ثم يواصل القول:
فإذن الولاية تأتي بالنص، وموردها ليس فقط في المعصوم، وإنما من وقع عليه النص من الله تعالى أو نص عليه المعصوم كما هو مالك الأشتر وهو غير معصوم على مصر وعبدالله بن عباس وهو غير معصوم على البصرة وكذلك أخوه عبيدالله بن العباس على اليمن وهو غير معصوم، وسائر ولاة أمير المؤمنين(ع) على سائر أمصار الدولة الإسلامية؟!.. وهذا اللون من الولاية هي ولاية جزئية، ولكن مورد الإيراد هنا أصل الولاية، فحتى هذا الجزء لا يكون إلا بالنص، وهناك ولايات أقل بكثير من هذه الولايات، ومع ذلك لا تكون إلا بالنص، كالولاية على بيت المال، أو على عهدة من العُهَد، كالعهد إلى سين من الناس بإيصال رسالة إلى والٍ أو إلى شخصٍ آخر وإن لم يكن والٍ من الولاة.
حيث لأولئك الولاة، كما وضحه عهد الإمام علي(ع) إلى مالك الأشتر الشهير كل الولاية إلا أمرين:
عزل نفسه، وتنصيب غيره مكانه دون إذن الإمام، وهذا المكان ليس لخصوصية المعصوم، وإنما لخصوصية الولاية الأعلى، فحتى ولاية الأب فإنه إن أعطى ابنه ولاية ما على ماله فإنه لا يستطيع أن يعزل نفسه وينصب مكانه غيره إلا إن كان ذلك الحق قد أعطاه إياه أبوه، وكذلك يجري الحال في سائر الولايات لسائر الناس.
الثاني: أن يعزل من ليس عليه ولاية في ولايته، كأن يعزل مثلاً عبيدالله بن العباس وال اليمن، فيما ولايته محصورة بمصر.
أما سائر الممارسة الولايتية فهي من حق مالك الأشتر أو عبيدالله بن العباس يمارسها ضمن المرسوم الولايتي له على مصره.
فإذن العصمة ليست شرطاً في الولاية، وإنما النص عليه هو الشرط الأساس، ولذلك فإن مساواة الغبي إياد جمال الدين الإمام الخميني الذي اعتمد على أن النص يعنيه بالتفويض العام بعد الغيبة الكبرى، في حال تصديه لمسؤولية الإمامة الشرعية باعتبار أن مصدر ولايته تلك هي الإمام الحجة(ع)، أي لا ولاية له إلا من خلال تفويض الإمام الحجة(ع) للفقهاء باعتباره فقيهاً.. فما عند الشيعة أن أبو بكر شخص مغتصب، حيث النص على أمير المؤمنين(ع)، وليس عليه، وهو أخذه اغتصاباً، فيما الإمام الخميني تصدى، ولم يسلب المقام، وإنما تصدى في غياب المعصوم لذلك المقام، بناءً على ما فهمه من النصوص المروية عن المعصوم بالتفويض من قبله لرعاية المقام في غيبته.
وعلى ذلك فإن المجال اختلف في موضوع أبي بكر والإمام الخميني، وهنا أتذكر مقالة أمير المؤمنين(ع): أنزلني الدهر وأنزلني وأنزلني، حتى قيل علي ومعاوية، فأي مصيبة أن يساوى هذا المفلس الفقيه الزاهد المطيع لله ولرسوله ولوصيه بالمغتصب ما ليس له، والعاصي لله ولرسوله؟!!.. فأي جرأة حملها هذا المتنطع؟!..
فهمنا ما قاله الإمام الحسن العسكري في العمريين الوالد وابنه عندما قال عنهما: (( العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع . لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان)).. ولو انحصر النص في القول لأمكن القول بأن تبليغهما منحصرٌ في إبلاغ الرسائل، أما عندما يقول: فما أديا إليك فعني يؤديان، فدلالتها تفويض ولايتي من الإمام الحجة إليهما، وإن كان لا يؤخذ من هذا النص مفهوم الولاية السياسية على إطلاقه لأنه لا يفيد ذلك.. إلا أن مجموع القرائن في هذا النص ونصوص أخرى كقوله مثلاً: وأما من كان من الفقهاء حافظاً لدينه صائناً لنفسه مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلدوه.
وإن كان هذا النص أيضاً لا يفيد الولاية، وإنما يفهم منه أن متابعة الفقيه فيما يقول كونه مخول من قبل المعصوم في ذلك، إلا أن في المسائل الولايتية لا يمكن أن يقلد الناس الفقيه، وإلا لاختلط الأمر، وبالتالي فإن هذا النص يظل قرينة وليس نصاً كافٍ وحده في البين..
ما فهمه الفقهاء في الشأن الولايتي هو في مقبولة عمر بن حنظله وقد أسماها الشهيد الصدر بالصحيحة، وكذلك آية الله السيد علي الفاني، والشيخ فاضل اللنكراني، وكذلك السيد جعفر مرتضى العاملي، على حد علمي، مع أن الإمام الخميني يميل إلى كونها صحيحة، إلا أن الإمام كونه رجالياً ملتزماً بطرق المدرسة التقليدية في تعديل الرجال فإنه اكتفى بقوله بالمقبولة، مع وضوح ميله إلى كونها صحيحة.
وهناك أيضاً قرائن كثيرة تسير في نفس اتجاه مقبولة عمر بن حنظلة، ولكن لا يسعني التفصيل أكثر، فإني أشعر بأنني أوجدت الملل لديكم.. فأكتفي بنقل أهم ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة:
« سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك ؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل، فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ )
(13).
قلت: فكيف يصنعان ؟ قال: ينظران من كان منكم، ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا و حرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخفّ بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله ».