السلام عليكم /
في مداخلات الأخوة والأخوات كثير من النقاط الهامة , وأعتقد أنّ هذه من القرارات التي قد لا تكون متوقفة على رأي البنت وحدها , فقد يتدخل فيه رأي الوالدين أيضا ً أو ربما الإخوان أحيانا ً إذا كانوا كبارا ً تبعا ً لتشخيص كل ٍ منهم للمسألة , وأيـّا ً كان صاحب القرار في هذه المسألة , فرفض السكن في غرفة واحدة في بيت أهل الزوج قد يكون لأحد الأسباب التالية :
1- فقدان الخصوصية التي يسعى إليها الزوجان ولا يمكن تحقيقها إلاّ من خلال سكن ٍ خاص بهما
وهذه الخصوصية قد تغيب في ظل القيود التي تحيط بالزوجين , فإذا كان بيتا ً مكتظا ً بأفراده , فما من شك أن ّ تحصيل الخصوصية في مثل هذه الحالة صعب ٌ جدا ً , فأوقات الراحة الخاصة بهما ليس بأيديهما , وهما ملزمان باصطياد الفرصة ليتحقق لهما جزء ٌ بسيط مما يتطلعان ِ إليه .
وكلما كان مستوى الخصوصية للبنت في هذا البيت أكبر كان القبول به أكبر , فحصولها على غرفة ودورة مياه خاصة بها قد يعطيها خصوصية أكبر , ووجودها في جناح منعزل داخل البيت سيعزز هذه الخصوصية أكثر , واستقلاليتها بمرافقها الخاصة بها بما يشمل المطبخ وغرفة أخرى للأولاد قد يحقق مستوى مقبولا ً من الخصوصية حتى وإن كان تابعا ً لبيت أهل الزوج , و لا يعني أن ّ الخصوصية لا تتحقق البتة بغرفة واحدة فقط إذا كان هذا الولد ( الزوج ) مثلا ً وحيد والديه وهو يعيش معهما , فباستطاعة البنت أن تحقق جزءا ً كبيرا ً من خصوصياتها داخل هذا البيت , ويتصعب الأمر فيما إذا زاد عدد العنصر الذكري في المنزل مما يتطلب منها تحفظا كبيرا ً ومدارة ً دائمة ً للحجاب الشرعي في جميع حالاتها وأوقاتها ,
وخلاصة القول في هذا الشأن : أنـّه تبعا ً لمستوى الخصوصية التي ستحصل عليها البنت , سيكون القبول بهذا الزواج غير بعيد .
2- قلق البنت أو أهلها من عدم الانسجام مع أهل هذا البيت , ومحاولة درء أي إشكالية قد تحصل في المستقبل بين البنت وأهل زوجها خصوصا ً إذا كان للزوج أخوة ٌ متزوجون في نفس البيت وعندهم أولاد ٌ, وهذا قد يحصل نظرا ً لاختلاف الطبائع , وتزاحم المصالح , وفي أحيانٍ أخرى قد تلعب الغيرة دورها في هذا الجانب , فهذه الأم قد يداخلها إحساس بالتهميش من ابنها وهي ترى جل ّ اهتمامه ينصب على زوجته , وربما يكون عند الزوجة نفس الشعور تجاه أم زوجها في أحيانٍ أخرى , وفي جانب آخر وجود زوجات الإخوان , وما قد يتسبب فيه توزيع المسئوليات داخل البيت من رفض أو تمرد كلّي ٍ أو جزئي ٍ من هؤلاء الزوجات أو إحداهن , وليست هذه النظرة تشاؤمية ً بقدر ما هي واقع لا يسعنا الهروب منه , فبيتٌ هكذا مواصفاته لا بدّ له من إدارة حكيمة وواعية فهل إلى ذلك من سبيل .
3- قد يكون حجم المسئوليات المطلوبة من البنت كبيرا ً بحيث يتعارض أحيانا ًمع الخط الذي رسمته لحياتها , ومن ذلك إذا كانت طالبة ً وتريد مواصلة دراستها أو دراسة تخصص يتطلب منها جهدا ً مضاعفا ً خصوصا ً إذا كانت فكرة مواصلة الدراسة مقبولة عند الزوج , أو كانت موظفةً معلمة ً أو غير ذلك , وطبيعة عملها قد يفرض عليها نمطا ً خاصا ً بها في حياتها , وجدولة ً معينةً لأوقاتها , ويمكنها تحقيق ذلك كله من خلال القبول والتفاهم في هذا الامر بين الزوجين , من خلال سكن ٍ خاص ٍ بهما , قد يبدي أهل الزوج عند خطبتهم هذه البنت ترحيبهم بأي مسار تريد أن تنتهجه البنت في حياتها , وأنـّهم ليسوا ضد طموحاتها , ولا يطالبونها بأي مسئولية , والمهم عندهم سعادة ابنهم لا غير , إلاّ أنّ هذه النظرة قد تتغير أحيانا ً بعد الزواج , فيبدون تذمرهم من البنت وتخليها عن بعض المسئوليات التي يرون أنـّه من واجبها فعلها .
أعتقد أنّ هذه هي أهم الأسباب التي يتعلل بها من يرفضون فكرة زواج ابنتهم في بيت لا تملك فيه سوى غرفة ٍ واحدة , وعلى الرغم أنـّه لا بدّ لنا بما تسعه أيدينا أن نذلل أي صعوبة تعترض مشروعا ً كهذا المشروع المبارك وهو الزواج ما دام هذا الشاب يحمل الكفاءة والأهلية , إلاّ أنـّني لا أقول إن ّ موضوع السكن أمر ٌ هامشي ٌ , بل مهم ّ ٌ جدا , وقد تنبني عليه سعادة الزوجين , قد لا يؤخذ هذا الأمر في عين الاعتبار كما ذكرت الفاضلة ريحانة إذا كان لفترة مؤقتة , أما إذا كان هذا الوضع ممتدا لفترة طويلة قد تتجاوز مرحلة ما بعد الإنجاب فالأمر يبدو صعبا ً ويحتاج إلى دراسة مدى ملائمة هذا الزواج قبل الدخول في إشكاليات عريضة ٍ تؤدي إلى شرخ في العلاقة الزوجية , خصوصا ً إذا كان هذا الشاب ذا راتب ٍ محدود , ولا يسعه أن يستقل في مسكن ٍ خاص في المستقبل القريب , ولذا إذا تم القبول بهذا الزواج , فالزوجة مطالبة بالصبر والوقوف مع زوجها في محنته , وتجاوز ما يأتي منه من تقصير , أو ما يحدث من تبعات لحياتها في وسط هذا البيت , ومحاولة التأقلم مع محيطه .
أخي المسافر , سافرت بنا بعيدا ً في موضوع جدير ٍ بالنقاش , والموائد في ذلك كثيرة , وتبقى القناعات هي سيدة الموقف .
تحياتي