<5>
وعلى سبيل المثال نذكر أن الكاتب الإنكليزي (روبرت كلارك) (المتخصص في كتابه القصص العلمية) نشر عام 1948م كتابا تحدث فيه عن قمر صناعي استقر في سماء لندن بارتفاع ستة وثلاثين ألف كيلو متر، ولأن دورته حول الأرض كانت تستغرق أربعا وعشرين ساعة، أي نفس المدة التي تستغرقها الأرض في الدوران حول نفسها، فقد استقر في سماء لندن بصورة دائمة.
فإذا عرفنا أن الأقمار الصناعية لم تطلق في الجو إلا في عام 1957م، فمعنى ذلك أن الخيال الروائي لروبرت كلارك قد سبق الواقع العلمي، أي أن أساطير كلارك وخيالاته الرومانتيكية قد تحولت إلى حقيقة علمية بعد ذلك بقليل.
ففي مناسبة احتفال العالم بالسنة الجيوفيزيائية الدولية، قام الاتحاد السوفييتي في الرابع من أكتوبر عام 1957م بإطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء، واسمه (سبوتنيك)، وكان يزن 83.600 كيلو غرام.
ولكن لم يفكر لا الروس ولا سواهم في صنع أقمار وسفن فضائية عملاقة، ولا فكروا في إطلاق قمر صناعي يصل إلى ارتفاع 36 ألف كيلو متر ثم يدور حول الأرض ويستقر في نقطة معينة في الفضاء إلا في عام 1969 عندما أطلق الروس هذا القمر إلى تلك المسافة بعينها واستقر فعلا في نقطةٍ معينة.
واليوم (أي في عام 1972 الذي أعد فيه هذا الكتاب في أصله الفرنسي) توجد ثلاثة من الأقمار الصناعية المستقرة (Sattlite) في مراكز ثابتة في الجو وهي تستقبل البرامج التليفزيونية والمكالمات الهاتفية من جميع أنحاء العالم وتنقلها إلى جميع أنحاء العالم.
ومما يذكر أن الكاتب الإنجليزي روبرت كلارك، الذي هداه تفكيره الروائي إلى حقيقة الأقمار الصناعية، وهي الحقيقة التي تأكدت علميا بعد ذلك بواحد وعشرين عاما، لم يدرس علوم الفضاء في أي جامعة، ولا كانت له دراسات جامعية، لأنه توقف عند المرحلة الثانوية، كما أن من غير المتصور أنه كتب روايته الموسومة (36 ألف كيلو متر) من قبيل التخيل المجرد، وأن هذا الخيال قد تحول بمحض المصادفة إلى حقيقة علمية تتمثل في (تلستار)(5) وهو القمر الصناعي الذي يدور مع دورة الأرض ويستقر في الجو على بعد 36 ألف كيلو متر من الأرض.
ومن هنا اهتم العلماء الروس بما كتبه روبرت كلارك، وأبدوا اهتماما مماثلا بكتابات العلماء في الغرب، وكذلك بالروايات والقصص التي تصدر في العالم الغربي، إذ ثبت من التجربة أن كثيرا من النظريات التي سيقت في قالب روائي خيالي قد تحولت في ما بعد إلى اكتشاف علمي أو اختراع علمي.
وهذا يدعونا إلى شئ من الاطمئنان في كتابات الروائيين التي تدور حول مضاد المادة، فليس من المستبعد أيضا أن تتحول تلك النظريات إلى حقائق علمية إما باكتشاف العالم المسمى بمضاد المادة، وإما باكتشاف عالم مشابه له.
ومن مقتضى العقل والمنطق، والعقل نعم الحاكم، أن هذا الكون بكل أبعاده وآماده إنما يخضع لقوانين ثابتة لا تتغير، ولولا ذلك لتغير العالم أو تبدد، ولأنقرض كل ما عليه، فلا بد من التسليم بصحة ما ذهب إليه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) من أن هذا العالم خاضع لنظام ثابت من لدن عليم حكيم، ونرى أن علمي الفلك والفيزياء يؤكدان هذه النظرية أكثر من أي علم آخر.
ومن أبرز علماء الفيزياء في النصف الأول من القرن العشرين (الأمير دوبروي)(6) الفرنسي الذي ظفر بجائزة نوبل في الفيزياء عام 1929، والذي أخرج طائفة من الأعمال العلمية الرصينة، وهو أول من أثبت أن الإلكترون هو من الأمواج.
إن عالم الفيزياء يختلف عن الفيلسوف، فالأول يدقق في نظرياته ويقيم عليها البراهين بتجاربه العملية، أما الثاني فيسوق ما يتراءى له من آراء وأفكار مجردة.
والطبيعة عند عالم الفيزياء هي الموجودات والكائنات، وفي مذهب (دوبروي) أن في الطبيعة أمرا واحدا لا يتغير ولا يتبدل، هو القانون (الناموس) ولو أتيح للبشر ذات يوم أن يصنعوا أجهزة تلسكوبية أدق من الأجهزة الحالية، لاستطاعوا رصد الأجرام السماوية التي تبعد عنا مسافة مائة مليار سنة ضوئية والتي تعتبر جزءا من هذه الطبيعة.
يقول علماء الطبيعة إن الشيء الذي لا يوجد في الطبيعة لا يوجد أصلا، ولا يقول العقلاء بوجوده، لأن العقل لا يقول بوجود ما لاوجود له، فإن قبل العقل وجود شئ ما، كان دليلا على وجوده وبقائه.
والأمير دوبروي يقول بأن كل من في الطبيعة يتغير إلا القانون، فهو وحده الثابت.
وثمة يعرض للذهن سؤال هو: ماذا لو فني العالم، هل تبقى القوانين والنظم المتحكمة فيه آخذة مجراها؟
وفي الرد على هذا نقول إن من الأصول المقطوع بها في الفيزياء أن المادة لا تزول ولا تفنى، ولكنها تتغير وتتخذ أشكال متباينة وتصير من هيئة إلى أخرى.
فالتساؤل حول إمكان فناء العالم لا يستقيم من ناحية الفيزياء، لاستحالة انعدام المادة وفنائها، فالصحيح أن يقال أن العالم يتغير من صورة إلى أخرى، وهو حتى في هذا التغير يخضع لقوانين ثابتة لا تقبل التغيير.
ومن هنا يمكن القول بأن هذا العالم الفيزيائي الكبير والحاصل على جائزة نوبل الفيزياء قد أكد نظرية الإمام الصادق (عليه السلام) التي ساقها قبل ألف ومائتين وخمسين سنة والتي يقول فيها إن قوانين الكون ونظمه ثابتة لا تتغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
1 ـ سورة الفرقان الآية44.
2 ـ درجة حرارة الإنسان الطبيعية هي 37 درجة بمقياس سنتيغراد، فإن هبطت إلى 24 أو دون ذلك مات. أما حيوانات المنطقة المتجمدة التي تنام طوال الصيف فتصل درجة حرارتها إلى ثلاث درجات فوق الصفر بمقياس سنتيغراد، وهذا لا يختلف عما قاله الإمام الصادق عليه السلام. (المترجم).
3 - يكتب هذا الرقم الفلكي بوضع خمسة عشر صفرا إلى يمين الرقم3. (المترجم).
4 - تسمى هذه المجموعة الكوكبية في اللغات الأوروبية بكم هيركولبس Hercules (المترجم).
5 - تلستار لفظة ذات مقطعين، يعني مقطعها الأول الاتصال عن بعد Tele ويقصد به الاتصالات التليفونية والتليفزيونية واللاسلكية، ويعني المقطع الثاني القمر. والمقصود بها أنها تمثل قمرا يتوسل به في تحقيق هذه الاتصالات من على مسافات بعيدة.
6 - يكتب اسم هذا العالم باللغة الفرنسية (دوبروكلي) ويحذف حرفا الكاف واللام عند النطق. (المترجم).
الإمام الصادق(عليه السلام) كما عرفه علماء الغرب
نقله إلى العربية
د نور الدين آل علي