جلسة ليلة الأثنين 22صفر 1436هـ ، 14 ديسمبر 2014م الآيات من 187 إلى 189 بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله الذي تفرد بعلم الساعة وبه نستعين ونصلي على نبيه الأمين وآله الطاهرين . واصلنا ما سبق من الحديث حول آيات سورة الأعراف المباركة فكان تشرفنا هذه الليلة في هذه الجلسة بالآيات (187-189) ، وللآيات المذكورة سبب رواه القمي في تفسيره قال : في ج1 ( وأما قوله ( يسألونك عن الساعة إيان مرساها ) فإن قريشاً بعثت العاص بن وايل السهمي والنضر بن حارث بن كلدة وعتبة بن أبي معيط إلى نجران ليتعلموا من علماء اليهود مسائل ويسألوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان فيها : سلوا محمداً متى تقوم الساعة ؟ فإن ادعى علم ذلك فهو كاذب ، لأن قيام الساعة لم يطلع الله عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلا . فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله متى تقوم الساعة ؟ أنزل الله تعالى ( يسألونك عن الساعة إيان مرساها.....) والمرسى هو مكان استقرار الشيئ ( لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم الا بغتة يسئلونك كأنك حفي عنها ) ، وجلى الشيئ أزال عنه ما يخفيه أي أظهره وبينه ، والظهور بغتة يعني الظهور في وقت لا تتوقعه ولم تحسب له حساب ( فجأة ) . ( يسألونك كأنك حفي عنها ) أي يلحون عليك في السؤال عن وقت الساعة كأنك تعلم الغيب من تلقاء نفسك ، وفي الآية يخبر الباري أن من علم الغيب مالم يطلع عليه أحد كحدث القيامة أو ( الساعة ) ، ولحكمة أرادها سبحانه لايظهرها لأحد إلا في وقت قرره سبحانه ، وقد تكون ساعة كل نفس لوحدها وهو عند موتها وقد تكون ساعة عامة وهو يوم البعث وهي ساعة عامة لجميع الأرواح . ومما قاله العلماء من أسبابإ خفاء الساعة ليجد المكلف في تحصيل الأسباب المنجية في ذلك اليوم الذي يحاسب فيه الخلق على أعمالهم . ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي يجهلون هذه الحقائق وهي وقوع الساعة في وقت أثبته الله عنده ، ويجهلون ثقل وقعها على العباد وأهوالها عليهم ، وقد يعلمون أنهم سيحاسبون ولكن يجهلون ماهية الحساب وكيفيته . ( قل ) يا محمد صلى الله عليه وآله ( لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ) لأني كبقية عباد الله ــ فأنا ــ بذاتي لا أنفع ولا أضر إلا أن يمكنني الله لذلك ويأذن لي فيه ( إلا ماشاء الله ) ولله حق المشيئة والإرادة فهو يعطي حق التصرف التكويني والتشريعي لمن يشاء ويمنعها عن من يشاء ، ( ولو كنت أعلم الغيب ) من دون مشيئة الله ومن دون إذن الله بذلك ( لاستكثرت من الخير ) وهو كل ما فيه المنفعة العامة للفرد أو المجتمع كالصحة والعافية ، ( وما مسني السوء ) وهو ضد الخير كالمرض والفقر . والغيب كل ماخفي ولم يظهر ويتضح ، وما استطعت النظر إليه والعلم به صار حاضراً وليس غيباً وهذا مختصر علم الغيب للمعصوم وهو أن الله يطلع نبيه على مغيبات يريد الله لنبيه أن يعرفها فتصير حاضرة له صلى الله عليه وآله وغيباً لنا ، ولا يمنع أن يطلعه الله على أحداث تقع في زمانه او في المستقبل فكلاهما ارتفعت عنه صفة الغيب بعد اطلاع النبي عليه من الله ، وبإذن الله يخبر النبي بهذه المغيبات من يشاء كالأئمة المعصومين عليهم السلام أو حتى من أصحابه المخلٓصين كسلمان وأبي ذر . ( إن أنا إلا نذير ) لكم من مغبة المعصية التي توقع العاصي في شديد الحساب وثقيل العقاب ، ( وبشير) بالثواب الجزيل والمقام الرفيع لمن امتثل لأوامر الله وأطاعه والبشارة والنذارة لا يتعقلها إلا أصحاب العقل والحجى . ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) ، والنفس الواحدة أصل التكاثر للنوع البشري والإحتمال القوي إن هذا الأصل هو آدم عليه السلام ، ( وجعل منها ) الجعل المماثل والنوعي لا ما يذهب إليه الجانحون إلى الروايات الإسرائيلية من أن الله خلق الأنثى من ضلع الرجل ( أو حواء من ضلع آدم عليهما السلام ) ، والسكن في الآية معناه الأنس والقرب النفسي وهذا هو الجاري بين الأزواج وهو لطف من الله لدوام الحياة الزوجية ، ( تغشاها ) نال منها ما يناله الرجل من زوجه ، ( حملت حملاً خفيفاً ) أي أن النطفة انعقدت في رحم المرأة ، وفي العادة أن ثقل الحمل لا يبين إلا بعد تعاقب مراحل تكوين الجنين ، وأثقلها يكون بعد الشهر الرابع ؛ لذا يكون بداية الحمل خفيفاً ، ( فمرت به ) أي تتابعت فيه مراحل نمو الجنين وهي أيام تصعب على الأم ففي كل يوم يحدث لها تغير جسماني وتعب وتقلب في الأمزجة وهذا هو ( الكره على كره ) ، ( فلما اثقلت) شكل الحمل ثقلاً على أمه في بطنها وشعرت بحركته في بطنها وعلمت أنها ستضعه عما قريب ، عندها توجها إلى ربهما بالدعاء ( لئن آتيتنا صالحاً ) وسليماً من الأمراض والعاهات ( لنكونن من الشاكرين ) . ( لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين ) في الآية الكريمة مثال لبني البشر عموماً وتبيان لحالهم عندما يظنون أن حاجتهم إلى رحمة الله تكون وقت الشدائد فقط ؛ لذا يكثر الدعاء والتضرع حين البأس والضُر ، ويجنح بهم اليسر والمسرة والنعيم المرخى عليهم إلى الغفلة والتنكر لآثار رحمة الله وينسون أن قدرة الله أقرب إلى المخلوق من حبل الوريد . جعلني الله وإياكم من الذاكرين الشاكرين لأنعم الله الكثيرة علينا ، وأبعدنا عن طوابير الجادين الغافلين عن آثار رحمته ، التي لا نخلوا منها ولا نستغني عنها طرفة عين . إعداد التقرير / يوسف البراهيم ( بو يعقوب )