السلام عليكم /
المثالية قد تعبـّر في الجانب العملي عن مبادئ َ يؤمن بها الإنسان ُ , وتسكن في قرارة نفسه كقناعات ٍ يتشبث
بها وإن ْ تصادمــت ْ مع وضــع ٍ سائـد ٍ أو تقليد ٍ موروث ٍ ,أو فكر ٍ مناهض , ولا يقدّم أي تنازلات عن هذه المبادئ لاي ٍ من الأمور العرضية , وقد يكون لكل إنسان ٍ نموذجه الخاص به ,
فما تؤمن به أنت قد لا يؤمن به الآخرون , بمعنى من تراه في نظرك أنــّه مثالي ٌ قد لا يراه الآخرون
كذلك .
والمثالية يمكن أن نقسمها إلى عدّة صور أهمها :
1- المثالية الدينية /
النموذج الأجلى للمثالية الحقة وهي المرتبطة بالسماء , وهذا النموذج من المثالية السامية هو نموذج العصمة الذي يعـدّ أعلى مراتب المثالية الذي أختص به المعصومون من الأنبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام .
وقد يدعي أتباع الديانات أنّ المثالية الحقيقية متمثلة فيه لأنـّه ينتمي إلى دين ٍ في نظره هو النموذج الأوحد, بينما قد ترى تناقضات ٍ تدحض هذا التوجه , وحتى في أتباع الرسالة المحمدية من يدعي المثالية ويعيش التناقضات العريضة مع نفسه , فبينما تراه يتشدد في مسائل دينية لا طائل من التشدد صوبها , قد تجده يتهاون في مسائل أخرى هي من الأحرى والأولى أن يكون متشددا ً متصلبا ً فيها , وما التنظيمات الإرهابية المنتسبة للاسلام إلا ّ من هؤلاء الشريحة فهم يعيشون وهما ً يسمونــه في فكرهم المنحرف مثالية .
2- المثالية الأخلاقية والإنسانية /
وهي مجموعة القيم والمبادئ التي يتفق على حسنها العقلاء ويتمسكون بها بعيدا ً عن التصنيف الديني أو العرقي أو حتى اللغوي , وتجد في كل مجتمع نماذج مثالية قد تصلح لأن ْ تـُقدّم كنموذج للأخلاق السامية والمبادئ الإنسانية الخلاّقة , فمن نماذج التاريخ الملك النجاشي الذي كان مثالا ً للعدل والحكمة , وإذا كنا نعتمد على التعريف الفلسفي للمثالية وهي ( العقلانية ) فنرى هذا الرجل مثّل هذه العقلانية , ولذا احتمى به المسلمون في الصدر الأول للاسلام .
3- المثالية الوطنية /
وهو الالتزام بواجبات المواطنة ورعاية حقوق الآخرين النظامية والقانونية , والتفاعل مع المحيط في معادلة الأخذ والعطاء , ويمكن لكل مواطن على هذه الأرض أن يحقق قدرا ً من هذه المثالية .
والقول في مجمله
إن ّ المثالية تستطيع أن تتجسد واقعا ً , ولا يمكن أن نصفها أنّها ضرب ٌ من الخيال , غير أنّ الأمر لا
يعدو كون المثالية متدرجةً في القوة والضعف , فقد تقوى في جانب وتضعف في جوانب أخرى من جهة , وتتفاوت نسب المثالية من إنسان ٍ لآخر صعودا ً وهبوطا ً من جهة أخرى , ولا يمكنها أن تكتمل الا ّ في النموذج الرباني المتمثل في أطهر الخلق عليهم السلام .
إنّ النموذج المثالي الحقيقي ( ولست ُ أتكلم عن المقنـّعين ) قد يكون مرفوضا ً لا لأنـّه يفتقر إلى المصداقية , ولكن لأنّ المحيطين به لا يمكنهم الانسجام مع خصوصية هذه الشخصية وملامحها المثالية , لأنهم لا يمتلكون الأرضية الصالحة لاحتضان هذه الشخصية , أو أنّ هذه المثالية تستوجب منهم أن يستجيبوا لمتطلباتها التي ربما تحتاج إلى بذل وحرمان وتضحية , ومن هذه النماذج هو أمير المؤمنين عليه السلام وهو القائل : ( ما ترك لي الحق من صديق ) فمثالية الحق أفقدت ْ أمير المؤمنين عليه السلام أصدقاءه وجلساءه , بينما من تشـرّبوا هذه القناعات من خالص أصحابه تدافعوا لنصرة الحق معه والنماذج كثيرة .
أمـّا الظهور بصور شتـّى من وقت إلى آخر قد تظهر في حين ٍ مثالية ً وفي حين آخر غير ذلك , فهي بذلك تفقد المصداقية وتقع في المتناقضات الكثيرة , قد تستطيع الحفاظ على صورة المثالية نوعا ً ما في محيط ٍ معين فقط كالأسرة مثلا ً , ولكن الأخطاء المتكررة قد تكشف الصورة الحقيقة للإنسان .
هذا ما استطاع قلمي أن يلتقفه في هذا المرور السريع , اغفروا لي تقصيري .
مثالية , قلمك مبدع , فإلى مزيد ٍ من الإبداع .
تحياتي