الحسين الحلاج.. بين خيال الشعروشطحات التصوف ومآرب الإستشراق
دراسات حضارية
20 / 03 / 2005
الحسين الحلاج.. بين خيال الشعروشطحات التصوف ومآرب الإستشراق
د.علي ثويني ـ معمار وباحث- ستوكهولم
مازال اسم الحلاج يتردد على السنة العامة في الآسيتين الصغرى والوسطى وفي حلقات المتصوفة (البكتاشيين) ولاسيما في البلقان . وتتضرع ألسّنة النسوة له شفاعة عند الله من شر متربص لذريتهن أوحتى يبعد الخوف والبكاء عنهم . ومكث مريدوه قرون بعد صلبه على ضفة دجلة في بغداد ينتظرون ظهوره مبعوثا من السماء .أنه من أكثر الشخصيات العراقية المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي بالرغم من أننا لا نسمع الكثيرعنه في خضم زحمة الأسماء والأعلام والأئمة . هو أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج' رجل تناسته الأيام وغشت على اسمه غمامة الدهر واكتنف الحديث عنه غمز ولغط المتبارين في سجالات المشارب ،حتى كاد أن يكون أسطورة يتناقلها المتهامسون باطنا أو ظاهرا. وثمة تنويهات عنه هنا وهناك بسلب أو بإيجاب أو باقتطاف أو إسهاب . واليوم أعاده لنا وتقمص شخصه رجل فرنسي تناغمت بينهما السجايا وتداخلا روحيا حتى وسم لويس ماسينيون توأم الحلاج .لقد وجد الرجل في صاحبه الدفء والملاذ الذي يبحث عنه في ظلمة الروح المعتمة ،فوهبه الحظوة وأنار سيرته وأثاره ،و أعاد لنا إنتاج قصته من روافدها المشتتة التي أصبحت أشلاءا بين دفات الكتب والرسائل و أخبار أهل التصوف . يلفت النظر الاهتمام الذي أولاه رجالات الأستشراقي الغربي لهذه الشخصية البعيدة على عكس ما ألفنا قراءته او سماعه عن شخصيات الإسلام "المرموقة" من سلاطين وأمراء وفاتحين وفقهاء وعلماء ،حتى بدا لنا الأمر مختلفاً عما أريد "إسماعنا" . ووجد كل باحث عن مظالم التاريخ في هذا الرجل نموذجية الغبن والاضطهاد الفكري ،وغالى القوم في سردها، وتمادى أصحاب الأحاسيس المرهفة فشبهوه بسقراط أثينا أو غاليلو القرون الوسطى ومنهم من بحث له عن مخرج ومنهم من أعطاه الحق كل الحق ومنهم من رثا حاله وأعتبره ضحية مس من الجنون ورهط من المتزمتين تشفى به وأعتبره مارق وزنديق ..الخ .
لقد اطلع مثقفو مصر والمغرب قبل أهل المشرق العربي على سيرة هذا الرجل تبعا لإطلاعهم المبكر على الثقافة الفرنسية ومكتوبات (ماسينيون) ، الذي عمل في العراق وعاش ردحا من الزمن في المغرب والجزائر ودرس ودرّس في مصر في أوائل القرن العشرين ووصل ذروة الاهتمام بقصة هذا الرجل الأسطوري حتى أماط اللثام عن تفاصيل دقيقة من سيرته.
الحلاج والاسكندينافيون
كل ذلك كان معقولا ، ولكن أن يقفز اسم الحلاج الى الصدارة في اهتمام أهل الشمال الاسكندنافي فهو حدث له دلالة واحدة هي عالمية الفكر الإنساني ومشاعية الثقافة وانطلاق المعلومة مثل إنتقال الهواء . الأمر الذي جعل أهم شعراء السويد (أنغمار ليكيوس) ينظم أجمل قصائده في ذكر هذا الرجل .حتى تكاد عندما تقرأها (ولاسيما بلغتها الأم) أن ينتابك شعور بأنك أحد الحاضرين لحظة إعدامه وينقلك فيها الى أجواء بغدادية لترثي حالها و حاله.وكانك تقف جنب إحدى النسوة التي أغمي عليها أو خلف رجل أطلق زفرة حزينة من أعماقه.
و(أنغمار) هذا من فحول الشعر السويدي بالرغم من عدم وجود جذور عميقة للشعر في أعراف الشماليين ، ورثة (الفايكنك) ولكن حالته مع مجموعة أخرى من الشعر الاسكندنافي تشكل حالة فذه. وقد يكون أطلاعنا كعرب على الشعر السويدي شحيحاً،وبالمقابل فان اطلاع السويديين على الشعر العربي ليس ببعيد أمد .وتوجد اليوم حركة ترجمة للشعر العربي ومن الشعراء المحدثين المعروفين هنا (عبدالوهاب البياتي) و(علي أحمد سعيد(أدونيس)) . و الشاعر (أنغمار ليكيوس) العاشق الثاني للحلاج ولد عام 1928 في مدينة (كريستينا ستاد) جنوب السويد ودرس في جامعة لوند الواقعة على أطراف مدينة مالمو السويدية وحصل على شهادة جامعية بالأدب عام 1954 .وهو بالإضافة الى موهبته الشعرية فقد مارس الترجمة من الآداب الفرنسية والإسبانية وطرق النقد الأدبي وله إهتمام بأدب أمريكا اللاتينية إضافة الى اهتمامه بالإسلاميات . من دواوينه (طقوس أخرى )1951 و(نحو نور مجهول )1982 ، ولكن ما يهمنا هنا هو ديوانه (المسلك الصاعد) الذي صدر عام 1977 والذي نجد فيه ملامح عميقة للتأثيرات الإسلامية والعربية المنحدرة من اضطلاعه بقراءة الأدب الفرنسي والإسباني .