عرض مشاركة واحدة
قديم 28-12-2015, 11:32 AM   رقم المشاركة : 3
زكي مبارك
مشرف مكتبة المنتدى






افتراضي رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

مع كثرة الوجوه التي أتت في معنى (ضالاً) نلاحظ أن بعضها غير مقبول الاستشهاد وبعضها مقبول، وهذا ينبئ أن اللغة بحرٌ لا ساحل لها، وأن بعض المعاني يصحبها شاهد تاريخي أو قرآني أو نحو ذلك، وهذا مما لا ينبغي الخوض فيه إلا بعلم.
وقد رأيتم كيف فنّد العلامة المرتضى في تفنيد القراءة غير المعروفة (ضالٌ) وأنها لا تتناسب مع السياق القرآني وتفسد معانيه.
وإن سياق هذه المعاني يعطينا أن المسألة بحاجة إلى استيعاب وتفهم قبل الانخراط في تأويل كتاب الله بغير علم.
نعم .. ذكرت تلك الوجوه دون ترجيح رأي على رأي، إلا أننا بحاجة إلى الرجوع إلى أهل الاختصاص ما وسعنا ذلك، أو الأخذ بما يتناسب مع شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلّم) من خلال ثقافتنا التي بحاجة إلى تعزيز كبير حول تنزيهه (صلى الله عليه وآله وسلّم).

رأي السيد الطباطبائي:
ذكر السيد الطباطبائي في (الميزان) بعض الوجوه في بيان هذه الآية واستبعد غيرها لبيان الضعف فيها، وهي على النحو التالي:
- لا هدى لأي إنسان إلا بالله سبحانه وتعالى، فقد كانت نفسه في نفسها ضالة وإن كانت الهداية الإلهية ملازمة لها منذ وُجدت، فالآية في معنى قوله تعالى (ما كنتَ تدري ما الكتاب ولا الإيمان) ومن هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه (فعلتها إذاً وأنا من الضالّين)، أي: لم أهتدِ بهدي الرسالة بعد.
ويقرب منه ما قيل: إن المراد بالضلال: الذهاب من العلم كما في قوله تعالى: (أن تضلّ إحداهما الأخرى)، ويؤيّده قوله: (وإن كنتَ قبله من الغافلين).
- وقيل المعنى: وجدك ضالاً بين النّاس لا يعرفون حقك فهداهم إليك ودلّهم عليك.
- وذكر قصة ضلاله من حليمة السعدية وضلاله في شعاب مكّة وفي مسيره إلى الشام مع عمه أبي طالب، ويرى بقيّة الوجوه الأخرى ضعيفة.
ولعل السيد الطباطبائي اختار الرأي القائل في (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) يعني: عند قومك "فهدى" أي: هداهم إلى معرفتك.


رأي الشيخ ناصر مكارم الشيرازي:
أما الشيخ ناصر مكارم في (الأمثل) فلا يبتعد كثيراً عن السيد الطباطبائي من حيث قبوله بالأوجه المناسبة لمقام النبوّة، حيث يؤكد أن الضلالة في (ضالاً) ليس نفس الإيمان والتوحيد والطهر والتقوى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، بل بقرينة الآيات التي تعني نفي العلم بأسرار النبوّة وبأحكام الإسلام وعدم معرفة الحقائق، وبعد البعثة اهتدى إلى هذه الأمور بعون الله تعالى.
وأتى على ذكر بعض الوجوه بنا يناسب المقام النبويّ، كأن يكون الضلال بمعنى: النسيان، وأن الله أنعم عليه من المواهب الفريدة مما جعله معروفاً في كل مكان بعد أن كان خامل الذِّكر، وعن قصّة ضلاله عند جده في شعاب مكّة وعن عمه في سفره إلى الشام وذكر بعض الوجوه المناسبة، واختتمها بقوله:
وإذا كانت كلمة (ضالاً) في الآية تعني (المفقود) فلا يبرز إشكال في الموضوع، ولكن إذا كانت بمعنى التائه فالمقصود منها عدم الاهتداء إلى طريق النبوّة والرسالة قبل البعثة، وأن كل ما كان عنده (صلى الله عليه وآله وسلّم) فمنّ الله سبحانه وبهذا يندفع كل إشكال.


رأي الشيخ جعفر السبحاني:
يضع السبحاني ثلاثة احتمالات تناسب مقام النبوّة في معنى هذه الآية، وما عداها غير مقبول.
1- الضال: من الضلالة ضد الهداية والرشاد.

أ- الضلالة صفة وجودية وحالة واقعية كامنة في النفس، توجب منصقتها وظلمتها، كالكافر والمشرك والفاسق. والضلالة في هاتيك الأفراد صفة وجودية تكمن في نفوسهم، وتتزايد حسب استمرار الإنسان في الكفر والشكر والعصيان.

ب - الضلالة أمراً عدمياً، بمعنى: كون النفس فاقدة للرشاد غير مالكة له، وعندئذ يكون الإنسان ضالاً بمعنى: أنه غير واجد للهداية من عند نفسه.
وفي الوقت نفسه لا تكمن فيه صفة وجودية مثل ما تكمن في نفس المشرك والعاصي، وهذا كالطفل الذي أشرف على التميّز وكاد أن يعرف الخير من الشر، والصلاح من الفساد.



الآية في صدد توصيف النعم التي أفاضها الله سبحانه على نبيّه يوم افتقد أباه ثم أمّه فصار يتيماً لا ملجأ له ولا مأوى، فآواه وأكرمه بجده عبدالمطلب ثم بعمّه أبي طالب فكان ضالاً في هذه الفترة من عمره. فهداه إلى أسباب السعادة وعرفه وسائل الشقاء.
تضافرت الآيات على هذا الأصل وأن هداية كل ممكن مكتسبة من الله سبحانه من غير فرق بين الإنسان وغيره.
قال تعالى: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى 50. [طه].
قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى 3 [الأعلى].
قال تعالى: ... وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ... 43 [الأعراف].
قال تعالى: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ 78 [الشعراء].
قال تعالى: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ 27 [الزخرف].
قال تعالى: قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ 50 [سبأ].

الحاصل:
إن الهداية في الآية تفسّر الهداية الواردة في قوله قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، وغيرها من الآيات الأخرى التي تفيد الاعتقاد بكونه ضالاً أي فاقداً لها في مقام الذات ثم أفيضت عليه الهداية من قبل الله سبحانه، وليس الضلالة المساوقة للكفر والشرك والفسق والعصيان.

2- الضلالة، تعني: الضياع .. من ضل الشيء: إذا لم يعرف مكانه، ومنها ما ذكره المؤرخون حول أنه ضل في شعاب مكّة وهو صغير فمن الله عليه إذ ردّه إلى جده، ولولا رحمته سبحانه لأدركه الهلاك ومات عطشاً أو جوعاً فشملته العناية الإلهية فرده إلى مأواه وملجأه.
3- الضلالة: مأخوذة من: ضلّ الشيء إذا خفي عن الأعين وغاب، قال تعالى: (أئذا ضللنا في الأرض)، أي: الإنسان المُخفى ذكره، المنسى اسمه. لا يعرفه إلا القليل من الناس ولايهتدي كثير منهم إليه.
ولو كان هذا المقصود يكون معناه: أنه سبحانه رفع ذكره وعرّفه بين الناس عندما كان خاملاً ذكره منسياً اسمه، ويؤيد هذا الاحتمال قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك)، وهي عبارة عن هداية الناس إليه ورفع الحواجز بينه والناس، وعلى هذا فالهداية: هداية الناس إليه، ويدلل ذلك قول الإمام الرضا (عليه السلام): (قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلّم (ألم يجدك يتيماً فآوى) يقول: ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس، (ووجدك ضالاً فهدى) يعني: عند قومك (فهدى) أي: هداهم إلى معرفتك.


انتهى

زكي مبارك

 

 

 توقيع زكي مبارك :
رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)
الضربات التي لاتقصم الظهر فإنها تقوي
زكي مبارك غير متصل   رد مع اقتباس