ثانيا: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعنا تشريعيا لمطلق المنع في فعل ما أو من باب التحذير والتوجيه أمثال:
ـ ملعون ملعون من ضيع من يعول
ـ ملعون ملعون مبغض علي بن أبي طالب
ـ ملعون ملعون من يظلم ابنتي فاطمة.
ـ من أبغض عترتي فهو ملعون.
ثالثا: أشار الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى أفعال كونها من الأصناف الملعونة في القرآن، أمثال الكافرين والظالمين والذين يؤذون رسول الله.. أمثال:
المثال الأول: روى الطبري في تاريخه الجزء 11 ص356، والواقدي وكافة رواة الحديث، أن الحكم ابن أبي العاص كان سبب طرده وولده مروان حين طردهما رسول (صلى الله عليه وآله)، أن الحكم اطلع على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً في داره من وراء الجدار وكان من سعف، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوس ليرميه فهرب.
وفي رواية أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله) في قسمة خيبر: اتق الله يا محمد!، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لعنك الله ولعن ما في صلبك، أتأمرني بالتقوى؟! وأنا جئت به من الله تعالى اخرج فلا تجاورني فلم يريا الأطريدين، حتى ملك عثمان فأدخلهما.
المثال الثاني:
روى الترمذي في الجامع، وأبو نعيم في الحلية، والبخاري في الصحيح، والموصلي في المسند وأحمد في الفضائل والخطيب في الأربعين عن عمران بن الحصين وابن عباس وبريده أنه رغب علي (عليه السلام) من الغنائم في جاريه، فزايده حاطب بن بلتعه وبريد الأسلمي، فلما بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها أخذها بذلك، فلما رجعوا وقف بريدة قدام الرسول (صلى الله عليه وآله) وشكى من علي، فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وآله) ثم جاء عن يمينه وشماله ومن خلفه يشكو فأعرض عنه، ثم قام إلى بين يديه فقالها، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وتغير لونه وتربد وجهه وانتفخت أوداجه وقال: مالك يا بريدة! ما آذيت رسول الله منذ اليوم؟ أما سمعت الله تعالى يقول: (إنّ الّذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدّنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً)[الأحزاب: الآية 57].
أما علمت أن عليا مني وأنا منه وإن من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم، يا بريدة أنت اعلم أم الله أعلم؟ أم قراء اللوح المحفوظ أعلم؟ أنت أعلم أم ملك الأرحام أعلم؟ أنت أعلم أم حفظة علي بن أبي طالب؟ قال: بل حفظته، قال: وهذا جبرئيل أخبرني عن حفظة عليّ أنهم ما كتبوا قط عليه خطيئة منذ ولد، ثم حكى عن ملك الأرحام وقرّاء اللوح المحفوظ وفيها: ما تريدون من علي، ثلاث مرات، ثم قال: إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. وفي رواية أحمد: دعوا عليا.
وهذه الرواية واضحة في تصنيف الذين يؤذون الإمام علي (عليه السلام) من أصناف الملعونين في القرآن في محكم قوله تعالى الوارد في هذه الرواية.
وجاء اللعن على لسان الأئمة المعصومين أيضا في أصناف هي أصناف الذين لعنهم الله ورسوله:
أولا: ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فقال يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك فخفض (عليه السلام) بصره إليه فقالما يدريك وما عليّ مما لي عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين. حائك أبن حائك منافق أبن كافر، والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى.. فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك. وإن امرأً دل على قومه السيف وساق إليهم الحتف، الحري إن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد.
ثانياً: ما جاء في توجيهات الأئمة (عليهم السلام) من أمثال لعن الكافرين والظالمين والمنافقين.. ولعن الذين تصدوا للأئمة في دعوتهم لله تعالى.. والقول المشهور عن العباس في حضرة الحسين (عليه السلام) حين دعاه شمراً، وقد أخذ له الأمان من ابن زياد باعتباره من أخواله: صاح الشمر يوم الطف أين بنو أختنا أين العباس وأخوته.. فقالوا له ماذا تريد؟ ـ بعد إعراض ـ فقال لهم لكم الأمان من ابن زياد فخلوا معسكر الحسين، فرد عليه أبو الفضل: لعنك الله ولعن أمانك.. أتئمننا وابن رسول الله لا أمان له. وقد ورد اللعن من لدن الإمام المعصوم في التوجيه وفي تفقيه الأمة بدينها قالوا (عليهم السلام) مثلا:
ـ المنجم ملعون، والكاهن ملعون، والساحر ملعون، والمغنية ملعونة.
ـ ملعون من ظلم أجيراً أجرته.
ـ من آذن الله فهو ملعون.
ـ المحتكر ملعون.
ـ ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها خمر
ـ ملعون ملعون من آذى جاره..
ـ ملعون ملعون قاطع رحمه.
ومثل ذلك كثير.
ملخص القول:
إن اللعن: هو الطرد من رحمة الله تعالى والبوء بغضبه، ولذا فهو واقع يتجسد عن معاصي بعض الآدميين في الأصناف المذكورة، فلا مناص من هذا الواقع لكل من فضل خيار نفسه على خيار خالقه المحسن له، فهم الخارجون على طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته واختارهم لدينه وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بإرادته وكتب على العباد مودتهم وأمر بالرجوع إليهم، ثم هم السفينة المنجية وأحد الثقلين، ولذا فاللعن واقع لإرادة الله سبحانه وتعالى، والملعون هو من يشك في لعن من لعنه الله تعالى ولعنه رسول (صلى الله عليه وآله)، ولعنه أولي الأمر الأطهار المعصومون (عليهم السلام).
و للبحث تتمة ستاتي ان شاء الله