<2>
واليقين عند الإمام الصادق (عليه السلام) هو علم ما لا يتطرق إليه الشك أو الريبة، وهو أصل من أصول الدين الإسلامي لأن مصدره هو الله جل وعلا. يقول الإمام (عليه السلام) إن الله واحد، وهو خالق كل شئ، وهو مدبر العالم ومسيره وفقا لإرادته. ومن ينكر وجود الله، برهن على جهله المركب، وكان كالأصم الأبكم الذي لا يسمع ولا ينطق ولا يستطيع استخدام قدراته الفكرية للوصول إلى معرفة الله، ولا هو بقادر على أن ينتفع بتجارب الغير في معرفة الخالق، وحياته لا تخرج عن حدود الأكل والشرب والنوم وإشباع الغرائز دون التطلع إلى أي هدف سام وهؤلاء لا يسعون لفهم شئ، وينطبق عليهم حكم القرآن الكريم (إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا) ـ سورة الفرقان الآية44.
فقد خلق الله الكائنات الحية ومنها الإنسان وخص كلا منهما بما يختلف فيه عن سواه، وهيأ له أسباب البقاء والتناسل إبقاء عليه من الانقراض، وخلق بعلمه وقدرته حيوانات تطيق الحر الشديد في البراري والصحاري، وأخرى تتحمل البرد القارص مهما اشتد، ومن الحيوانات ما ينام بقدرة الله وحكمته طوال أشهر الصيف في المناطق المتجمدة دون أن يحس جوعا أو عطشا ودون أن يتأثر وزنها أو صحتها بهذا البيات، والغريب في أمر هذه الحيوانات أن قلبها ينبض عادة خمسة آلاف مرة في الساعة، ولكنه ينبض في فترة البيات التي تمتد إلى ستة أشهر أو سبعة ستين أو سبعين نبضة في الساعة، نراه ينخفض عدد أنفاسه في فترة البيات الشتوي إلى 25مرة في الساعة.
فإن أنت دنوت من هذه الحيوانات في نومها ولمست أجسامها، لوجدتها باردة كالثلج، في حين أن الحياة سارية فيها، وأنها لن تلبث أن تستيقظ من بياتها عند مجيء الربيع.
أما الإنسان، فلو هبطت درجة حرارته إلى نصف درجة الجرارة الطبيعية لأدركه الموت، ولكن من حكم الله في خلقه أنه يبقي الحيوانات على قيد الحياة ستة أشهر أو سبع وأجسامها باردة في فترة البيات(2).
ولكن الجاهل الذي عميت بصيرته وبصره لا يرى هذه الآيات الماثلة أمامه من صنع ربه.
وكما خلق الله حيوانات تعيش في الأجواء الباردة، خلق حيوانات أخرى تعيش في الأجواء الحارة كالجمل مثلا الذي يقطع الصحراء والفيافي آكلا العشب اليابس والشوك، متحملا العطش وقلة الماء، ويحمل راكبه ليلا ونهارا إلى أن يقع على مورد ماء، وهناك من الأنعام ما لو أكل العشب الجاف لاحتاج إلى شرب كميات كبيرة من الماء، وإن لم تجد الماء لهلكت.
هذه هي قدرة الله الذي منح الجمل طبيعة تجعله يتحمل الحر والعطش في جو لا يطيقه لا إنسان ولا غيره من الحيوانات.
ولو ضل الإنسان في طريقه في الصحراء وترك لناقته اللجام، لقادته إلى نقطة الماء، لأن الناقة تحس برطوبة الماء من مسافات بعيدة، وتهتدي إليه بهذه الحاسة الرهيفة التي هي من تدبير الله لكي يكفل ل (سفينة الصحراء) العيش في القفار. وفي استطاعة الجمل ادخار الماء ثلاثة أيام وأكثر، وخاصة إذا أدرك أنه سيجتاز الصحراء المقفرة.
فالإمام الصادق (عليه السلام) كان على حق عندما قال إن وجود الله لا ينكره إلا من كان ذا جهل مركب. أما من تسلح بسلاح العقل والفهم، ولو في حدود معينة، فلا يشك في وجود الله.