رحمك الله يا والدي.. رحلت حتى لا تشهد رمضان الأمريكي ولا تشهد نكسة حزيران الثانية ومشهد أوسلو الجديد وخزي شرم الشيخ القادم ورياحه العاصفة وزمهريره القاتل القدم نحو مسار العقيدة والسلوك.. والروح..
أقول: ( مداعباً )
وماذا لو عاش والدك هذه الأحداث ؟!
هل كان سيغيّر مسار التاريخ ؟!
هل سيمنع حدوثها ؟! أم سيكون رقماً صفراً مثل أقرانه ؟!
هناك احتمالان يواجهان والدك إذا ما صح كلامك أعلاه :
إما أنك تعوِّل عليه تغيير الواقع فيما لو عاشه معنا .
أو أن واقعنا هذا سيُجلي لنا حقيقة والدك ؛ وأنه ليس إلا رجلاً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويموت في نهاية المطاف وكأن شيئاً لم يحدث من ولادته وحتى وفاته ( إذن. . لماذا تأكلك الحسرة عليه لأنه لم يوفق لإدراك ما ندركه في زماننا هذا ) ؟!
لن نطالبه بتغيير مسار التاريخ في المنطقة كلها فيما لو عاش ؛ لن نحاسبه عن نكسة حزيران الثانية أو غيرها ! ولكننا نسأل :
هل كان سيمنع خدعة الميثاق ؟!
هل كان ليمنع الشيخ الجمري من تقبيل أنف صاحب العظمة وهو في سن أحد أبنائه وتلاوة بيان يُدين فيه نضاله ونضال شعبه ؟!
هل كان سيمنع التجنيس السياسي في بلده ؟!
هل كان سيمنع شرب ( المخزي الإسرائيلي في سوق واقف )؟!
هل كان سيمنع بث برنامج تلفزيوني مخالف للأخلاق في تلفزيون بلده ؟!
هل . .
هل . .
رحم الله المؤمنين ( بما فيهم والدك ) ، فلن أخصه بالرحمة قبلهم ! بل سأضمه إليهم في طلب رحمة عامة ! لأنه كان فيما لو عاش لن يكون مميزاً عنهم .
ويبقى السؤال . .
هل كان سيتغير شيء من الأحداث فيما لو عاشها والدك ؟
وهل هي منقبة أن يعيش أحد في زمن خالٍ من الأحداث ؟! ( والحقيقة أن كل زمان مزدحم بالأحداث ؛ ولكن البعض عاش في زمن لا توجد فيه وسائل إتصالات تنقل له أخبار الأحداث ) فهل عدم حصول أحداث ونكبات كبرى وفجور في قرية والدك كافٍ للقول بأن العالم كان يعيش استراحة أخلاقية لمجرد أن والدك لا يعرف بها !
ليست منقبة أن يعيش أحدهم خارج التاريخ لمجرد أن البُعد عن المشاكل منقبة في ذاتها !
رحم الله روح الله ، هكذا هم الرجال الذين يستحقون أن نخصهم بالرحمة قبل أقرانهم من المؤمنين .
كانت مداعبة أخوية .
=====================
رحم الله والدك ( الذي كان مثل أجدادنا الماضين يعيشون خارج سياق التاريخ )
رحم الله أباك ؛ فقد مات مؤمناً ، فلا تنسوه من دعائكم في طاعاتكم في هذا الشهر العظيم
حيص بيص