عزيزي أبا ولاء... قلتَ بارك الله فيك :
(إذن انت لم تنفي انك تنقل الفتاوى بقصد تخطيأها وبقصد تسخيفها او التقليل من شأنها .)
أرجو الدقة في تعبيرك فأنا أنقل من الفتاوى ما هو غريب وما كان خطأ، ولست أخطئ الفتاوى، وكأني أتعمد تخطيء الفتوى أيا كانت، وكأن الأمر لعب وهوى، ثم آمل منك عدم تقويلي مالم أقله فأنا لم أقل بأنني أسخف أو أقلل من شأن الفتوى وقد نفيت هذا في أكثر من رد فآمل احترام وجهة نظري وعدم اتهامي بالتسخيف.
اعلم يا عزيزي بأن الفتاوى بحر متلاطم فيها المألوف والغريب والخطأ والمتناقض والقوي والهزيل ووو... فالفتيا في نهاية الأمر جهد بشري، واختلاف العلماء في المسألة الواحدة وارد بكثرة في كتب الفقه.
وكلام السيد محمد حسن الأمين واضح جداً :
( استخدام البعض لقاعدة "الراد على الفقيه كالراد على الله" كان استخداماً ضاراً؛ لأنه أسهم في إضفاء القداسة على عمل الفقيه...إلخ )
وقد ناقشته أنتَ وقلت بأن عمل الفقيه عمل مقدَّس، فأنت الآن تضفي القداسة على عمل الفقيه، وقداسة العمل تعني تنزيه العمل وتطهيره من الخطأ والعيب والنقصان والاشتباه وكل أشكال النقض والرد حاله حال القرآن الكريم فهو مقدس بحيث لا يقترب أحد من حدوده، أليست هذه القداسة هي شكل من أشكال العصمة؟، بينما السيد ينفي فكرة القداسة عن عمل الفقيه ويؤكد بأنه عمل بشري (طبيعي) نسبي (ليس مطلق) تاريخي ( محدود بمرحلة زمنية قد يتغير في مرحلة أخرى) .
ها أنت إذن يا عزيزي تناقش فقيهاً وترد على كلامه إذن أنت تمارس النقد مع فقيه .
قداسة عمل الفقيه شيء واحترام عمله شيء آخر فآمل عدم الزج بالمفردات دون وعيها.
ثم أنك تفترض لمناقشة الفقيه بأن يكون النقاش في أدلته التفصيلية ومبانيه وهذا افتراض يقودنا إلى النتيجة التالية بأن لا أناقش إلا إذا أصبحت فقيهاً يعني في مستواه، فالنقاش على حسب افتراضك محصور بين الفقهاء فقط .
بينما كلام السيد الأمين واضح وضوح الشمس لا يفترض كل هذه الشروط التعقيدية إنه يعطي مساحة أكبر في التدخل في عمل الفقيه تأمل كلامه جيداً :
(وما دام جانب كبير من عمل الفقيه يعتمد على علوم كثيرة ليست من اختصاص الفقيه وحده، فإن مجال التدخل والنقد في عمل الفقيه ليس مقصوراً على الفقهاء وحدهم، بل من حق المتوفرين على هذه المعارف التي يرتكز عليها عمل الفقيه أن يتدخلوا من مواقع معرفتهم واختصاصهم.)
فالفقيه حينما يرتكز على علم الاجتماع مثلاً وأنا إنسان مطلع على هذا العلم ومهتم به فمن حقي أن أناقش المسألة من جهة اهتمامي وهكذا في بقية المعارف.
فمسألة تكفير المسلم وإباحة دمه مثلاً لها صلة كبرى بأمن المجتمع الإسلامي وسلامة المسلمين
فمن حقي التدخل في هذا الجانب (الجانب الاجتماعي) ونقد هذه المسألة، ثمَّ إنني واحد من المجتمع الإسلامي يضرني ما يضر المسلم الآخر وسيقع عليّ ما سيقع عليه .
فللطبيب والفلكي والاجتماعي والصحفي و المثقف والأديب والشاعر ...مزاحمة الفقهاء فيما تتوفر لهم من معارف بحسب مواقع معرفتهم واختصاصهم، ولا يلزم المتدخل أو الناقد أن يكون له ناقة و جمل في الفقه والفقهاء فتأمل عبارة السيد:
"النقد في عمل الفقيه ليس مقصوراً على الفقهاء وحدهم"
وتأمل الدقة في العبارة :
"من مواقع معرفتهم واختصاصهم"
يعني التدخل مباشرة من جهة اختصاصه لا يلزمه بالضرورة أن يتعرف على أدلة الفقيه ما يهمه هو اختصاصه أما الأدلة الفقهية فهي للفقيه خاصة به، وللمتدخل أو الناقد أدلته أيضاً في مجاله،
وقد تتعارض أدلة الفقيه علمياً مع أدلة الطبيب مثلاً في مسألة طبية فيحق للطبيب الرد على الفقيه دون الرجوع لأدلته فالطبيب هو صاحب الشأن في المسألة، ولو كانت معرفة أدلة الفقيه ضرورية ومهمة في النقد لأضافها السيد في كلامه وقال : بشرط أن يفهم المتدخِّل الأدلة الفقهية ومباني الفقيه، ولكنك تفترض أشياء وشروط من عندك.
فليست المسألة إذن "خبصة" أو سائبة بلا شروط ولا قيود ولا حدود، فهل ما زال فهمي لكلام السيد خطأ ؟ .
أما عن مسألة أني لا أمتلك أدوات النقد فهذا هو تقيمك الشخصي لي والتقيمات الشخصية لا أعرف كيف أناقشها أو أرد عليها ؟
ولكني بحمد الله أمتلك عقلاً أميز به بين الصحيح والسقيم والغريب والمألوف والواضح والغامض وأمتلك قليلاً من المعرفة والثقافة والاطلاع في الجوانب التي أتحدث عنها، ولا أبخس الآخرين حقهم في هذا، فهم يمتلكون أيضاً ولكن بتفاوت، فآمل منك عزيزي الابتعاد عمَّا هو شخصي والتركيز على الموضوع.
ثم إنك يا عزيزي تردد مصطلحات من قبيل : تقليد – اجتهاد – تخصص –تخصص التخصص .
وكل مصطلح له مفهوم وحدود وتفصيلات وتطبيقات مختلفة ستخرجنا عن أصل الموضوع.
ولقد قلت لك بأنني لا أنقض فقيهاً ولم أتدخل في تخصصه الأصلي (الفقه) إنما هو تناول في رأيه
وليس في شخصه وتدخل في الجانب الذي توفرت لدي فيه المعرفة بطريقة مؤدبة وبتساؤلات علمية منطقية عقلية.
قال الإمام علي عليه السلام: الناس ثلاثة: عالم ربَّاني، ومتعلّم على سبيل نَجَاة، وهَمَج رَعَاع، أَتْباع كلّ ناعق، مع كلِّ ريح يَميلون، لم يَسْتضيئوا بنُور العِلْم، وِلم يَلْجأوا إلى ركْنٍ وَثيق.
وإن شاء الله نكون وإياكم متعلِّمين على سبيل نجاة .