عرض مشاركة واحدة
قديم 13-08-2003, 07:27 PM   رقم المشاركة : 15
ديك الجن
شاعر قدير
 
الصورة الرمزية ديك الجن
 






افتراضي

ونواصل بحث الشيخ ...

تعقيدات في دراسة قضايا المرأة إسلامياً:


دراسة الاهتمامات النظرية حول المرأة، وقضايا متعددة الجوانب تتعلق بها، تكشف عن وجود تعقيدات وإشكاليات كثيرة جداً، خاصة ذلك الإطار المتصل بالدوائر التقليدية، ولا تخلو الإشارة إلى بعض هذه الملابسات من فائدة:


1 - بعض الصعوبات في المعالجة ترتبط بطبيعة المرأة، وتوافر عناصر الأنوثة فيها بكلّ أبعادها، ووجود إمكانيات التأثير العاطفي بتجليات روحية، وقدرات الشدّ والجذب؛ مما دفع نسبة كبيرة جداً من أصحاب الفكر والفتوى إلى أن يستعجلوا التفكير في الاحتواء والمراقبة الشديدة، والسعي لشرعنة كلّ وسيلة تضع حداً للوجود الأنثوي في الحياة الاجتماعية؛ مبرّرين ذلك بحرصهم الشديد على صحة المجتمع والحياة، وكذلك الحفاظ على هدوء الرّجل العاطفي، وتأمين الاطمئنان الروحي لهما.

من الطبيعي جداً أن أتجنّب _ في هذه الفرصة الضيّقة، إبداءَ الرأي وتقييمّ هذه التوجهات، غير أن معرفة هذه المناشئ المتمثلة بخلفيات الاستنتاجات الشرعية والفتوائية وأسنادها أحياناً، تدعم تأمين وضوح الصورة وتوفير إمكانيات تطوير وتحريك هذه النظريات المتعلقة بالمرأة عموماً. ولعلّ الشعور بإمكانية تأمين السلامة النفسية للمجتمع الذي يمثل الرجل العنصر الأنشط فيه؛ من خلال تشديد الرأي فيما يتعلق بالمرأة وحضورها الخارجي؛ أي خارج البيت، حتى لو أدّت هذه الشدّة أو هذا التصعيد في صياغة نظرية الاحتواء للعنصر «الأنثوي» إلى تغييب المرأة من المشهد الاجتماعي. ولعلّ شعوراً مثل هذا قد تدخّل على خط فهم النصوص الشرعية، ووفّر احتمالات خاصة في دلالاتها تنسجم مع ما مرّ من نظرة تجاه المرأة. والركيزة الكبرى في هذا التوجه الغالب ترجع إلى هذا التصوّر؛ بأنّ المرأة هي سبب هذا سبب الاهتزاز الروحي والاضطراب النفسي. لأجل إحكام مثل هذه النظرة الواسعة ثم الاستدلال بمتون نُسبت إلى الدين، تتحدّث عن تفوق المرأة على الشيطان في الكيد والحيلة والانحراف بالرّجل، كما أنّ هؤلاء قد فهموا من اعتبار كيد الشيطان ضعيفاً في القرآن وتعظيم كيد النساء في سورة يوسف، دليلاً على صدقية قولهم، مما أقنعهم بضرورة تكثيف الوسائل كافة في تشريع هذه الرؤية، وإقصاء الحياة العامة عن هذا الكائن المستعد لبثّ الشر، المنطوي إلى الإثارة والإغراء والإغواء.


2 - إنّ طبيعة النصوص الشرعية واشتمالها على كثير من عناصر التعقيد والإبهام _ فيما يتعلق بالمرأة وقضاياها طبعاً، إلى جانب ما سنطرحه في الملاحظة الثالثة لاحقاً _ قد تسبّب في نشوء تعددية كبيرة جداً، قد وصلت في بعض الأحيان إلى درجة التفاوت، وعدم التلاؤم والانسجام في آراء وتوجهات، تبلورت في خطاب العلماء وأصحاب الرأي الشرعي والفقهي حول الموضوع.

ولا أعتقد أنّنا نواجه مشكلة ملحوظة في الحصول على عدد كبير جداً من الكتب والمقالات، التي قد كتبها علماء مسلمون، تنطوي على القدح والذمّ في حقّ المرأة، وهي في أكثرها تشتمل على محاولات ربطها بفهمٍ خاص لنصوص شرعية، خاصة الحديثية، ولعلّنا نشير إلى ما نقل عن الإمام علي (عليه السلام) في هذا الخصوص لاحقاً.

إنّ تعدداً وتنوعاً متراميين في ما تمّ النص عليه حول قضية المرأة ومتعلقاتها الفكرية، قد أنتج تشكيلة واسعة، وطيفاً مختلف الألوان من الاستنتاجات. وأحسب أن التيارات الرئيسية الفكرية في الإسلام، تمثل مثل هذا التنوع. فعلى سبيل المثال، بالإمكان أن نلفت انتباهكم إلى موقعية المرأة المرموقة لدى محي الدين بن عربي وقراءته الفذّة عن المرأة، وعن الأنوثة والجنس.

لا يعني ذلك أن الفلاسفة قد تبنّوا هذا الرأي، كذلك أصحاب الحكمة والعرفان؛ لأننا نرى أنّ شخصية فلسفية كبيرة جداً في هامش لها على أحد كتب صدر المتألِّهين محمد الشيرازي؛ صاحب الأسفار يقترب من إخراج المرأة من الإنسانية، وينصّ على أنّ الله قد خلع عليها لباس الإنسان؛ ليرغب فيها الرجل.

مع ذلك، فإن القول باعتبار التوجه الفلسفي والكلامي أكثر هدوءاً واعتدالاً، لو قارناه بالقناعات المتوافرة في الكتب الفقهية، لا يخلو من صحة ولا يبعد عن الصواب كثيراً.

ما أودّ ذكره هنا ليس أكثر من القول: إنّ الاختلافات الكبيرة والتعددية _ المشار إليها آنفاً _ تنبع من تنوع المصادر وتعدد النصوص من جهة، واختلاف الأفهام والعقول من جهة ثانية، إلى جانب تكثّر المناهج في فهم النص الشرعي، كما سنتعرض له لاحقاً.


3 - ما يجب الانتباه إليه هنا؛ أنّ مجرّد وجود نصوص شرعية ودينية مختلفة _ حتى في حال وصولها إلى مستوى يصحّ فيه التعبير عنها بالمتناقضات والمتفاوتات _ لا ينبغي أن يُنشىء مشكلة مستعصية على مستوى الدلالات، إذا تم التعامل معها على ضوء القواعد والمقاصد الكلية، المتعلقة بكل حقل ومجال.

إن المحاولات الاستنتاجية والاستنباطية الرامية إلى تأسيس نظريات إنسانية خاصة حول المرأة وقضاياها، لو جرت بعيدة عن هيمنة الأصول الحاكمة على الفلسفة الدينية العامّة، وبمنأى عن الفهم الشمولي والكلي للنص الديني، يمكن في هذه الحالة، فقط أن نتوقّّع توجهات فكرية، وتيارات متناقضة لا تكاد تجتمع حول محور وتتقارب فيما بينها، حيث يصعب جداً أن يتم التقدم بتفسيرات عنها، تتلاءم مع أصول الشريعة ومنظومة القيم الشمولية للدين.

وخلاصة القول في هذه النقطة الأخيرة؛ أنّ غياب عناصر متنوعة في صياغة النظريات الدينية، مثل عنصر وعي التاريخ وسياقاته الخاصة، والخصوصيات المحيطة بموضوع المرأة أو تجاهل الفهم الاجتماعي الشمولي للدين، وإهمال التوجه المقصدي إلى الشريعة والدين، قد أسّس للتركيز الاجتهادي على القواعد الرجالية، وما هو مألوف لدى الفقيه في الاتكال عليه؛ لأجل الوصول إلى صياغة نهائية لرؤية ما حول المرأة.

أعتقد أن فقدان تواجد منظومة مترابطة متنوعة من هذه العناصر، يسفر عن تكوّن مفردات فتوائية، أو حلقات مبعثرة من التوجهات والأحكام الشرعية فيما يخصّ المرأة، حقوقاً، وستراً، وتربية، وواجبات وما إلى ذلك، بحيث يجعل من الصعب اعتبارها قابلة لإنشاء فقرة طبيعية وحلقة متصلة بغيرها، من أبعاد وحلقات المنظومة الشرعية المتكاملة، وبناء تصوّر ديني شامل يحكم الأبواب والفصول الدينية كافة، والعمل إلى إيجاد مخرج للنصوص من الرؤى التجزيئية والقراءات المتقطعة والمتشتتة أحياناً.













.
.

 

 

 توقيع ديك الجن :
الدِّيكُ يمتدحُ هديلَ الحمامة؛ لأنَّ الحمامةَ تمتدحُ صياحَ الدِّيكِ .


حكمةٌ لا يهم أن تعرف قائلها !!

.
.
ديك الجن غير متصل   رد مع اقتباس