ونتابع عرضه للروايات ..
المرأة في نهج البلاغة: عرض روائي
فيما يخص النصوص المتعلقة بالمرأة وقضاياها في نهج البلاغة، فإنّنا نحاول استعراض بعضها أولاً، ثم السعي إلى ما يمكن توسيعه في هذه المقالة، الموجزة تحليلاً وتعليقاً، ونعمل على إقناع القارئ بأنّ القراءات المجتزءة والانتقائية لا يمكنها التعبير عن عمق وكنه الرؤية الإسلامية تجاه الموضوع، ولا تمثّل إدراك الموقف الشمولي له.
1 - ينسب السيّد الرضي في نهج البلاغة إلى الإمام (عليه السلام) القول: «وإيّاك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهنّ إلى أفن وعزمهن إلى وَهن واكفف عليهن بأبصارهن بحجابك إيّاهنّ، فإن شدة الحجاب أبقى عليهن...».
كما يورد الحديث، كل من الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، والمجلسي في بحار الأنوار، وهو منقول في كتاب وسائل الشيعة، مع بعض الاختلاف في هذه المصادر. إضافة إلى أن مضمون هذه الرواية جاء في بعض النصوص الأخرى. كلها تحذّر على ما يبدو من مشاورة النساء، لكن لا نوردها هنا.
لا شكّ أنّ السبب في الحث على ترك مشاورة النساء _ على ما يظهر من دلالة هذه الروايات _ عائد إلى ما وصف به رأي المرأة وعزمها من أفن ووهن؛ أي لأنّ المرأة، حسب ما جاء في النص المروي، لا تتسم في رأيها بالكمال والمتانة. والأفن هو النقص والضعف.
2 - السبب قد يتضح أكثر، بالنظر إلى بعض ما ورد من أحاديث تصف المرأة بالعجز تارة، وبضعف القوة والنفس والعقل أخرى. وهذا فيما ينقله السيّد الر ضي في النهج نسبة إلى الإمام (عليه السلام) «ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببنَ أمراءكم، فإنهنّ ضعاف القوى والأنفس والعقول...».
3 - لعل الرواية الأكثر جدلاً وإثارة للسؤال والسجال؛ هي التي قد تضمّنتها الخطبة الثمانون، وهي الأكثر صراحة؛ لوجود أسباب ومبررّات لوصف النساء بما مرّ من ضعف أو أفن أو نقص:
«معاشر الناس! إن النساء نواقص الإيمان ونواقص الحظوظ ونواقص العقول، فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصلاة والصيام في أيام حيضهنّ وأمّا نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة رجل الواحد، وأما نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الأنصاف من مواريث الرجال».
إنّّ ما يرويه علماء السُنَّة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، في مصادر حديثية _ مثل سنن ابن ماجة _ قريب جداً من هذا النص.
وما ورد في كتاب الكافي صريح في اعتبار النقص في العقل والضّعف في الدين: «ما رأيت من ضعيفات الدين وناقصات العقول أسلب لذي لبّ منكن».
تعمّدت في توسيع رقعة النّقل والحديث؛ لزيادة دوافع التوقف عند الدلالة والاجتهاد أكثر منه عند السند؛ ذلك أنّ بعض هذه الأحاديث تعتبر صحيحة على الطريقة المعروفة في تقييم وتثمين الحديث، واعتبار القواعد الرجالية التقليدية هي المعيار للتصحيح والتضعيف.
4 - من أغرب ما جاء في هذه النّصوص، ما قد يُفهم منه أمرٌ صريحٌ بترك المعروف، لو كانت المرأة هي الداعية إليه. نجد روايات قد يفهم منها مثل هذا الأمر. غير أنّ النّص المعتمد هنا هو ما ينقله السيّد الرضي أيضاً عن الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: «اتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهنّ على حذر ولا تطيعوهنّ في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر».
5 - فيما يمكن اعتباره الحديث عن نقصان عقل المرأة، ما يرويه السيد عن الإمام (عليه السلام) في الخطبة (27) في صدد ذمّ رجال تقاعسوا عن واجب الجهاد:
«يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربّات الحجال».
6 - مما توهّمه النّاس في ذمّ المرأة أو إضعافها في النصوص الشرعية وما ينقله السيد عنه (عليه السلام) في النهج:
«المرأة عقرب حلوى اللَّسْبة».
نسعى في التحليل الآتي، إلى تقديم صورة تخفف ما يمكن أن يطرأ على الإنسان من استغراب، عند قراءة مثل هذه الرواية.
هذه جملة من أحاديث قد انطوى عليها كتاب نهج البلاغة، وهي بالمقارنة مع ما روي في المصادر الحديثية لا تشكِّل نسبة ملحوظة، والحديث هنا ليس بوارد الخروج عن الإطار المحدد مسبقاً. كما أنَّ إقحام مواقف تفسيرية متراكمة في التاريخ الإسلامي للعلماء والفقهاء تجاه القضية سوف يزيد من صعوبات التحليل، ويزيد التداخلات والتباينات.
نظرة أولية لما أسلفناه هنا من روايات عن الإمام علي (عليه السلام)، توحي أنّ المرأة في شخصيتها، تُتَّصف بأفنٍ في رأي، ووهنٍ في عزيمة، ونقصٍ في عقل، وعجزٍ في نفس، مما يبرِّر بشكل طبيعي جداً، أن تكتمل الصورة بأمر الرجال؛ بضرورة الابتعاد عن مشاورتها والحثّ على مخالفة رأيها، وإن كان ذلك الرأي مما يصدق عليه لفظ «المعروف»؛ الذي هو من أقدس وأهم المفردات الإسلامية، ذلك أن إنساناً موصوفاً بما قد مرّ من خصال سيئة، وقابلة للإفساد والتدمير المعنوي، من الواضح أنّ تجنبه، والسعي لعدم إشراكه في شيء من تقرير الحياة؛ هو خير وصواب وحكمة.
هذا ما تركَّز لدى بعض الناس، بل العلماء، مما دفع بهم إلى أحد أمرين: إما القول بدونية المرأة وأنها إنسان من الدرجة الثانية دون الرَّجل في الجانب الجوهري، وإما الاعتقاد بأن مثل هذه الروايات ضعيفة، وغير قابلة للاحتجاج العلمي والإسناد المعرفي، فيجب رفضها كلياً. والقول الأخير هو الأكثر رواجاً واعترافاً به في الأوساط المعاصرة على أقل تقدير، وإن كان عدد لا بأس به من هؤلاء يعبّر عن إضعاف هذه النصوص بحذرٍ وحيطةٍٍ، لا يغيران من واقع الموقف شيئاً كثيراً.
من الواضح أنّنا قادرون على تصور حالات أخرى أيضاً، من مواقف تجاه هذه الروايات. غير أنّ النسبة الغالبة تدخل ضمن هذين الإطارين وأظنّ أنّ القول بأي الأمرين يصعب في ضوء القراءة الشمولية والغائية للنصوص الشرعية، خاصةً في حال انضمام عناصر أخرى، غير نصيَّة، إلى دلالة النصوص الدينية؛ محاولة تجديد الوعي تجاه هذه القضية البالغة في التعقيد والأهمية.
.
.