رؤية نقدية لنظرتين حول الروايات:
النظر الكلي والشمولي إلى المرأة، من المنظار القرآني العام، لا يبقي أدنى تردّد في أنّ التوجهين يعانيان _ في التدقيق الأولي _ من مشكلةٍ، يشتركان فيها؛ هي عدم محاولة فهم الدلالة من خلال استفهام هذه الأحاديث ضمن مجموعةً متكاملة أخرى، تعبر عن الرأي الإسلامي أيضاً. النّقاش حول هذه الروايات وحدها، بعيداً عن كل ما يمكن أن يتكامل فهماً، وإيضاحاً وإكمالاً، وتقييداً، وتخصيصاً، وما إلى ذلك من علاقات أصولية تحكم مفردات منقولة من خطاب الشرع، سيترك انطباعاً ونتائجاً قريبةً من الرأيين الماضيين؛ أي القبول بالمدلول الحرفي، أو الرّفض المطلق، واعتبار النصوص الحاوية للإشكالات المعرفية خارج الصحة والحجية العلمية.
ولكنّ الحقيقة؛ هي أنّ الفهم الشامل للدين، المتكون من عناصر متنّوعة غير منحصرة في النصوص، واسعة الحدود وقابلة التعدد والفهم، هو وحده يضمن قراءة من الواقع. ومثل هذا الوعي الشمولي، يساعدنا لنقف على حقيقة الموقف الإسلامي من أي موضوع وقضية، وأيّ محاولة لفهمٍ مبتورٍ من هذه المنظومة، شديد الخطورة، وقليل الإصابة للهدف الحقيقي والمقصود الواقعي.
وفيما يتعلق بالمرأة، لا يمكن الوصول إلى موقف موضوعي (بالنسبة للدين) إلاّ من خلال اعتبار المعرفة المتعلقة بالإنسان، أو ما يتعلق بالمنقول الشرعي عن المرأة _ في أقل تقدير _ هي سابقة لوعي مجموعة من الأحاديث الواردة في أحد مصادر السنّة. إنّ إدراكنا لهذا الأمر، خصوصاً عبر دراسة جيدة وواسعة عن المرأة في القرآن الكريم، وكذلك في أصول الدين ومقاصده وأسسه معرفةً وسلوكاً وعقيدةً، هو أكبر مؤثر في القدرة على معالجة نصوص نهج البلاغة.
من هنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الخطاب الإسلامي والشرعي في القرآن الكريم؛ فيما يتعلق بالأوامر والنواهي، أو يتصل بالجانبين الموضوعي والواقعي، متوجهٌ صوب الإنسان مطلقاً. وأن الاستجابة له من قبل الإنسان تتطلب قدراً محدداً من الإنسانية لا يملكه كلّ إنسان. ومن المعلوم الضروري، أنّ اعتبار مثل هذه الروايات المخصّصة _ حسب المصطلح الفني الأصولي _ لخطاب القرآن العام غير وارد وغير معقول أصلاً. لأسبابٍ كثيرةٍ جداً لا يمكن تناولها في مقال بهذا الحجم؛ لأنّ الآيات المتعلقة بأفرادٍ أو أجناسٍ دون «الإنسان» ككل، واضحةٌ جداً، وهي آيات تتعلق بالعبادات والمعاملات، أو الأدوار المتنوعة للرجل والمرأة في الحياة الاجتماعية أو الأسرية... أما الحديث عن إمكانية تخصيص الآية الشريفة: «... وشاورهم في الأمر» بالرجل، وإخراج المرأة مطلقاً من دائرة اشتمال الآية استناداً إلى أحاديث من قبيل ما مرّ، غير مقبول بداهة. ولا أعتقد أنّنا في حاجة إلى إثبات ما هو واضح جداً. ولعل السبب في التأكيدات القرآنية الكبيرة في التسوية بين الذكر والأنثى، عائد إلى وجود بقايا من النظرة الجاهلية تجاه المرأة، رغم كون مخاطبة القرآن هي إنسان، والناس، والذين آمنوا، وما شابهه من مفردات عامة مؤدية للمفهوم، لولا تلك الدوائر المتحجرة من الرؤية الموروثة لدى معاصري الوحي، حيث لزم أمر الإصلاح الجذري صياغة مثل التأكيدات هي من قبيل «من ذكر أو أنثى» هذا التأكيد قد تكرر كثيراً؛ ليكون دلالةً قويةً على نفي وجود أي اختلاف في أهلية الإنسان مطلقاً؛ في العقل والاستيعاب؛ لأجل الاستجابة المطلقة والكاملة لأمر الله وشريعته.
وأما الخصوصية الموجودة للرجل، أو ما يعبٍّر عنه القرآن الكريم «يفضل بعضهم على بعض» ووجود تميّز لكل على الآخر، فإنّها لا تبلغ فتوى «اعتبار المرأة أقل إيماناً أو عقلاً»، مثلاً، ليس لأنّنا نستثقل ذلك، وإنما لأنّ الآيات الصريحة تمنع مثل هذا التصور.
ما كان يحظى بأهمية قصوى _ هنا _ ضرورة التأكيد على أنّ فَهم المراد الحقيقي للحديث _ في حال ثبوته وصحته وقابليته؛ ليكون على طريق صناعة الحديث _ ينعقد بعد عرض الفروع المعرفية على الأصول والأسس، خاصةً الوحي والنصوص غير القابلة للخدش نصّاً ودلالةً وسنداً.
من هنا، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيظلان ثابتين في جوهرهما. وأيّ حديث عن إمكانية دلالة ما مر من أحاديث؛ من أنّ المعروف لو انطلق أو طلب من قبل المرأة فإن الرجل في وسعه أن يرفض، بل هو مطلوب منه فعل ذلك، فإن فهماً كهذا يناقض القرآن الكريم طبعاً.
والحل في هذه الحالة. هو تخفيف الجزمية في دلالة ألفاظ الحديث، ومعرفة الوجوه المتكثرة التي تتحملها كلمة «المعروف» مثلاً، حيث إنّ الأمر بالمعروف واجبٌ شرعي دون تدخل «الآمر بالمعروف» في امتثال الإنسان له. فمجرد ثبوت المعروف، يوجب على العارف به، والمأمور به أن يطبع ذلك. أمّا المعروف المطلوب مخالفته، أو عدم إطاعته، في كلام الإمام علي (عليه السلام) في حال تأكد النقل _ فإنه خارج عن نطاق المعروف الواجب امتثاله قطعاً، خاصة لو نظرنا إلى بعض ما روي عن الإمام علي (عليه السلام) فيما يتعلق بالمشاورة، حيث إن الروايات المذكورة قد حثّت على تركها إذا كانت للنساء، فإنّ المسألة متداخلة جداً مع موضوع مجموعة أخرى من الأحاديث. لا بد أن ننظر إلى المجموعتين منظمتين غير منفصلتين، أي ما يدل على منع مشاورة النساء، وما يدل على ضعف النساء العقلي، حيث أنّ الحديث عن إشكالية «العقل» لدى النساء تتقدم على الحديث عن مشاورتها أو عدمها.