عرض مشاركة واحدة
قديم 27-05-2007, 02:15 PM   رقم المشاركة : 1
الساعي
مشرف زوايا عامة
 
الصورة الرمزية الساعي
 







افتراضي تغيير النفس ... كيف ؟

بسم الله خير الأسماء

تغيير النفس

فإذا كان تغيير النفس من الواجبات العينية بالنسبة لنا، فهذا يعني أنّ على الإنسان أن يمهّد لها السبل والأساليب التي تجعله لا يعصي الله تعالى، وهذا أمر لا ينبغي الاستهانة به، بل لابدّ له من تهيئة مقدّمات وتمهيدات تساعده على ذلك، وكما قال الإمام سلام الله عليه: «أروّضها».
إنّ رياضة النفس أكثر صعوبة في مواجهة النوازع والغرائز الشهوانية التي تعتري الإنسان بحكم تعايشه مع البيئة والمجتمع وهي موانع قوية جدّاً من قبيل: الأنا والهوى وما يستتبعهما وكما قال الشاعر:

نفسي وشيطاني ودنياي والهوى
كـيف الخـــلاص وكلّــهم أعـدائـي


هذه الموانع جميعها تواجهنا وبقوّة، ولكي نسيطر عليها ونكبح جماحها تتطلّب منّا همّة قويّة معاكسة للتغلّب عليها. وشهر رمضان مناسبة جيّدة جدّاً؛ وكما ورد في هذه الخطبة المباركة نفسها من قوله صلى الله عليه وآله: «والشياطين مغلولة فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم» فلنكن حذرين يقظين منتبهين جدّاً.
فما من فرصة للرياضة الروحية وترويض النفس أعظم من الصوم؛ فالإنسان الخاوي البطن تقلّ شهواته، وتتقاعس رغباته الأمّارة بالسوء كلّ حسب استعداده في تقرّبه إلى الله تعالى. وهذه الأجواء الرائعة متوافرة في شهر رمضان أكثر من غيره من الشهور والأيّام، أي أنّ أجواء هذا الشهر تساعد الإنسان على ترويض نفسه، فلنتّخذ من هذا الشهر الكريم مناسبة لتغيير أنفسنا فيه حقيقة.
وهذا شيء ممكن، وهو في هذا الشهر أسهل؛ لأنّ الإنسان مهما كان ـ والعياذ بالله ـ بعيداً عن الخير والصلاح والتقوى، يمكنه أن يستفيد من أجواء هذا الشهر لتغيير نفسه، فإنّ الله تعالى قد أودع هذه القدرة في الإنسان، وفرض عليه الصوم في شهر رمضان كي تكون له فرصة مناسبة جدّاً لإتمام هذا الأمر.
أنقل لكم فيما يلي قصّة أحد العلماء المتّقين في هذا المجال، وكيف أنّه تغيّر تغيّراً كبيراً حتّى أصبح مسلّم العدالة في عصره.
إنّني لم أدركه بالطبع لكنّي سمعت قصّته من الذين عاشرتهم من أبناء الجيل السابق، حيث تعود القصّة إلى ما قبل زهاء ثمانين سنة.
سأنقل لكم قطعتين من تاريخه، وانظروا كيف يمكن للإنسان أن يتغيّر:
القطعة الأولى من بداية حياته: كان طالب علم يدرس العلوم الدينية في العراق، ولكنّه كان شابّاً كأيّ واحد من الشباب في عصره. وكان من عادة بعض الشباب الموسرين آنذاك إذا أراد الزواج هُيّئ له بدلة (حُلّة) من قماش خاصّ يأتون به من سوريا خصّيصاً ليرتديها ليلة الزواج. فإن كان طالب علوم دينية عملوا له منه جبّة أو قباء ـ مثلاً ـ وهكذا.

وحين وافت مناسبة زواج هذا الشاب الحوزوي، اتّفق نفاد هذا القماش من الأسواق. ومهما عمل للحصول عليه، لم يفلح. وكان يوجد من أنواع الأقمشة الأخرى بالعشرات، غير أنّ هذا النوع بعينه كان مفقوداً، الأمر الذي أدّى بهذا الشاب لأن لا يرضى عن ذلك القماش بديلاً!
ولم تكن وسائط النقل متوافرة يومئذ كما هي اليوم لتلبية رغبة هذا الشاب الطالب! وربما لم يكن يملك المال الكافي لإرسال مَن يأتي له به من سوريا ـ حيث يوجد هذا القماش بكثرة ـ على عجل؛ فما كان منه إلاّ أن أخّر زواجه لمدّة سنة كاملة أو أكثر أو أقلّ.

لقد أخّر زواجه كلّ هذه المدّة ليس إلاّ ليكون في ليلة زواجه مرتدياً من ذلك القماش! انظروا كم كان هذا الشاب عابداً لنفسه، بل كم كان بعيداً عن روح التقوى.
أمّا القطعة الثانية من تاريخه، وقد نقلها لي والدي رحمه الله؛ حيث يقول: كان الناس في النجف الأشرف حريصين على الصلاة خلف هذا الشخص؛ لأنّه كان قد وصل إلى مرتبة بحيث كانوا يعبّرون عنه بمسلّم العدالة عند الكلّ، بل مراجع التقليد كالمرحوم السيّد الحكيم والمرحوم والدي والمرحوم السيّد عبد الهادي الشيرازي والمرحوم السيّد حسين الحمامي كانوا يصلّون خلفه ويأتمّون به، قبل أن يتسنّموا مرتبة الإفتاء.
هكذا وإلى هذا المستوى تغيّر هذا الشابّ!! بحيث صار يصلّي خلفه أشخاص أصبحوا فيما بعد مراجع تقليد للمسلمين.
إذاً من الممكن أن يغيّر الإنسان نفسه ولو خطوة خطوة. وشهر رمضان مناسبة جيّدة جدّاً للتغيير.
لا تقولوا: نحن طلاّب علوم دينية نصلّي ونصوم ونقرأ القرآن وندرس وندرّس ونخطب ونكتب؛ واعلموا أنّ الشيطان يركّز عليكم أكثر، ولا حاجة به إلى غيركم لطمعه فيكم، فأنتم همّه الأوّل والأكبر.
روي عن أبي جعفر سلام الله عليه قال: «إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه، فإذا فعلوا ذلك استلقى على قفاه وتمدّد، ثمّ قال: فُزت»(5).

إنّ الشيطان يحاول أن يؤثّر فينا مهما وسعه، ثمّ يتشجّع للتقدّم أكثر. فلو استطاع أن يؤثّر في مجموعنا بنسبة الواحد في المئة كان ذلك العمل عنده خطوة إلى الأمام، فيطمع بالاثنين في المئة حتّى يصل ـ لا سمح الله ـ إلى التسعة والتسعين في المئة.

إذاً نحن ـ جميعاً ـ بحاجة إلى ترويض وانتباه بحيث إذا دخل أحدنا شهر رمضان وخرج منه يكون قد تغيّر ولو قليلاً، وملاك التغيّر هو العمل بالمستحبّات وترك المكروهات.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إنّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم»(6)، وقال صلى الله عليه وآله: «وما منكم أحد إلاّ وله شيطان». فقيل له: أنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا، ولكنّ الله تعالى أعاننـي عليه فأسلم»(7).

ولكم أجمل التحية

 

 

الساعي غير متصل   رد مع اقتباس