هذا بحث قيم للشيخ / نجف علي الميرزائي بعنوان :
إشكاليات في قراءة قضايا المرأة إسلامياً:
(المرأة في نهج البلاغة نموذجاً)
أتركه بين يديك أخي أبا حسن ، أظنه سيضيف أفكاراً أخرى ، وقد يجلي نقاطاً لم تذكر في موضوعك ، سأحاول الاعتناء في إدراجه فهو يحتاج إلى قراءة متأنية ، وهذا القسم الأول من بحث الشيخ :
تحظى قضية المرأة بأهمية قصوى. والسعي لطرح أسئلة أساسية ومصيرية حولها يدعّم إمكانيات الخروج من أكثر من مأزق وعلى أكثر من صعيد فكري واجتماعي، خاصة في حال الالتفات إلى أن المشاريع التنموية المعروضة في الأجواء الإسلامية _ خصوصاً تلك المتأثرة بالحضارة العصرية _ هي في حالات كثيرة منقطعة عن دور المرأة الحقيقي، حيث إنّ التركيز فيها هو على عناصر مادية مثل الصناعة والتكنولوجيا أكثر من العمل على قضية المصادر البشرية.
تجاهل المرأة هو نتيجة فقدان «الشمولية» و«الاستيعاب» في النظريات المعاصرة، خاصة تهميش دور «التربية الحضارية» بالمفهوم الديني الكوني، الشامل طبعاً. وأظن أن اقتضاب قضية المرأة والعنصر النسائي في الحياة في «الحقّ» ومن ثم إيجاز هذا الحقّ فيما يتمّ التعبير عنه بـ «تحرير المرأة»، ليس أقل خطراً على مصير الإنسان من أزمة التجاهل والتهميش في حقّها.
ومع ذلك فإنّ الحق يقال: إنّ كثيراً من الحقيقة الصافية في المرأة قد تضيع، بفعل التهميش والسعي إلى تغييبها عن مسار الحياة. إلاّ أنَّ مجرد انطوائها على عناصر الأنوثة والرحمة والحنان وغيرها من المواصفات الطبيعية، لا تجعلها، _ بالضرورة _ قادرة على أداء الدور المقرّر لها في القضية الإنسانية الشاملة، فلا بد من تأمين فرص التواجد لها في مجالات التوعية والتربية والتعليم أيضاً؛ الأمور التي قد غابت أو غُيِّبت عنها بفعل هذا التهميش، فسقطت فاعليتها التوعوية والتربوية في عصور ومجتمعات كثيرة.
في الحقيقة، إنّ عملية تغييبها وتهميشها، قد أفضت _ وما زالت _ إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمجتمع، من الناحيتين النفسية والاجتماعية معاً. ولا أرى الفرصة هنا متاحة لبسط مفهوم هذه الأضرار، غير أنّ التربية الشاملة والعميقة لا تنتشر وتتوسع على أطراف الحياة الاجتماعية بتوازن دون حضور عفيف، ونشاط هادئ وصحّي للمرأة.
وأما السائد اليوم؛ هو توظيف ينطوي على التهميش الحقيقي لها: لأنّ المرأة الصالحة لبناء الشخصية المتزنة، والعنصر الأساسي في إنشاء البنى التحتية الإنسانية للمجتمع، والقادرة على صياغة السلوك والشخصية، قد تحوّلت إلى أداة تسويق ووسيلة ترويج في بعض المجتمعات المتمدنة. وحاولت الأيدي الرابحة والرؤوس المتاجرة التضليل والتعتيم الإعلامي، عبر تسمية هذه العملية التوظيفية، وتشييئ المرأة؛ بالتحرير وإعادة الحقوق إليها!.
ومن المؤسف أن يرى المرء _ اليوم _ أنّ أكثر التوجيهات السائدة، تقترب إلى أحد التوجهين الآنف ذكرهما، بينما التوجه الشرعي، والديني الشمولي شديدُ الحرص على تأمين فرص زيادة الوعي والتربية لها، من خلال توفير إمكانية الحضور والتواجد الأنثوي في مجالات التطوّر والتحوّل من جهة، والحثّ على وضع حدود وأطر دقيقة لحضورها الاجتماعي، وإبداء حساسية شرعية وإنسانية عالية فيما يخصّ كرامتها وشخصيتها، وتشريع قوانين صارمة تضمن الأمن والكرامة لها في كلّ مجال... هذا هو النهج الوسطي الإسلامي.
.
.