاً في صناعة الفضاء السياسي الذي يخدم الناس.

والإمام الذي يصنفه لويزار بأنه دخل أخيراً المجال السياسي لاشمئزازه من الأمور السياسية كان في قلب العملية السياسية سواءً في عهد النظام السابق أو في العهد الذي تلاه مباشرة بدليل الأجواء السياسية المؤيدة للإمام في كافة أنحاء العراق والفعل وخير فعل فتواه السياسية في المشهد الوطني العراقي. لكنه لم يكن يتدخل في التفاصيل التي تدمر برأي العقلاء أسس القضايا الكبرى في العراق.

وفي المعلومات التي كانت تردنا قبل سقوط النظام الفاشي في بغداد عن الإمام المرجع أنه كان يصل الأمة بمختلف طرق الاتصال والتواصل وكان يخصص مبالغ طائلة من بيت المال لإعالة الآلاف من العوائل العراقية المنكوبة للأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية التي بات يعرفها القاصي والداني في العراق وفي العالم عن مأساة العراقيين في ظل النظام وكان لهذا التحرك أثر بالغ في توجه العراقيين الديني وعودتهم إلى منابع الإسلام كبديل وموئل والمرجعية الدينية كحاضنة روحية تقف معهم وتتعايش مع توجهاتهم وطموحاتهم ومعهم في أهدافهم وأمانيهم في الحرية.

لكن الإمام كان قلقاً على مصير الحوزة العلمية ومستقبل هذه الحوزة كمركز استقطاب هام للحضارة العربية الإسلامية في ظل نظام القمع والظلم والاستبداد السابق وقد تعرض الإمام السيستاني (دام ظله) في النجف إلى محاولة اغتيال نفذتها مجموعة من أزلام المخابرات العراقية قتل على أثرها موظف في مكتبه (دام ظله) ونجى الإمام عشيتها في الحادثة كونه لم يكن موجوداً في المكان. أقول أن الإمام لو لم يكن يشكل خطراً على وجود النظام السابق لما أقدم على محاولة تصفيته.


بإعجاب واضح يتحدث لويزار عن السيد السيستاني ويصفه بـ(الشخصية المثيرة للدهشة) ويقول أنه «لا يمكن من يلتقيه ألا أن يشعر بأنه يعيش حدثاً استثنائياً. خصوصاً في ظل الفارق الواضح بينه وبين الجيل الجديد من رجال الدين الذين يفتقرون إلى الثقافة الدينية التي تعادل ثقافته، وقبل الثقافة هناك الإيمان الذي يوجه السيستاني ويحمله على وضع الدين فوق كل شيء فيضفي على حضوره هالة من الهيبة والوقار).

ويقول لويزار وهو يشرح بعملانية واضحة ولغة محايدة وتوصيفية المزيد من أبعاد المرجع وحياته (يعيش السيستاني في شبه سرية في النجف ونادراً ما تتسنى مقابلته) ويردف لويزار (أن سقوط صدام حسين لم يغير الكثير في وضعه إذ كان في السابق قيد الإقامة الجبرية وهو اليوم حريص على العيش بعيداً عن أنظار العامة).

لويزار يتصور أن الإمام يعيش بعيداً عن أنظار عامة أبناء الشعب العراقي وهو كلام يفتقد إلى الدقة. فالسياق التاريخي العام الذي حكم علاقة المرجعيات الدينية في النجف مع الناس يشير إلى أن بيوت المراجع كانت مفتوحة للناس وكان عموم شيعة العراق يستلهمون كل القيم الأخلاقية النبيلة ومعاني السمو والرفعة والدفاع عن الإسلام والأوطان من وجود المرجعيات الدينية في حياتهم مثلما كان المراجع قدوة وأسوة حسنة لكل أبناء الطائفة والطوائف الأخرى بالنظر لحياة الزهد والتقشف والترفع عن مباهج الدنيا ومكارم الأخلاق التي كانوا عليها.

إن الإمام السيستاني جزءً من هذا السياق لكن من المهم أن نقول بأن الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد تجبر القيمين على حماية المرجع الأعلى القيام ببعض الاحتياطات التي من شأنها أن تحمي الإمام وتبعده عن دائرة الاستهداف خصوصاً وأن لغة القتل والتصفيات الجسدية في العراق هذه الأيام خرجت عن حدود الفلتان والفوضى الأمنية إلى دائرة محاولات الإيقاع بين فئات المجتمع العراقي الواحد في حروب الإبادة والفتن الطائفية. وقد دلت التجربة العملية أن العراقيين أوعى وأكبر من كل المحاولات الرامية إلى تغييب الوطن وتجزئة المشاعر وتقسيم الضمائر وذبح اللحمة الوحدوية التي حكمت ومازالت نسيج علاقات الطائفيين الشيعية والسنية في العراق.


وينتقل الكاتب والمحلل الفرنسي لويزار إلى مشهد آخر من مشاهد رؤية الفضاء الإنساني والسياسي والفقهي للإمام فيقول:

«وعندما يوافق على مقابلة أحد فأن اللقاء لا يتم على انفراد، ويخضع لقواعد معينة وتجد الشخص الموجود في حضرته أنه يتبعها تلقائياً فلا يوجه أنظاره مباشرة إلى السيستاني ولا يوجه الكلام مباشرة إليه. إذا أتى الجواب يتم دائماً عبر أحد أتباعه الذي يتولى نقل الكلام منه وإليه حتى عندما يدور الحديث بالعربية. لكن الحديث معه ـ وفقاً للويزار ـ لا يخضع لأي محضورات. فهو منفتح على الأسئلة المختلفة التي يمكن أن تطرح عليه ويعطي الانطباع بأنه يمتلك محيطاً من الثقافة».

ويسترسل لويزار في سرد مشاهداته بالقول أيضاً «يأخذ السيستاني وقته في الإجابة ويتسم كلامه أحياناً ببعض الغموض كونه يتضمن إشارات عدة إلى آيات قرآنية أو إلى أحاديث فهو ربما يمثل الجيل الأخير لكبار رجال الدين ويتميز عن سواه من رجال الدين في كون الدين بالنسبة إليهم بمثابة أداة سياسية».

ويتوقف لويزار الذي حلل مطولاً الفتاوى الصادرة عن السيد السيستاني عند التنظيم المحيط به فيقول أنه معقد ومبهم، لكن هذا الإبهام مدروس ومستخدم بطريقة شديدة الذكاء، فالفتاوى التي تصدر عنه لا يبلغ بها فورياً بل غالباً ما يعلن عنها بعد مدة على صدورها. وهناك دائماً فترة من عدم اليقين لا يكون فيها وجود الفتاوى مؤكداً ولا تكون صيغتها كفتوى مؤكدة ويكشف في الوقت المناسب عما إذا كانت فتوى أو مجرد إعلان أو بيان.

ويبرر لويزار هذه الدرجة من التعقيد بكون السيستاني من أصحاب المذهب (الطمأنيني) (الاحتياط) والتدخل في الشؤون السياسية والخوض في أمور ينظر إليها من الأعلى وعن بعد يثير اشمئزازه.

 

 

 توقيع أبو لؤلؤة الفيروزي :
المرجع الأعلى والإمام المفدى




أبو لؤلؤة الفيروزي غير متصل   رد مع اقتباس