إن الحديث عن شاعر بحجم نزار قباني، حديث ليس له باب أو قفل، سيما إذا كان الشاعر صاحب مدرسة .
فالمقاييس ستكون مختلفة. هل هذه المقاييس ستكون من داخلك أم خارجك؟ أم من مدرسة الشاعر نفسه؟
من الصعب جدا أن تفرض مقاييس داخلية على شاعر ما؛ لأن في ذلك غلقا لكثير من النوافذ التي قد يطل
الربيع من خلالها فتحرم نفسك هواء نقيا .
ونزار قباني عالم بإمكانك استيعابه، ولكن ليس من الممكن تقليده، ومن هنا تكمن عظمة الشاعر وقدرته
العجيبة، فهو أشبه شيء بقمة الجبل تنظر إليها ببصرك فتستهل الأمر، ولكن حينما تضع رجلك تجد الصخور
الحادة والمزالق الخطرة .
فالدخول إلى عالم نزار لا يحتاج إلى تسلح ولبس دروع وما إلى ذلك، وإنما يحتاج أن نفهم ذلك العالم
فندخله بسلاح الفهم والوعي السليم، لا سلاح التهويل والإقصاء. نزار بحر لابد من تجاوزه، لا يكفي
أن أعلمك طريقة السباحة في هذا البحر ولا يكفي أن أحذرك من مخاطره ولا يكفي أن أرشدك إلى
محاره، بل لابد أن تسبح فيه وتصارع الأمواج والأخطار، وتتجاوز كل تلك العقبات ومعك شئ من
المحار واللؤلؤ والمرجان والأصداف الجميلة، أضف إلى ذلك أنك ملكت طريقة السباحة التي قد تعينك
كلما أردت الدخول في بحر ما .
ولد نزار ومعه المؤيد والمعارض، ولد نزار ومعه ألوية يدافع عنها ويناضل من أجلها، وهكذا كل شاعر
لا يخلو من لواء يمثل أهدافه ومبادئه. نزار حمل المرأة ردحا من الزمن يبحث عمن يصلبه عليها، وقد كان
جريئا في ذلك لا يخاف في الفن لومة لائم . لقد حاول ـ كما يقول ـ أن ينتشل المرأة من القيود الاجتماعية
والتقاليد التي تحد من حقوق المرأة، ويجعلها إنسانة لها حق التصرف والتعبير .
ولكن أي امرأة انتشل؟ المرأة / الأمومة، أم المرأة / الحبيبة، أم المرأة / الأنثى ؟
هل كان لنزار أن يخطب في الناس فيعظهم في التعامل مع المرأة، أم أنه مصلح اجتماعي يحل هذه
المشكلة، ويرجع تلك المطلقة ووو ؟
كل هذا لم يلتفت له نزار؛ لأن ذلك ليس من وظيفة الشاعر، فالشاعر سيلتفت إلى تلك الهمسات الجمالية،
إلى ذلك الصوت الأنثوي العذب، إلى ذلك التدفق اللامحدود من العواطف والمحبة والحنان، فيرسمها
لوحة جميلة تثير انتباه ذلك الإنسان / الحجر؛ ليكتشف شيئا غيبته التقاليد والسلطة العمياء .
هكذا أراد نزار من دفاعه عن المرأة، ولكن نقف أحيانا وقفة الحائر أمام تعابير نزار حول المرأة .
فمثلا في قصيدته ( الرسم بالكلمات ) يقول :
تعبت من السفر الطويل حقائبي
وتعبت من خيلي ومن غزواتي
لم يبق نهد أسود أو أبيض
إلا زرعت بأرضه راياتي
لم تبق زاوية بجسم جميلة
إلا ومرت فوقها عرباتي
فصلت من جلد النساء عباءة
وبنيت أهراما من الحلمات
وكتبت شعرا لا يشابه سحره
إلا كلام الله في التوراة
أي انتشال يريده نزار للمرأة حينما يجعلها ميدانا للمعركة، وحينما يتناولها كجزَّار يكشط جلدَها
عن جسمها ويستخدم بعض أعضائها ليكمل بقية لعبته، إنه منظر مقزز .. ولكن حينما نعود إلى الجانب
الإنساني في نظرته للمرأة نجده يقول :
لم أعد داريا إلى أين أذهب
كل يوم أحس أنك أقرب
إلى أن يقول :
اعتيادي على غيابك صعب
واعتيادي على حضورك أصعب
أنت أحلى خرافة في حياتي
والذي يتبع الخرافات يتعب
وتتغير الصورة تماما من ذلك الجزار الشره إلى ذلك الطفل البرئ حين يقول :
فإذا وقفت أمام حسنك صامتا
فالصمت في حرم الجمال جمال
أو يرفعها أكثر فيقول :
أنا لا أطلب عرشا أو إمارة
طالما أنت معي
وجهك العرش وعيناك الإمارة
بكل تأكيد سنقول: رائع ولكن، كيف نوفِّق بين هذا الخلط يا نزار كيف؟
.
.