إليهِ حيث حوريّـته ،
إليه بمناسبة قهرِ ميلاده الأول في الغياب
ذلك الذي غدرت به الخطوة، فرحل باكراً
هذا ليسَ نصاًّ تماماً .. إنه حزنٌ يسيل من حنايا قلبي على ورقة !
أرجوكم ، مارسوا خطوَ القراءةِ برفق .. فهو يقرأ معنا ولبصره موطأ نظرة .
الَّّذي كان يُشعِرُني حديثُهُ دَائِماً أنَّني على وَشكِ صَلاةٍ ، رَحَلْ ..
الّذي كانَ يمنحُ الحياةَ فرصة اختِلاسِ لحظةِ فرحٍ ، رَحَلْ .
الذي تتوأم وقلبي .... فـ حلّ !
في مثل هذا اليومِ ............... رَحَلْ .
وَ وقفتُ ..
مشدوهاً على عتباتِ الفقدِ وقفتُ !
أرقبُ فقداً يشربُ قدرة تفكيري .
لأنّها لم تكن على قدرٍ كافٍ من السعةِ لتحملهُ بسنيهِ القليلة وفتوّتِهِ التي لم تأكل بعدُ فاكهة النّضج ، بَذَخَ في رحيلِهِ قبل أن ينتفخَ خبرةًُ وذكاءً أكثر فلا يدري حينها أي بقاع الأرض تحمل مثلَه .
مكبّلَ الضّحكةِ كنتُ أنظر إلى رحيلِهِ و هو يحدثُ ، صادٍ إلى يقينٍ يمنحني بضعَ إدراكٍ بما قد جرى ، وسبباً لقوافلِ العَلقمِ الـ تَزْحَفُ بِاتّجَاهِي .
كان يوم وفاتهِ يُشبِهُ الصِّفر .. الصفر المثخن بالخيبات ، و الصفر الفيزيائي أيضاً ... فجسم الحياة توقف عن الطيرانِ للأعلى ، ثم لما انتشى الموتُ تماماً بِهِ .. عاد الجسم يسقط .
ها أنا مرةً أخرى .. !
أعبر بوابة فقدهِ مرةً أخرى ..
ها هي شمس هذا اليوم ونهارها راكعان .. راكعان جدا حد الحزن .
قامةُ الحزنِ تَطُول بي ، تطول ... تأخذني إلى السماوات ولا تفتأ تطول ، حتى نصلَ إلى العرشِ حيثُ إله الرحمةِ .. فأدعو مستقلاًّ هذا الإقتراب الذي أحدثه الحزن ، أدعو له بالرحمة .
حزننا على أولئكَ أيضاً عبادة ، تقربنا من الله جل وعلى .
ها أنا بعدَ أن تقشَّرَ من كتلةِ الوقتِ عامٌ ، أستعيد كـ من ينبش في كتبٍ قديمة بحثاً عن معلومةٍ قديمة ، أستعيدُ و أنا على بعد لا مسافةَ من حزنٍ يُفرّخُ بي أطنانَ وجعٍ ، أو أقرب .. أستعيدُ ما قد تم توثيقُـه كـ حدثْ .
حتى الأيام ، كانت مُكرَهَةً على تبنّي بداياتِ عراكهِ مع المرضْ .
كانَ انتفاخاً محشواًّ بالخبثِ في ركبته ..
هكذا إذاً استهلّ الموتُ خطةَ سلبهِ من قعر كل القلوب ، كيف لم ألحظ الموتَ إلى جانبه في ذهابه و إيابه ؟ ألأنني كنتُ أرشقُ ما عليَّ من حقٍّ تجاههُ بسهامِ تقصيرٍ مُسننة ؟
ألِأَنّني كـ جاحدٍ لا أكثرَ تعاملتُ مع صداقتنا التي كانت دائما على حافة أن تكون كـ قصّةِ حُبٍّ أسطوريّة .. في الوقت الذي كانَ على تلكَ القصّةِ أن تبدأْ .. ؟
لِـ ذكرى رحيلِكَ جذوةٌ تلتذّ باشتِعالِها فوقَ صدريَ ، سيّدي !!
أنتَ يا شاباُّ جاسدَ الموتَ على مرّ حولٍ ، ثمّ أنجبتَ الخلود .
الخلود الذي يهيّأ لنا اسمكَ باستمرارٍ ، وردةً تُتْلى على كل الشفاهْ . الّذي لم يسمح لجبروت النسيان وعملقته باختطاف اسمكَ بعد انتثار عامٍ من عمر الزمنِ لم يجرب فيه الحزن مشية القهقرى . الخلود الّذي يصبُّ الحبَّ أفواجاً على اسمكَ ، فتنمو حباًّ في عرصاتِ القلوب .
تراكمات الموتِ لم تُفلِح في ارتكابِ الموتِ حتى بعدَ أنْ صارَ جسدُهُ رهناً لـِ غضا الكيماوي، الذي أخذ يشكل تضاريس جسدهِ حسب ما تقتضيه حرارته . كانتْ لهُ ابتِسامةٌ يمكنها بالتفاتةٍ من شفتيه أن تُشْعِرَنَا أَنَّّهُ لا موتَ في الجِوار ، بينما تتلقى أنسجتُهُ بالدّاخلِ بضائعَ الألم و تكدّسات الموت .
كان يشدو ويشدو لخدمة أهلِ البيتِ عليهم السّلام حينَ كانَ صراعهُ المؤلم يسحبه على دركاتِ الوجعِ إلى أسفلها .
تلك الإبتسامة ، و ذلك المضي قدما في الحياة كأن لا موتَ يتربّص بهِ بين ثواني الوقتِ ومنحنيات الدروب .. لم يتقهقرا و يتداعا للغروب حتى بعد أن استئصلوا منه هوايةً لها في نفسِهِ الكثير ،
لامسوا قلبه بعصاً مخضّبة بالألم .. اجتثوا كرة القدم من قائمة هواياته الجمّة .
حاولوا أن يضرجوا طموحه بالخذلان ... بتروا منه قدمهْ .
بترواْ منّي فرَحِي .
ها أنا مبتور الفرحِ مرةً أخرى ، بحزنٍ كُتبَ بالحبرِ هذه المرة كي لا تمحوه مواساة الأهل والأحبة .
ها أنا و قد أهداني القدرُ أحزاناً أخرى استعداداً ليوم ذكرى رحيلك ، فأكون مطوَّقا بالحزن من كل الجهات .... و أحزنَ كما لا بد أن يُحزَنَ عليك .
بعيداً ، غريباً ، وحيداً أطلّ من شرفة هذا اليومِ على ذكرى التفجّعِ فيكَ .
يحدث للأقدار أن تعدُلَ إن كان ذلك يمنحنا ألماً أكثر .فمن العدلِ أن تحتشد كل هذه الأحزانُ في جسدي ، تتناهبُ فوق أنسجته ، تتعارك فوق خلاياه ، تشرب دمائه .. ليكونَ الحزنُ على قياسٍ رحيلك .
ثم تتوقف ما أن يمرَّ علينا يومُ غيابكَ .... تتوقف من من صراعاتها بي
ثم جميعاً
نحزن !
مَرِيدَةٌ هي الحياةُ لـ شارعِ أفراحنا .
مباغتٌ هو الموتُ وسبّاقٌ دائماً للتلذذ بأحبتنا .
فـ بعدَ أن رأى الموت أنه لا يفعل شيئا باستقراره المؤقت داخل أوردتهِ ، ذلكَ أنهُ لم ينسرب إليه اليأسُ حتى بعد بترِ عضوٍ يكتنز إحدى هواياتهِ .. بل قسَّمَ فائضَ الإبداع على بقية هواياته فأصبحَ إنساناً أكبر ، شخصاً يقطر إنسانيةً أكثر من ذي قبلٍ صارَ .
بعد أن رأى الموتُ أن لا ميت من هذا الصراعِ سواه ، رأى أن ينسحبَ غانماً على الأقلّ جسداً ...
موصوماً على جبينهِ عارَهُ :
" جاسم خالداً في كل القلوب "
بعد أن تبكي الحروف تطلب الأحداق حقها أيضاً ، سأبكيكَ جاسم ... واعذر لي كل ابتساماتي القادمة .
11/6 بكل خجلِ يطلّ
الساعة الـ 2:30 حزنا
م
ف
ت
و
ت
القلب